ذوي الاحتياجات الخاصة في تونس... بين فجوة القوانين والواقع

تعاني النساء في تونس من الإقصاء والتهميش بالرغم من وجود العديد من القوانين والتشريعات التي من المفترض أن تنهض بوضعهن في كافة المجالات

زهور المشرقي

تونس- تعاني النساء في تونس من الإقصاء والتهميش بالرغم من وجود العديد من القوانين والتشريعات التي من المفترض أن تنهض بوضعهن في كافة المجالات، ناهيك عن معاناة 300 ألف امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة، من غياب تطبيق القوانين الخاصة بهن وضعف أشراكهن في مراكز القرار بل من استمرار اضطهادهن.

بحسب إحصائيات تونسية رسمية هنّاك 300 ألف امرأة حاملة لإعاقة، وتسعى السلطات التونسية إلى تحويل هذه الفئة الهشّة إلى عنصر فاعل وشريك في القرار والتنمية، حيث شدّد الرئيس قيس سعيّد في قانون المالية للعام الحالي 2022، على أهمية تمويل مشاريع صغرى لفائدة الفئات الهشة والمعاقين وخلق فرص عمل تضمن كرامتهم، والسعي إلى دمج هذه الفئة في مختلف مبادرات المشاريع الوطنية.

وينصّ الفصل 48 من الدستور التونسي على "الدولة تحمي الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز، ولكلّ مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع- حسب طبيعة إعاقته- بكل التدابير التي تضمن له الاٍندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك".

تعتبر ذوات الاحتياجات الخاصة أن القوانين المتعلقة بشأنهن منقوصة ولا ترتقي إلى تطلعاتهن وآمالهن بتمتيعهن بحقوقهن وتمكينهن اقتصادياً من فرص العمل على غرار مختلف الفئات الأخرى في المجتمع، وظللن ينتقدن الخلل القائم على مستوى التطبيق الفعلي للقوانين المتعلقة بدمجهن في الحياة اليومية والاجتماعية من تعليم وصحة ونقل بعيداً عن حالات الإقصاء التي طالما عانين منها.

 

جهل بالحقوق

المثير للقلق أن أغلبية النساء من هذه الفئة لا تفقه ما لها وما عليها من حقوق وواجبات تسهّل عليها عملية النضال من أجل الظفر بحقوقها، ولعل من بين أبرز مطالب هذه الفئة توفير ممرّ خاص للسير وسمّاعات الأذن أو منبّهات وعصي للمكفوفين وكراسي متحرّكة، فضلاً عن المطالب المتكّررة بتثبيت إدماجها في الوظيفة العمومية بنسبة 2 بالمائة على الأقل وتمكينها من العلاج المجاني في مختلف المستشفيات والمراكز الصحّية وانخراطها في الصناديق الاجتماعية.

وتحاول تونس منذ عقود خلق فرص للتمكين الاقتصادي والاجتماعي لذوي الاحتياجات الخصوصية ، إلا أن المساعي المبذولة لم تكن كافية للنهوض بواقعهم الصعب.

 

مرارة وإقصاء

قالت رانية السعيدي، وهي كفيفة، وطالبة بكلية الصحة بتونس، شعبة علاج طبيعي اختصاص شبه طبّي، لوكالتنا "أنها اختارت المجال الذي يتناسب مع وضعها الصحي"، معتبرة أن "أصدق نظر هو نظر القلب وإلا ماذا يعني في المقابل أن تنظر بعين والقلب أعمى؟".. مقولة اعتمدتُها في حياتي، وقد نجحت في تجاوز نظرة الشفقة التي تكرهها دون أن تراها.

وعن أبرز المشاكل التي تعترضها، أوضحت "ما يقلقني حقاً تلك العبارات التي يتعمّد البعض اختيارها لإيذائي وإيذاء أي شخص من ذوي الاحتياجات الحاصة ، أو تلك الأسئلة على غرار: هل أنت قادرة على القيام بأشيائك الخاصة بمفردك؟.. هل تتسوقين لاقتناء ما ترغبين فيه دون مرافق؟ .. كيف تقومين باختيار ملابسك وارتداءها بمفردك؟... أسئلة كثيرة مزعجة يؤلمني سماعها.. بَيْدَ أنه مع مرور الأيام ظل إيماني بالثقة في النفس يقوى إلى درجة أني واجهت بعزم كل التحديات والأقاويل في إصرار على مواصلة شق طريقي نحو النجاح وتجاوزتُ إلى حد بعيد كل ما يحكى أمامي وخلفي، وقد كان للدعم الذي لقيته من عائلتي وشعوري بأنني شابة كغيري، الأثر الكبير في تشجيعي ومضاعفة قوتي وحماسي".

