فتيات في قبضة الختان... البعض لجأ لطبيب وأخريات تعانين في صمت

معاناة الفتيات من آثار الختان تمتد عبر الزمن ولا تقف عند مرحلة عمرية محددة، والكثيرات اعتبروه لصيق بأفكارهم بل أن البعض تأثرن به فقررن ألا تتزوجن، فيما فكرت أخريات في الحلول وواحد منها زيارة الطبيب النفسي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أزمة الختان تكمن في كونها راسخة في ثقافة المصريين كجزء متجذر في العادات والتقاليد التي تعاند أية رغبة في التغيير وهو الأمر الذي استلزم عمل مكثف للمجتمع المدني بشكل عام والمؤسسات النسوية على وجه التحديد من أجل تنمية الوعي بضرورة التخلص من تلك العادة الإجرامية ومقاومتها بجانب القوانين التي تحظر مثل هذه الممارسات.

"أشعر بألم في جسدي وكأن تلك الجريمة كانت بالأمس القريب" كان ذلك شعور إحدى الفتيات اللواتي روين لوكالتنا تجاربهن بأسماء مستعارة، والتي اعتبرت أن الألم لا يرتبط بالواقع بقدر تأثيره على مشاعرها وأفكارها، واحساسها المستمر بهذا الاعتداء والخوف من تكراره.

لم تكن تلك هي القصة الوحيدة التي تتحدث عن استمرار الشعور بالألم بل أن بعض النماذج التي التقيناها قرروا العزوف تماماً عن الارتباط خوفاً من أي ممارسات جنسية في تلك المنطقة التي وصفوها بـ المشوهة".

 

عرس دموي وصدمة عالقة في الذاكرة

"عرس يتخلله غناء ينتهي بقطع جزء منى ويتعجب الحضور لصراخي"، قالت هند علي، أنها تم ختانها وسط حالة من الفرحة التي أوهمتها أن ما سيحدث أمر جيد وهو ما جعلها تستجيب بل وتتهيأ نفسياً لاستقبال حدث سعيد، ولكنها فوجئت بالختان، وآنذاك على حد تذكرها لم تكن تدرك طبيعة ما يحدث لها، واكتفت بالصراخ لساعتين من شدة الصدمة.

وأضافت أن ما حدث لها لم يكن بالأساس نتيجة الألم بقدر صدمتها، وظل الأمر طي النسيان حتى كبرت وظلت تراودها أحداث هذا الفعل وتطاردها وهو الأمر الذي جعلها تلجأ لطبيبة نفسية في سن الـ 30 لبحث الأسباب، وحتى الآن تحاول التعافي وعلى مدار عامين من الكوابيس التي تطاردها وزيارة طبيبتها المعالجة ترى أن هناك من يقوم بقطع أجزاء متنوعة من جسدها.

وأوضحت "أحصل على علاج وأتابع مع طبيبتي لنحو عامين، إلا أني لم أتعافى كلياً حتى الآن، وأكدت لي طبيبتي أن عملية الختان في صغري هي المحفز الرئيسي لتلك الكوابيس المتتالية خاصة أني أرويها لها وأشعر بالألم ذاته مع كل مرة حتى اليوم، ولدي أمل كبير في التعافي لأتمكن من العودة للحياة بشكل طبيعي".

 

"كرهت الأطباء فمن شوهتني في صغري واحدة منهم"

يبدوا أن تبعات الختان نالت أيضاً من أفكار الكثيرات تجاه الفاعلين فقد كان لقيام طبيبة بختان سمر عماد، الدور الرئيسي في كرهها للأطباء لدرجة أنها لا تترك محفل عام أو تجمع إلا وتلقبهم بالمبتزين المستغلين وأحياناً المتاجرين في أجساد وآلام البشر، وظلت تلك التهم تنطلق منها يوماً تلو الآخر بشكل عفوي وبدون تفكير إلى أن تأكدت أن الجريمة الوحيدة التي ارتكبوها في حقها هي "الختان في الصغر".

وأوضحت سمر عماد أنها في أحد الأيام سألت نفسها عن سبب كرهها للأطباء ومع تكرارها لنفس الفعل ومحاولة استرجاع علاقتها بهم لم تجد أي دافع لذلك فلم تلتق في كبرها طبيب أساء لها أو لأحد المحيطين بها حتى رأت ذات يوم إعلان مناهض للختان وهنا تذكرت أحداث قصتها معه في صغرها.

