فوزية الغيلوفي: الصحفيات التونسيات... إرادة ومثابرة برغم العقلية الذكورية

في زمن ليس بالبعيد، كان المجتمع التونسي لا يقبل بأن تكون امرأة صحفية راكضة بين مكان وآخر باحثة عن الخبر ومصدره، ولكي تكوني صحافية عليك أن تكوني جريئة وقوية وذات نفس طويل ومتمرّدة

زهور المشرقي
تونس ـ .
شهد العقدان الأخيران تطوراً ملحوظاً ونقلة نوعية في اقتحام الشابات عالم الصحافة المسموعة والمكتوبة والمرئية وحتى الاستقصائية، وتألقن حضوراً وإبداعاً وإقناعاً.
وأفادت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بأن نسبة الصحفيات فاقت اليوم 50 بالمائة من مجموع العاملين في القطاع الإعلامي، لكنهن لا يزلن يتحسسن طريقهن نحو مواقع صنع القرار، لافتة إلى أن المرأة الإعلامية حققت في السنوات الأخيرة نقلة كبيرة، وأن الوعي صار أكبر في المجتمع بمكانة المرأة في هذا القطاع بعد أن كانت مجرد أجيرة في المؤسسات الإعلامية.
وظلت النقابة في كل مناسبة تشدد على ضرورة التصدي لمن يسعى إلى عرقلة الصحافيات أو الحيلولة دون انطلاقتهن للوصول إلى مواقع القرار، إضافة إلى ما يتعرضن له من عنف معنوي خلال عملهن.
وفي حوار لعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين المكلفة بالشؤون الاجتماعية، فوزية الغيلوفي مع وكالتنا وكالة أنباء المرأة، تحدثت عن دور الصحفيات في تونس ومساهماتهن الواسعة في إنارة الرأي العام والتوعية والإرشاد.
 
كصحفية وعضو بالمكتب التنفيذي للنقابة.. كيف تقيمون دور الصحفيات التونسيات لضمان مشهد إعلامي متنوع ومفيد للمتلقي برغم بعض العراقيل؟
حضور الصحفيات في المشهد الإعلامي مهم جداً خاصة في الميدان، إذ نجد أغلبية الصحفيين الميدانيين والمراسلين من الصحفيات برغم المخاطر والاعتداءات المتواصلة عليهن، غير أننا لا نجدهن بالقدر المطلوب في تقديم البرامج الحوارية والسياسية تلفزياً وإذاعياً كما نلاحظ ذلك أيضاً في افتتاحيات الصحف.
إلا أن الملاحظ أن الصحفية في تونس تمتلك قوة إرادة ومثابرة لإثبات حضورها في المشهد الإعلامي لتحقيق النجاح الذي تصبو إليه.
 
ساهمت الصحفيات التونسيات في تفعيل الحراك السياسي والاجتماعي في تونس وكُنَّ من بين المطالبات بالعدالة وتوسيع حرية التعبير، فهل تحسن وضعهن بعد مرور 10 سنوات على قيام الثورة؟
الحقيقة أن الوضع ظل تقريباً على ما هو عليه، أو لنقل بأنه أصبح أسوأ، حيث مازلنا في تونس نسعى إلى تحقيق المساواة في الأجور وفرص العمل وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، ولا تزال العقلية الذكورية تطغى على المشهد.
لم يتغير المشهد العام كثيراً، فخلال رصد الاعتداءات على الصحفيين نلاحظ تواصل ارتفاع عدد الاعتداءات على الصحفيات من كل الأطراف المعنية وخاصة المؤجرين والسلطة إلى جانب ارتفاع نسب التحرش والاستغلال الاقتصادي.
 
