بعيداً عن الفوضى التي أحدثها العالم يجدنّ الأمان في قرية المرأة
قبل أن تقدم لهنّ قرية المرأة مقومات الحياة الأساسية، منحتهنّ الملجأ الآمن والدّفء، ولعل أكثر النّساء شعوراً بذلك، هنّ اللواتي شهدنّ بطش داعش
رهف يوسف
قامشلو ـ ، فكانت القرية كمستقر نفسي ملائم، احتوى كل الخراب والفوضى التي أحدثها العالم في ذواتهنّ.
افتتحت قرية المرأة JINWAR، في الدرباسية بشمال وشرق سوريا عام 2017، لتكون أول قرية مخصصة للنساء في المنطقة، الهدف منها إيجاد ملاذ آمن للنساء اللواتي عانين خلال الحرب وسيطرة مرتزقة داعش، لتشجيعهن للاتكال على أنفسهنَّ بعد أن تحملن مسؤولية إعالة أسرهن.
ملكة الغريب (32) عاماً، نزحت من دير الزّور إلى قرية المرأة منذ أربع سنوات، قالت إنها شهدت ظلم داعش بحق المرأة "ناصبونا العداء، وفرضوا علينا النقاب وعدم الخروج من المنزل". وتذكر مشاهدتها لراعي غنم تعرض لقصاص داعش بتهم باطلة، "علقوا جثمانه على القوس، ومنعوا عائلته من الاقتراب منه لمدة اسبوع، حتى يُصبح هيكلاً عظمياً".
وتعتبر أن أكثر حادثة تعرضت للظلم فيها، كانت بعد نزوحها من المحيميدة في دير الزّور إلى مدينة الحسكة عام (2017)، ولا سيما بعد وفاة زوجها منذ ست سنوات على طريق أبو خشب "ظلمتني عائلتي، التي أرادت تزويجي وإبعادي عن أطفالي، لكنني رفضت ذلك، وعائلة زوجي لم تقدم أي دعم".
وعن تجربة قدومها للقرية قالت "كَبُر أولادي هنا، فعندما قدمت كان أكبرهم بعمر الـ 4 سنوات"، وأضافت "أتعاون بالعمل مع النّساء لنعيل أنفسنا، فهناك فرن، ومستشفى، ومدرسة، وزرعنا الخضروات، ونربي الحيوانات والدواجن". وترى أن مُستقبل أطفالها مؤمن، فأبنها البكر يدرس في الصّف الثّاني وابنتها في الأول الابتدائي.
"لم يكن أحدٌ يُحبهم أو يريدهم" هكذا تصف انطباع الأهالي عن داعش، لأنهم كانوا يُصدرون أحكاماً قاسية بحقهم، ولا سيما النّساء منهم. يرجمونهنّ بالحجارة، بعد أن يدفنوا اجسادهنّ في التّراب ويبقوا على رؤوسهنّ خارجاً، "يذموننا بأقبح الالفاظ، حتى عندما نخرج لنشتري شيء لأطفالنا من الدّكاكين، تلاحقنا الحسبة".
وعن تردي الأوضاع الاقتصاديّة، قالت "يخفون السّلع، ويمنعوننا من استهلاك بعض المواد بحجة أنها حرام، كالمرتديلا رغم أنهم يأكلونها سراً، ويدخنون ويشربون النرجيلة، وبعد التّحرير عُثر على جميع هذه المواد في مخابئهم. حرموه علينا وحللوه لأنفسهم".
وفي فترة الحصار أصبح الحال أكثر سوءاً والحديث لملكة الغريب "قطع عنا السّكر لفترة شهر، وشحت المواد الغذائية الأساسية كالزّيت، حتى أننا لم نعد قادرين على تأمين ملابس لأطفالنا، وعندما بدأ الطيران بالقصف اختبئوا بين المدنيين". وتابعت "أخذوا الكثيرات، وعاثوا خراباً وقطعوا رؤوساً، ولم يسلم منهم حتى الأطفال".
وتذكر إحدى الحوادث في زمن داعش لامرأة قالت لطفلها وهي غاضبة بسبب مشاكساته "إن جئت إليك سأقتلك؟"، فسمعها أحدهم وجلب لها سكيناً لتذبح ابنها ووضع البندقية على رأسها ليهددها"، لذا تقول "عند قدومي إلى هنا، شعرت أنني كنت أعيش في عالم آخر، بعد أن لمست الدفء والأمان".
وعن علاقتها بالنّساء في القرية شبهتها بـ "الأخوات"، لأنهنّ يعملنّ كل شيء بشكل جماعي، "تضم القرية أرامل ومطلقات، وأريد أن تتوافد أخريات إلى هنا، إذ تتوفر جميع مقومات الحياة من ماء وكهرباء والرّاحة النّفسية، إضافة للطاقة الشّمسية وسيارة تقلنا للسوق وتعيدنا، ويمكن لأفراد عائلتنا زيارتنا في أي وقت يشاؤون".
عمشة الخلف (42) سنة، من مدينة الحسكة، وهي أم لست أولاد، استشهد زوجها منذ 4 سنوات في دير الزّور، استدلت على القرية عن طريق عوائل الشّهداء في الشّدادي، "جئت إليها ووجدتها أفضل من العيش في مدينة الحسكة لوحدي، لأني هنا أشارك الجميع في الزّراعة، والخبز، والسهرات وغيرها من الأعمال، وهذا جميل بالنّسبة لي".
"بيت واحد" هكذا تصف علاقة النّساء في قرية المرأة بالرغم من انفصال سكنهنّ، وتؤكد على أن هذه القرية إثبات على قدرة المرأة الاعتماد على نفسها.
وبعد عام من قدومها للقرية، تشعر أن وضعها النّفسي أصبح أفضل "كنت دائماً أسمع لوماً من عائلة زوجي، ولكن هنا أشعر بالراحة أنا وابنائي". وتدعوا النّساء للتمسك بأطفالهنّ وعدم التّخلي عنهم تحت أي ظرف، متمنيةً أن تزدهر قرية المرأة أكثر.