فتيات يروين لنا الوقائع... متهمون بالتحرش والانتهاك الجسدي

في أيامه الأولى بمهنة الطب، وقبل أن يتسلم شهادة مزاولة المهنة، يقسم كل طبيب/ة "قسم أبقراط" الشهير، قائلا: "أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها

إيناس كمال
القاهرة ـ ، في كل الظروف والأحوال، باذلاً وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، إلخ". 
لكن في الفترة الأخيرة قرأنا عن شهادات صدرت بحق أطباء ومزاولين لمهنة يوصف من يمتهنها بالرحمة، مثل قصة طبيب ميكروباص الزقازيق، الذي مارس الاستمناء وتحرش بفتاة كانت تجلس بجواره، وأصدرت محكمة الزقازيق حكمها بالحبس احتياطياً، كذلك طبيب أسنان شهير صدرت بحقه شهادات من مشاهير.
ومؤخراً قضت محكمة جنايات القاهرة بالمؤبد على الطبيب مايكل فهمي بعد بلاغات تقدمت بها عدة فتيات اتهمنه فيها بادعائه علاجهن لكنه هتك عرضهن وتحرش بهن جنسياً. 
 
شهادات على لسان أصحابها
ما أثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أفعال مشينة لأطباء تنتهك أجساد النساء يجعل كل امرأة تعيد التفكير قبل أن تذهب بقدميها إلى طبيب رجل. تحدثنا إلى بعض الناجيات من وقائع تحرش وانتهاكات جسدية بدون وجه حق على يد أطباء خالفوا مواثيق الشرف الدولية ولائحة آداب مهنة الطب.
طبيب النساء هو طبيب يتعامل بشكل حساس مع أدق وأخطر مرضى النساء إذ يكشف أعضائهن الحميمة مباشرة، لذلك لابد أن يتسم بالكتمان والحفاظ على الخصوصية والراحة والأمان للمريضات لكن ما تعرضت له ميادة عبد العال (اسم مستعار) لم يكن كذلك حيث تحدثت لنا عما تعرضت له من لمسات غير مريحة على يد طبيب نساء وتوليد شهير بالقاهرة ذهبت له. 
تقول "الحديث ليس بالأمر سهل، للأسف كان هناك طبيب أمراض نساء ذهبت إليه وقتها كنت أحس أن الكشف غريب جدا، في البداية كنت أنكر إحساسي لكن أدركت أن هناك شيء خاطئ يحدث". وعلى عكس المفروض من طمأنة مريضاته تسبب ذلك الطبيب في قلق وتوتر صاحبة القصة.
وتضيف "كان يتعمد كل مرة بلمس أجزاء معينة من جسمي ليس لها علاقة بالكشف خصوصا أنني كنت حامل في الشهور الأولى، طريقة الكشف نفسها كانت مريبة، كان يجعلني أقف ويقف خلفي ويتحسس صدري، لم أكن مستوعبة في البداية ما يحدث وظللت أكذب نفسي وأقول إن الذي يحدث يمكن أن يكون أمر طبيعي من الممكن أن هذه طريقة معتادة للكشف خاصة أنه طبيب متقدم في السن ومشهور وبالتأكيد أنا سيئة الظن به، لكنه كان كل مرة للكشف يقوم بعمل سونار مهبلي وأنا لم أستوعب لماذا يقوم به".
لم تتحمل ميادة ما حدث ولثلاث مرات متتالية، ظلت تكذب فيها إحساسها، قررت ألا تذهب مرة أخرى بعدما أخبرت معالجتها النفسية بما يحدث، إذ لم تقو على مصارحة زوجها أو أحد أفراد عائلتها بالأمر وأخبرتها المعالجة أن تصدق إحساسها بالخوف النابع من لمسات وتصرفات الطبيب غير المريحة. 
وعن رد فعلها خلال هذه المرات تقول إنها كانت تتجمد ولا تستطيع أن تؤتي أي رد فعل تجاهه أو توقفه، كما أنها أصبحت تعاني من  PTSDأو كرب ما بعد الصدمة وهو مرض نفسي يصيب الأشخاص بعد أن يتعرضوا لصدمة نفسية شديدة.
أما آيار حسن، 33 عاماً، والتي رحبت بالكشف عن اسمها لنا روت ما حدث معها من انتهاك جسدي على يد طبيب ممارس عام في مستوصف بمنطقة عزبة النخل بالقاهرة، عام 2015، فقالت إنها كانت تعاني من هبوط في الدورة الدموية وانخفاض في ضغط الدم فذهبت برفقة صديق لها، وفي غرفة الكشف جعل الطبيب صديقها ينتظرها بالخارج كما أخرج التمريض وبدلاً من الكشف على أسباب الهبوط وتركيب محاليل لها، عرى جسدها ومارس كشفاً كما لو كان طبيب نساء.
تقول عن تلك اللحظة "وقتها لم أكن قادرة على أخذ أي رد فعل من أي نوع كنت مريضة جداً وهو استغل هذا الأمر، حاولت إبعاد يده عن جسدي وأصبت بتشنج فخاف وأوقف ما كان يفعله".
كانت آيار حسن على وشك أن تقدم شكوى ضده في نقابة الأطباء وكذلك عمل محضر رسمي لكن لحسن حظ الطبيب لم تكمل إجراءاتها في ذلك.
وتضيف "لم أتلق أي دعم نفسي فكان موقف مؤلم لأني كنت مسلوبة الإرادة لم أعرف كيف أرد أو أتصرف رغم أنني شخص عنيف تجاه المتحرشين لا أخجل لكنني كنت مريضة جداً".
أما فاطمة الزهراء، والتي تعتبر الكشف عن اسمها بمثابة الحملة التي كانت تنوي إطلاقها قبل عدة سنوات لكنها تأخرت من فضح أحد الأطباء المتحرشين وهو رئيس قسم الجلدية في جامعة طنطا والذي انتهك جسدها أثناء الكشف عن بثور انتشرت وقتها به وكشف ظهرها بالكامل وظل يتحسسها. 
تقول "اقتحم مساحات خاصة وسألني عن علاقتي الجنسية مع زوجي وبدأ بنصائح لي وقال ليس مهم العلاج المهم هو الأداء الجنسي وبدأ الكشف عن ظهري وأحسست وقتها إنني غير مرتاحة وأن هناك أمر ما خاطئ يحدث وإذا قال أحدهم أن التحرش وقتها بسبب ملابسي سأقول له إني كنت أرتدي طبقات عديدة من الملابس الثقيلة وأحيط رقبتي وكتفي بشال".
وتضيف "تحدث كثيراً عن أهمية السرير وعلاقتي الجنسية وأن أمتع زوجي وأنا من الصدمة لم أستطع النطق ولا أتذكر وصفة العلاج التي كتبها وقتها هل أخذتها معي أم تركتها، لكن لم أقم بأي رد فعل من الصدمة، وظللت طوال الطريق من المستشفى للمنزل أبكي". 
 