 

قوانين شكلية

بدورها تصف نائبة رئيس جمعية "إبصار لثقافة وترفيه ذوي الإعاقة البصرية"، بسمة السوسي، وضعيةَ أصحاب الإعاقة في تونس بالصعبة، موضحة أنهم يعانون من تمييز مضاعف، ما يجعل هذه الفئة عنصراً مغيباً عن برامج الرعاية والدعم والعمل، وحتى القوانين ظل وجودها شكلياً كما أن هذه القوانين لا تذكر بدقة خصوصيات أصحاب الإعاقة وبالتالي لا تضع الآليات الضرورية لحماية حقوقهم.

وتفضّل بسمة السوسي استخدام عبارة "ذوي الإعاقة" بعيداً عن كل الاجتهادات في علاقة بالإرادة والهمم، لأن هذا التعريف هو الذي يحدّده المشرّع التونسي، مذكّرة بما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيث يتعلق جزء منها بحقوق النساء (المادة السادسة) والمساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالإعاقة، لكن يبدو أن وجود القوانين شيء والأخذ بها شيء آخر، على حد قولها.

 

إقصاء الفتيات

وأوضحت أن هذه الفئة لا تفقه حقوقها ولا تبحث عنها ، متسائلة "هل وفّرنا التعليم لفئة الأشخاص من ذوي الإعاقة وبالذات للفتيات اللواتي كثيراً ما يقع إقصاؤهن في المراحل التعليمية بسبب الموروث والعادات والتقاليد؟".

 وقالت "ما قيمة القوانين إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق؟ ثم كيف يمكنني اللجوء إلى القضاء وأنا صاحب أو صاحبة إعاقة بصرية والمحيط مليء بالعوائق والحواجز.. كيف لصاحب إعاقة سمعية لا يتحدث سوى بلغة الإشارات أن يدرك محتوى هذا القانون؟".

وطالبت بسمة السوسي بأهمية توعية ذوات الاحتياجات الخاصة بحقوقهن وواجباتهن، لافتة إلى أن ذلك ليس من مهام السلطة والدولة أو المشرّع فقط بل هو مسؤولية جماعية بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني حيث يجب أن تتوحّد الجهود من أجل مساندة هذه الفئة عبر توفير الإمكانيات والأساسيات لتحقيق ما يحلم ببلوغه صاحب الإعاقة.

وترى بسمة السوسي أن تغيير واقع ذوات الإعاقة يتطلب تغييراً في العقليات المجتمعية ومحاربة تلك النظرة الدونية والشفقة.

 

معزولة اجتماعياً

وبدورها قالت الأديبة التونسية بسمة دجمبي، الحاملة لإعاقة عضوية، أنّ القوانين التُونسية تبدو سباقة في خصوص النهوض بصاحبات الإِعاقة أَو ذوات الاحتياجات الخاصة ومُحاولة إدماجهن في المُجتمع وسوق العملِ، "لو عدنا إِلى أَهم مكتسباتنا كفئةٍ هشةٍ سنجدُ جملة من الإجراءات القانونية الهامة التي رصدت لنا منذ الثمانينات حتى وصلنا إلى الفصل 48 من الدستور الحالي، هذا بالإضافة إِلى تحديد يوم وطني لنا وهو 29 مايو من كل عام".

وأضافت "أن تجسيم كل هذه القوانيِن على أَرض الواقع يبدو مُحتشماً، فلا تزال صاحبة الإِعاقة مُقيدة اجتماعياً معزولة وشبه غائبة إعلامياً وسياسياً ويُنظر إليها- إِن أَردنا القول- كمسكين وفردٍ ناقص برغم أَننا نسجل سنوياً برُوز كفاءاتٍ علميةٍ وأَكاديميةٍ يُمكن الاستعانةُ بها في حياتنا السياسية والجامعية والفكرية. كما لا يُمكننا في هذا الصدد أَن ننسى النتائج الجيدة التي حققتها ممثلاتنا في الأَلعاب البارالمبية خلال السنة الماضية وهذا ما يؤكد على ضرورة المُراهنة على هذه الفئة".