لا تزال الإعلامية التونسية تعاني من مشاكل كالابتزاز وعدم تكافؤ الفرص في الترقية وبلوغ مراتب إدارية في المؤسسات الإعلامية، بما تفسرون هذا؟
نسب حضور الصحفيات في المشهد الإعلامي يفوق الـ 50% بكثير، إلا أنهن لم يتبوأن بعد مواقع صنع القرار في تونس ويعود ذلك كما ذكرنا إلى العقلية الذكورية السائدة التي ترى في المرأة كائناً يتحمل المتاعب دون الحق في الوصول إلى مواقع متقدمة داخل المؤسسات الإعلامية، حيث لا تتجاوز نسبتهن في المراكز المتقدمة نسبة 10% برغم الاعتراف بكفاءتهن، إلى جانب عدم تضامن الصحفيات بالقدر الكافي مع بعضهن البعض ودفاعهن عن حقهن في التدرج في سلم المهنة.
 
كصحفية.. ما رأيكم في مشروع المساواة في الميراث بين الجنسين الذي أثار جدلاً واسعاً في تونس، وماذا سيحقق للتونسية الانتصار لهذا المشروع؟
أنا شخصياً أساند مشروع المساواة في الميراث بين الجنسين منذ طرحه للنقاش ولا زلت، بالرغم مما أثاره في تونس من جدل واسع وخاصة من الجانب الديني، مؤمنة بترسيخ المساواة بين مكونات المجتمع ذكوراً وإناثاً.
كما أنني أؤمن بمدنية الدولة وبضرورة المساواة التامة بين الجميع، إذ أننا نعيش في بلد يكفل دستوره المساواة بين مواطنيه في الحقوق والواجبات فلِمَ لا نطبق ذلك على أرض الواقع؟
وهنا نذكُر ونذكّر بأن معركة المرأة في تونس انطلقت منذ عهد الاستعمار لتتوج بعدها بمجلة الأحوال الشخصية عام 1956 والتي أثارت جدلاً ورفضاً واسعين حينها لكن في النهاية انتصرت إرادة النساء بمساندة من السلطة، والأمر ذاته الآن بشأن مشروع قانون المساواة في الميراث الذي تعوزه الإرادة السياسية لتجسيده، لكن معركة الحقوق متواصلة ولدي ثقة كبيرة بأن المشروع مهما طالت المدة سيمر وسيكون واقعاً مادامت هناك نساء يناضلن من أجل ذلك وهن كثيرات.
 
كيف ترون تعاطي السلطات التونسية مع المرأة الصحفية، هل تجد تشجيعاً منها أم صعوبات تكبح جماح طموحها؟
السلطات التونسية لا تولي اهتماماً للمرأة بصفة عامة ونلاحظ ذلك من خلال تشكيلة الحكومات المتعاقبة وشبه غياب لحضور المرأة بالرغم من إدراك قدراتها وما تتمتع به في الخارج من مقدرة وكفاءة وثقافة وعلم وتميز.
وأدرك أنه من صالح الجميع سواء في المؤسسات الاعلامية والهياكل المهنية، أو في منظمات المجتمع المدني، أن يتم إيلاء الصحفيات العناية والتشجيع اللازمين لارتياد مواقعهن والتي هن جديرات به وتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع، كما على الصحفيات أيضاً أن يكن أكثر تضامناً ومساندة لبعضهن.
 
تونس بعد 10 سنوات من الثورة... كيف تقيمون الوضع عموماً؟
ما حققته الثورة التونسية لم يتحقق في بلدان عربية أخرى شهدت ثورات مماثلة، وبرغم الوضع الاقتصادي المتأزم إلا أن تونس تعيش حالة من الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة عبر انتخابات حرة لم نعشها سابقاً. 
ويكاد الجميع في تونس يجمع على أن مكسب حرية التعبير يكاد يكون الوحيد الذي نقطف ثماره اليوم، في حين لا تزال المسارات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية متعثرة جداً.
إلا أنني على ثقة وأمل بأن تونس ستجد وجهتها الصحيحة وترسي سفينتها على بر الأمان بفضل شعبها لا غير.