موقف نقابة الأطباء
لكن وسط كل ذلك، ماذا كان موقف نقابة الأطباء؟ وماذا تقول لائحة آداب المهنة؟ الإجابة لدى د. شيرين المهندس عضو مجلس نقابة الأطباء التي تقدمت مع عدد من زملائها بإطلاق حملة لجمع توقيعات عبر عريضة إلكترونية تطالب بها النقابة بأخذ قرارات حاسمة تجاه القضايا التي أثيرت عن اتهام "ملائكة الرحمة" بالاعتداءات الجنسية مخالفين بذلك كل الأعراف الإنسانية والحقوقية وآداب مهنتهم.
موقف مخزي من نقابة الأطباء، تعلن عنه د. شيرين المهندس أن النقابة رفضت إصدار أي بيانات تدعم الناجيات من اعتداءات وتحرشات على يد أطباء حتى الآن، ورغم استماع لجنة آداب المهنة إلى فتيات روين وقائع ما تعرضن له بأنفسهن عبر شكاوى تقدمن بها، لكن عضو مجلس النقابة تؤكد لنا أن العريضة ربما تكون ورقة ضغط على النقابة لتتبنى سياسات واضحة ضد التحرش والانتهاكات الجسدية على يد مزاولي المهنة رغم أنها وصلت لـ 40 توقيعاً فقط حتى الآن لكن يأملوا أن يصل العدد إلى آلاف. 
"تقول النقابة إنها تحتاج إلى دليل مادي على الوقائع، فهي حدثت في غرف مغلقة ولا يوجد شهود عليها تثبتها، إلا بعض المحادثات على الواتساب التي لا تثبت إلا مجرد كلام" تقول د. شيرين المهندس، مضيفةً أن العريضة التي تقدموا بها ستضغط على النقابة لإصدار بيان لدعم الفتيات ولإدانة الأفعال اللاأخلاقية التي قام أو يقوم بها الأطباء منها الختان والتحرش و"تسنين الفتيات" حتى لو من الناحية الأدبية سيساعد أن تتحرك القضايا في المحكمة كما ستبرئ جموع الأطباء مما يفعله قلة منهم تسيء إليهم.
وأمام غضب شعبي من عدة قضايا مست الأطباء بأفعال لا أخلاقية مؤخراً انتهكوا بها لائحة آداب المهنة إلا أن مجلس النقابة انقسم حول تجريم الأمر، تؤكد د. شيرين المهندس، مضيفةً أن اللجنة والمكون غالبيتها من الرجال وافق نصفها بينما رفض النصف الآخر.
ويختلف رد فعل القضاء تجاه هذه القضايا عن النقابة، فالأخيرة تتعامل بشكل مهني فلا تستطيع بحسب الدكتورة طلب تسجيل المكالمات ولا مراقبة هواتف الأطباء، بينما النيابة تستطيع، أما النقابة فهي تتعامل مع مهنة الطبيب وتبحث هل استخدم أدوية للتأثير عليهم عاطفياً واستغلالهن جنسياً (مثل الشاكيات من الطبيب مايكل فهمي)؟ هل هو كفؤ أن يزاولها؟ ثم توقع عليه عقوبات بدءاً من لفت النظر حتى الشطب نهائياً.
وتضيف "نستطيع القول إن حوالي 50% من المريضات تعرضن لتحرش على يد الأطباء ومقدمي الخدمة، كما أننا سمعنا تبريرات غريبة من الأطباء بعضهم قال إن الفتاة سعيدة وما حدث هو بموافقتها حتى أن أحدهم قال ذلك عن فتاة تبلغ 17 عام أي قاصر". 
 
