ضغوطات نفسية واجتماعية تواجه الأرامل في إدلب
الضغوط الاجتماعية تولد لدى الأرامل معاناة نفسية وانعزالية تؤدي في معظم الأحيان إلى الاكتئاب والانتحار
هديل العمر
إدلب ـ تعاني الأرامل في إدلب من ضغوط مجتمعية عديدة مرتبطة بالعادات والتقاليد التي تقيدهن وتحرمهن من ممارسة حياتهن الطبيعية.
مع كل صباح تنطلق فاطمة العلي وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة دير حسان الحدودية في ريف إدلب، للعمل في الأراضي الزراعية لإعالة أطفالها الثلاثة الذين فقدوا والدهم بقصف جوي استهدف مدينة معرة النعمان أواخر عام 2019.
تعرضت فاطمة العلي (28) عاماً إلى العديد من الضغوطات النفسية والمضايقات من قبل عائلتها وذوي زوجها للتخلي عن أطفالها والزواج مرة أخرى، إلا أنها بقيت متمسكة بأولادها على الرغم من أعباء الحياة الصعبة والحالة الاقتصادية المزرية التي تعيشها.
"بموت وما بترك ولادي" تقول فاطمة العلي متحدية المجتمع المحيط ومصممة على تربية أولادها الذين "لم يتبقى لي غيرهم في هذه الحياة" خاصةً وأنها تأقلمت مع النظرة المجتمعية الدونية والعادات والتقاليد التي لا ترحم الأرملة، والتي تجبرها على الزواج من رجل آخر حتى ولو كان على حساب أبنائها.
وأوضحت أنها وبالرغم من الأجور الزهيدة التي تتقاضها، فهي لازلت قادرة على إعالة نفسها وأبنائها والإنفاق عليهم، عوضاً عن استجداء الآخرين وانتظار المعونات الغذائية التي تقدمها المنظمات الإنسانية في المنطقة، حيث تتقاضى مبلغ زهيد لكنه يبقى أفضل من "لا شيء" على حد وصفها.
وتعاني الأرامل في إدلب، من ضغوط مجتمعية عديدة مرتبطة بالعادات والتقاليد التي تقيدهن وتحرمهن من ممارسة حياتهن الطبيعية بذرائع عديدة أبرزها "المحافظة على الشرف" من خلال الزواج، وبحسب إحصائيات محلية فإن عدد الأرامل المقيمات في إدلب بلغ أكثر من ١٣ ألف امرأة فقدن أزواجهن.
لم تكن خلود الطعمة (٣٢) عاماً وهي من سكان مدينة إدلب أفضل حالاً من سابقتها حين أجبرتها الضغوط العائلية والاجتماعية على الزواج من رجل يكبرها بـ ٢٠ عاماً شرط اصطحاب طفليها، وتربيتهم بعد مقتل والدهم بغارة جوية استهدفت منزلهم في مدينة معرة النعمان في إدلب.
فتقول خلود الطعمة إن قرار الزواج لم يكن سهلاً عليها، ولكنه الخيار الوحيد الذي تبقى أمامها للمحافظة على أطفالها بعد رفض والدها إعالة أطفالها، بالإضافة لضغط عائلتها المستمر عليها للتخلي عنهم وإرسالهم إلى أهل زوجها.
وأوضحت أنها عانت من النظرة والألفاظ المجتمعية التي أجبرتها على حبس نفسها في المنزل لأكثر من تسع شهور لتفادي سماعها، إذ أنها غالباً ما تتعرض لانتقادات تتعلق بملابسها وخروجها من المنزل، ما دفعها للموافقة على أول شاب يتقدم لخطبتها بغض النظر عن سمعته ووضعه الاجتماعي.
وحذر تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية من أن النساء في مخيمات الأرامل في سوريا تواجهن عنفاً مزمناً، وأن الظروف أسوأ مما كانت عليه في المخيمات العامة، مضيفاً أن غالبية النساء في هذه المخيمات أجبرن على "ممارسة الجنس من أجل البقاء"، وتواجهن مستويات مرتفعة من العنف والاكتئاب.
المرشدة النفسية والاجتماعية صفاء الصغير (43) عاماً تقول إن الضغوط الاجتماعية تولد لدى الأرامل معاناة نفسية وانعزالية تتمثل بالانطواء وعدم الاتزان، وتؤدي في معظم الأحيان إلى الاكتئاب والانتحار إذا ما كانت الأرملة بسن المراهقة والشباب.
وأضافت أن الموروثات الثقافية الاجتماعية السائدة تمارس دور الوصاية على المطلقات والأرامل من خلال فرض قيود وإحكام القبضة عليهن وحرمانهن من حقوقهن، مشيرةً إلى أن المجتمع المحلي في إدلب لايزال يعاني من براثن العادات والتقاليد التي تسعى جميع المجتمعات للتخلص منها، لما لها من آثار كارثية على الفرد والمجتمع.
وترى صفاء الصغير أن تكثيف دور التوعية في مراكز تمكين المرأة والمجتمع والتعرف بخطورة هذه الظواهر، من شأنها الحد من الآثار السلبية التي تواجه الأرامل والمطلقات في المنطقة.