وأشارت إلى أنه "بعد الثورة أصبحت بعض الجمعيات العُمومية التي كانت تُعنى بهذه الفئة وتعتني بها مَجاناً، تعيشُ أَزماتٍ مالية بسبب تراجعِ التمويلات والدعم المؤسساتي وهو ما أَجبر البعض منها على الإغلاق أَو قبول أَصحاب الإعاقة بِمُقابلٍ مادي.. وهذَا أَمر أدى إلى إِقصاء عدد كبيرٍ من أَصحاب الهمم خاصةً من فئاتٍ عُمريةٍ أَكبر".

 

إشكاليات كبيرة

وأوضحت أن الإشكالية تبدو أَعمق عندما نتتبعُ جغرافيةَ توزع مراكز التربية المُختصة، فهي مراكزُ معظمها بالعاصمة أَو الولايات الساحلية مع قلة عددها في الجهات الداخلية وهو ما يُعسرُ اندماج أصحاب الهمم من تلك المناطق البعيدة، في الحياة اليومية أَو الاجتماعية.

وحول النساء الحاملات للإعاقة ووضعياتهن تعتقد أنه من حيثُ النوع الجنسي من الصعب أَن يكون الشخص حاملاً لإِعاقةٍ في دولةٍ بالكاد مُهتمة فعليًا بهذهِ الفئةِ لكنْ الأَصعب من ذلك أَن يولد الإنسان كأُنثى تحملُ إِعاقة جسدية أَو ذهنية فهي دائماً الطرف الأَضعف، حيث تتعرض العديدُ من صاحباتِ الهمم إلى عمليات تحيّل وتحرش أَو حتى اعتداءٍ كامل في وقتٍ تحارب فيه من كل الجهات لتثبت أَنها ليست ضلعاً مُعوجاً أَو حتى مُعاقاً.

 

حبر على ورق

من جهته، يرى المحامي محمد الحبيب بكّوش، وهو أيضاً من ذوي الإعاقة الحركية الذي جنّد نفسه للدفاع عن حقوق أصحاب وصاحبات الإعاقة، أن القانون ليس نصاً واحداً بل هو مجموعة من النصوص ابتداءً من القانون عدد83 لسنة 2005 المتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة للنهوض بأوضاعهم والذي يفترض إدخال تغييرات شاملة عليه انطلاقا من تعريف الأشخاص حاملي الإعاقة بعد أن أصبح تعريف "المعاق" كقاصر عن الإلمام بكافة الوضعيات في حين أن القانون المشار إليه لا يستجيب لما تنص عليه الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة.

ولفت محمد بكّوش إلى أن التغيير مرتبط في المقام الأول بالعقلية لاعتبار أن النصوص كثيرة (قرابة عشرة نصوص) تتعلق بأحقية الأشخاص ذوي الإعاقة في الوظيفية العمومية والقطاع الخاص إلا أنها ظلّت في الواقع مجرّد حبر على ورق، فضلاً عن عدم تمكينهم ومرافقتهم لارتياد الأماكن الترفيهية، حيث لا يجد المعاق مكاناً مخصّصاً أو عناية سواء في الإدارة أو غيرها من المرافق.

وأوضح أنه من السهل أن يتم سنّ قانون يستجيب للمعايير الدولية لكن الصعوبة تكمن في كيفية تطبيقه وفرضه، والواقع أن دسترة حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة عبر الفصل 48 من دستور2014 لم يخلق إضافة بل أكسب حصانة دون تفعيل على أرض الواقع.

وشدّد المحامي محمد بكوش على أن المشرع يعتبر دسترة حقوق المعاقين تجربة رائدة لاعتبار تونس الأولى عربياً وحتى إفريقياً لكنّ ذلك كان بمثابة جرعة لإسكات المعاق والتباهي بتلك التشريعات الصورية في المحافل الدولية.