قلة لا تمثل الأطباء وتسيء لشهداء المهنة
 
 
"يقولون عنا مهنة الرحمة لأننا نبعد الأذى عن أي مريض وهو ما نقسم عليه أياً كان جنسه أو لونه وسواء أكنا في حالة حرب أو سلم فواجبي وأخلاقيات مهنتي أن أقدم له الرعاية الطبية ثم تقوم السلطات السياسية بالتعامل معه سواء كان جاسوس أو مجرم"، هكذا بدأت د. ماجدة عدلي أحد مؤسسي مركز النديم لتأهيل وعلاج الناجيات من العنف الجنسي في مصر، حديثها لنا.  
وتضيف "المفترض أن هذه تكون أخلاقنا كأطباء، قدوة حسنة في العمل والمجتمع، لكن في هذه الأعوام هناك حوادث كثيرة ظهرت على السطح، بعض الأطباء أساءوا استخدام المهنة وتسببوا في أذى نفسي شديد لمريضات وتمحورت أشكال الأذى حول العنف الجنسي، كثير من هذه الشكاوى تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي وبعضها وصل للنيابة".
وعن الأذى النفسي الذي يتعرض له المريض على يد طبيب تقول "لنا أن نتخيل أنا مريض وذاهب للطبيب وقلق هل ما يحدث معي التهاب قولون أم زائدة دودية وأنا غير منتبهة أن الطبيب الذي ائتمنه على جسمي لا يفحص الزائدة الدودية لكنه ينتهك جسمي". 
وخلال الأشهر الماضية تقدمت 6 شاكيات ضد طبيب في طنطا تقول عن هذه الواقعة د. ماجدة عدلي إن ذلك ما ظهر على السطح قد يكون هناك أكثر من ذلك بكثير وبأعمار مختلفة وقد تكون هناك قاصرات.  
كما ترى من خلال عملها في تأهيل ناجيات من العنف الجنسي أنها تلقت وتعاملت مع شكاوى عديدة عن أطباء سواء نساء أو علاج طبيعي وغيرهم وأن التحرش على يد الأطباء موجود ومنتشر في المجتمع.  
د. ماجدة عدلي واحدة من مؤسسي العريضة الإلكترونية التي تم تقديمها للنقابة، لكن للأسف خلال الاجتماع الشهري للنقابة تقول إنه انفض بدون كلمة اعتذار لضحايا الانتهاكات ولا كلمة لعموم الأطباء لتذكيرهم بآداب مهنتهم أو أنهم سيتعرضون لعقوبات.