بعيداً عن القانون... جرائم التحرش واغتصاب الأطفال تبقى طي الكتمان أو تخضع لتسويات عشائرية

بين الحين والآخر تضج وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي في العراق بحادث مأساوي لاغتصاب طفل وقتله ليكون الجناة مقربين أو جيران الضحايا، هنا نصل إلى ختام بداية جريمة تحرش بطفل لم يجد من يفهمه أو يصدقه ولمتحرش سلم من العقاب مرة فأصبح إجرامه جزء من روتينه اليومي

غفران الراضي 
بغداد ـ .
تبقى هناك قصص شكلت جزء من ذاكرة ضحايا عاشوا فترة صعبة إثر التحرش الجنسي واللفظي والجسدي، وكالتنا التقت عدة نساء شكل التحرش بهن حاجزاً لا يلقون منه مهرب.
(ن.و) البالغة من العمر 22 عاماً، أم لطفلة بعمر الثلاث سنوات تكاد لا تفارق ابنتها لدقيقة واحدة وكأنها تعاني من اضطراب الخوف المزمن على ابنتها، وتحاول حمايتها من أن تكون ضحية تحرش انتقاماً لطفولتها، "لم أكن أفهم معنى التحرش، إلا أنني كنت أحاول أن ابتعد عن جارنا المسن واتحاشاه عندما اذهب إليه لشراء أشياء من السوبر ماركت الخاص به، فهو كان يتحرش بالأطفال، لقد عانيت من سطوته منذ إن كنت في عمر الـ 5 سنوات وحتى سن التاسعة، حيث توفي جارنا المسن المتحرش".
وحول ما كانت تعاني وتشعر به في طفولتها وهي تتعرض للتحرش تقول "الخوف واحساس الرهبة من أي حدث كان يلازمني، لم أكن استوعب ما يحصل إلا أنني كنت أشعر بأن شيئاً خاطئاً يحصل لي، لم أجرأ أن أخبر والدتي أو أخوتي خوفاً من غضبهم، لا أعرف لماذا كنت أشعر بأني مذنبة، ربما الأمر يتعلق بطريقة تذنبيهم لي على أفعال لم تكن مقصودة في طفولتي". 
وعن أثر تلك الطفولة المأساوية على حياتها تقول "لقد تسبب لي بهاجس كبير، أشعر بعدم الثقة وأخاف على ابنتي كثيراً، وأفكر كثيراً في ضرورة حمايتها من أي شيء يؤذيها أو يسلب منها طفولتها". 
من جانب آخر نجد أن هناك حالات تحرش تبقى طي الكتمان ولا يعترف بها الأهل خوفاً من الفضيحة، ففي مجتمع يعاني من أزمة تعريف حقيقي لمصطلح الشرف يعتبرون الضحية عار يجب إخفاءه، وهذا ما حصل مع (ل.ح).
(ل.ح) البالغة من العمر 35 عاماً، غير متزوجة أو بمعنى أصح ترفض الزواج لأسباب نفسية تفسرها للمجتمع كنوع من رفض لمبدأ الزواج، تقول "كان عمري ١٠ سنوات عندما تعرضت للتحرش والعنف الجسدي من قبل ثلاث مراهقين في حينا الشعبي الذي كنا نقطن به حينها، كان حدثاً مرعباً يستفز مخيلتي ويجعلني أكره كوني فتاة في كل مرة اتذكر فيها وحشية ما حدث".
وعن تفاصيل ما حدث بعد ذلك تقول "كون حادثة التحرش ومحاولة الاغتصاب كانت في هيكل قريب من المنازل سكنية حيث انقذتني امرأة كانت مارة في الشارع الخالي من الناس في فترة الظهيرة من أيام بغداد الصيفية الحارة، ليفتضح الأمر، لكن تلك الجريمة انتهت بتسوية عشائرية مع نفي الإعلان العام عن حدوث تحرش خوفاً على سمعتي وسمعة العائلة بحسب رأيهم". 
وعن تأثير ذلك على نفسيتها تعتبر (ل.ح) أنها انتهكت مرتين، مرة عندما تم التحرش بها ومرة أخرى عندما اعتبروا الأمر فضيحة لها وافلتوا المذنبين من العقاب، ولازالت ترفض الزواج لما تعانيه من حاجز نفسي حيال ما مرت به.
بينما تعتقد الصحفية والناشطة في مجال حقوق المرأة نور القيسي أن أهم حاجز يقف أمام تحقيق العدالة ضد المتحرشين هي أفكار المجتمع وتسجيلها العار كماركة مسجلة لكل فعل أو تصرف يصدر من المرأة، "هناك عوامل تؤثر على ما يجري من القضايا المتعلقة بالتحرش ضد النساء والأطفال منها العامل المجتمعي البحت، والآخر العرف العشائري الذي يحدد نفسه كقانون يدير الأمور الخلافية".
وتجد نور القيسي أن الطفل يحتاج بصورة أساسية لثقة والديه به ولسماعهم وتفاعلهم مع مخاوفه بجدية "يجب التعامل مع الطفل بطريقة تحفظ خصوصية جسده، ليشعر بالخطر مع أول محاولة لاختراق الخصوصية من العالم الخارجي". 
كما وترى أن أغلب حالات التحرش التي تبقى طي الكتمان وخاصة أن كانوا تعرضوا لها من قبل ذويهم، تخلق جرح عميق في نفس الضحية وتشكل صعوبة في التعبير لدى الضحايا عما يواجهونه من إيذاء وصدمة خاصةً لدى الأطفال، حيث يفقد الثقة بالآخرين وبنفسه، فبصورة عامة تؤثر هكذا حوادث على نمط التفكير والصحة العقلية.
وعن ضرورة حماية الطفل والمرأة من العنف الجنسي والتحرش والعنف الجسدي تؤكد نور القيسي أن السبيل الوحيد هو ترويج قانون العنف الأسري كذلك المواد القانونية التي تخص التحرش بالأطفال ومعاقبة الجاني في الأوساط المجتمعية واعتماده ليكون الحل الفاصل في هذه القضايا الحساسة في المجتمع.
وتضيف "يجب أن تكون الغلبة للقانون الذي يحمي الإنسان بطفولته، وأن تتخذ الجهات التنفيذية بناءً على ذلك فعلاً حاسماً إزاء أي قضية من هذا النوع ليتعرف المجتمع شيئاً فشيئاً على سلطة قانون، لتكون أكثر نزاهة وحماية له من التسويات العشائرية".
وترجع نور القيسي السبب في زيادة حالات التحرش بالأطفال إلى خوف الأهل وجهلهم في التعاطي مع هذه القضايا وامتناع المجتمع عن اللجوء إلى الشرطة أو المحاكم لاستحصال حقوقهم، "معظم العائلات تفضل المصالحة مع الجاني أو الخضوع للجاني بذريعة العادات والتقاليد والدين، والتزام الصمت بحجة الستر أو الخوف على سمعة العائلة والطفل من العقوبة الاجتماعية والنظرة النمطية التي من الممكن أن يكونها المجتمع عن هذا الطفل أو الطفلة، وكل ذلك على حساب الضحية مع الأسف".
وتؤكد أن عائلة الضحية لا تدرك أن السكوت عن هذه الحوادث والقضايا سيمنح الجاني بالضرورة إذن غير مباشر لتكرار جرمه وإيجاد ضحايا أكثر.