وقالت "ظننت أني نسيت ذلك ولكني تذكرته بمجرد رؤية فتاة ريفية في أحد الإعلانات تشبهني كثيراً في صغري فتذكرت أبي وهو يسحبني من يدي متجهاً لطبيبة في عيادة بقريتنا وطوال الطريق لم يتحدث معي كعادته ولأول مرة يومها أجد أمي باكية ولا ترافقنا كما اعتدنا، وسلمني للطبية التي كان برفقتها آخرون وجردوا ملابسي وأنا أصرخ بلا مغيث حتى تم وضع البنج لي من قبل أحدهم وأتمت الطبيبة الأمر، ورغم أني لم أشعر بشيء حينها لكني صرخت خوفاً ورعباً من المشهد فلأول مرة يجردني الغرباء من ملابسي وأبي يقف خلف الأبواب لا يحميني أو يحاول منعهم".

 

"لا أسامح والداي ولن أتزوج لأني أخاف الرجال"

"الآن أدرك ما حدث لي ولن أسامحهم وتركت منزلهم وبعدت تماماً فقد دمراني وأثروا على أفكاري لدرجة أني قررت ألا أتزوج أو يقترب مني أحدهم"، يبدوا أن نتائج ختان الإناث تصل لذروتها، فشيماء سمير ظلت لسنوات مشوشة الذهن لا تعلم أسباب رفضها للزواج رغم قربها من الأربعين عاماً فكلما ارتبطت بشخص قررت إنهاء الأمر مع حلول الموعد المحدد لإتمام زفافهما ومع الوعي والوقت أدركت أسباب خوفها.

وأوضحت شيماء سمير أنها كانت تلمس حالة من الغضب العجيب تجاه والداها حتى لجأت لواحدة من المؤسسات التي تقدم دعم للنساء وروت لهم ما تشعر به، وبعد الحصول على الدعم النفسي أدركت أنها لا تستطيع أن تسامح والدها على ما ألحقاه بها من أذى فواجهتهم بما تعانيه وتركت منزلها مستقلة عنهم على أمل أن تتمكن يوماً من التعامل معهم بعد التعافي بشكل طبيعي.

وقالت "أتت أمي وخالتي بمرأة ذات مظهر مخيف وتبدو بالنسبة لي قبيحة بملامح صلبة مرعبة ومعها أدوات غريبة لا أتذكر منها سوى المشرط وطلبت منهم جلب "البصل" وجردتني من ملابسي وصرخت وتمكنت من الهرب من أيديهم وإذ بأبي يصفعني على وجهي ويخيفني بعصا لم أنساها يوماً حتى استسلمت لهم وقاموا بالأمر، أنا لا أستطيع أن أقول أني اكرههم ولكني كرهت كل الرجال وأخاف الاقتراب منهم كما أني لا أسامحهم، وأتمنى أن ينتهي علاجي بمقدرتي على الغفران".

 

"أحاول ترميم ما أفسدوه فعلاقتي بزوجي مهددة"

عدد من الزوجات تعانين في صمت كما هو حال هدى راغب، فهي تزوجت منذ 10 سنوات ولم تكن تدرك أسباب عدم قدرتها على الإيفاء برغبات زوجها أغلب الوقت، ولأنهما على درجة من الوعي للجوء لاستشاري علاقات زوجية وهو من أدرك أن الأزمة تحتاج لطبيب نفسي للتوجيه الصحيح.

وأوضحت هدى الراغب أنها تشعر كثيراً بالنفور من زوجها الذي اشتاط غيظاً في أحد الأيام ووصمها بـ "البرود"، وبعد ذلك قررا معاً التوجه للمختصين حتى وصل بهم الأمر لطبيب نفسي أكد أن ما يحدث معها نتاج الختان وضرورة تدخل طبيب آخر للتأكد من مدى حاجتها لتدخل جراحي.

وقالت هدى الراغب "أعرف العديد من القصص التي تعاني منها النساء من توابع الختان فأنا أعمل بواحدة من المؤسسات التي تستقبل تلك الحالات ورأيت أزواجاً أجبروا الفتيات على الختان عقب الزواج مباشرة، وأدرك جيداً الآثار النفسية اللاحقة له خاصة وإن تم في الكبر، ولكني لم أربط بين ما يحدث لي في علاقتي مع زوجي بختاني في الصغر ورغم زيارتي للعديد من أطباء النساء والتوليد لم يلفت أحدهم انتباهي للأمر خاصة وأن من لجأت له مؤخراً أكد أنه بمجرد الكشف أدرك حاجتي للترميم إن أمكن، وأخيراً قررت البحث في إجراءات خضوعي لعملية الترميم وأتمنى أن يتعالج ما أفسده والداي".