دبس الرمان موروث يتجدد كل خريف في السوسة

مع حلول الخريف في ريف دير الزور الشرقي بإقليم شمال وشرق سوريا، تعود إلى الواجهة واحدة من أعرق المهن المنزلية التي حافظت عليها العائلات جيلاً بعد جيل وهي صناعة دبس الرمان.

زينب خليف

دير الزور ـ في موسم الخريف بمدينة السوسة، تتحوّل بساتين الرمان وبيوت الأهالي إلى ورش عمل، حيث تُستعاد طرق التحضير التقليدية والأدوات القديمة التي صنعت تاريخ هذا المنتج الشعبي، ليصبح موسم الدبس جزءاً من الهوية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة.

مع بدء موسم جني الرمان في السوسة، تتحوّل البيوت إلى ورش تراثية تعيد فيها النساء كتابة حكاية الدبس من جديد بعصا خشبية تضرب الحبوب بدقة، وأيدي تفرطها لتخرج عصيراً غنياً باللون والطعم، وقدور ضخمة تغلي فوق نار الحطب لساعات طويلة، تُحرّك بعناية لتتجانس كل قطرة.

وتشهد مدينة السوسة في ريف دير الزور الشرقي هذه الفترة من العام ذروة موسم صناعة دبس الرمان وعصيره، وهي حرفة تقليدية ما تزال تحافظ على حضورها بقوة بوصفها مورداً اقتصادياً مهماً للأسر، وموروثاً اجتماعياً يرافق موسم جني الرمان في المنطقة منذ عشرات السنين.


         


        

طقس اجتماعي وتراثي يربط الماضي بالحاضر

تقول حمدة العلي إحدى نساء السوسة أن صناعة الدبس تبدأ مع حلول شهر تشرين الأول/أكتوبر، حيث تُجمع ثمار الرمان المتشققة أو عالية الحموضة، وتُنقل إلى المنازل لبدء مراحل التصنيع اليدوي التي توارثتها الأجيال، وتعتمد في معظمها على أدوات بسيطة مثل الأعواد الخشبية والقدور المعدنية.

والخطوة الأولى تكون بتقطيع الرمان وفرطه باليد، حيث تُضرب الثمرة بعصا خشبية صغيرة لتسقط حباتها داخل أوعية واسعة، ثم تُزال القشور البيضاء للحصول على طعم نقي، وعصر الرمان يتم أيضاً بطريقة تقليدية عبر هرس الحبوب بعصا خشبية داخل غربال كبير، ثم تصفية العصير باستخدام الشاش أو القماش الأبيض للحصول على سائل صافٍ خالٍ من الشوائب.

وبعد الحصول على العصير، يُصبّ في قدور كبيرة من الألمنيوم وتُشعل تحتها نار الحطب لعدة ساعات، مع التحريك المستمر بعصا طويلة لمنع احتراق السائل، فمرحلة الغليان كما تبين حمدة العلي تستمر من ست إلى ثماني ساعات، تتناوب خلالها نساء العائلة على مراقبة القدر.


         


        

ويمر الدبس بمرحلة ثانية من التركيز عبر تعريضه للشمس في صحون وصواني واسعة لمدة يوم كامل، وهي خطوة تمنحه القوام الكثيف والنكهة التقليدية المعروفة في المنطقة.

وعقب التبخير الشمسي، يُصفّى الدبس مجدداً ثم يُعبّأ في عُلب زجاجية أو أكياس الطحين النظيفة ويُخزن للاستخدام المنزلي أو للبيع، وهذه الصناعة كما تؤكد حمدة العلي خالية تماماً من السكر أو أي إضافات، وهو ما يمنحها طابعها الطبيعي.

ولا تُهدر مخلفات الرمان في السوسة، حيث تُستخدم البذور المتبقية كعلف للحيوانات، فيما يُستفاد من الماء المتبقي في بعض الأطباق التقليدية.


         


        

ويُستخدم دبس الرمان في معظم الأطباق الشعبية مثل ورق العنب والكباب والفلافل، ما يجعل الطلب عليه كبيراً في الأسواق المحلية، وتشكّل مبيعاته مصدر دخل رئيسياً للعديد من نساء السوسة.

ويؤكد أهالي السوسة أن الحفاظ على هذه المهنة ليس مجرد نشاط غذائي، بل هو استمرار لطقس اجتماعي وتراثي يربط الماضي بالحاضر، ويعكس صمود العائلات الريفية وتمسكها بتراثها رغم التغيرات التي شهدتها المنطقة.