'بتغيير ثقافة المجتمع يمكننا القضاء على العنف الاقتصادي'

ازدادت مؤخراً ظاهرة العنف الاقتصادي ضد النساء في المجتمع الفلسطيني بسبب النظرة السائدة للمرأة وحصر دورها بالمنزل ورعاية الأطفال.

رفيف اسليم

غزة ـ تعاني الكثير من النساء من العنف الاقتصادي الذي يمارس ضدهن من قبل أحد رجال العائلة، وخاصة العاملة التي يتم الاستيلاء على راتبها الشهري بالكامل ولا يترك لها منه سوى الفتات، لتبقى تعمل على مدار عدة أيام متواصلة دون تحقيق أدنى احتياجاتها، وإلا تعرضت لشتى أنواع التعنيف الجسدي واللفظي.

بدأت القصة مع فاطمة محمد وهو اسم مستعار، عندما اختارت العمل في محل لبيع الملابس حتى تستطيع توفير أدنى احتياجاتها من المأكل والمشرب والملبس، فتحولت فرحتها في ذلك اليوم الذي رجعت به من العمل بعد شهر كدح وتعب إلى جلسة صراخ، مستعينة بكافة قواها للدفاع عن المبلغ القليل الذي تحمله بين يديها، لتنهار أخيراً أمام سطوة والدها وتسلمه النقود في يده كي تتفادى ضرباته المتتالية.

لم يكن لفاطمة محمد، مكان تذهب إليه فأثرت أن تعطي والدها راتبها بشرط أن يقتص لها مبلغ للمواصلات فقط وفق تقييمه هو، لتنهار كافة أحلام الفتاة العشرينية بخلق متنفس لها تستطيع من خلاله أن تحصل على طعام لائق لها ولإخوتها اللواتي تكابدن وحش الجوع في كل يوم، مشيرةً أنها تجد في ساعات العمل متنفس من كلام والدها القاسي طوال الوقت وضربه المبرح.

وأوضحت أن والدها يعتبر خروجها من المنزل فضل منه ويجب أن تدفع ثمن لتلك الحرية التي يمنحها إياها ولو كانت لساعات محدودة وفي مكان يعي جيداً موقعه ويستطيع تفقدها خلاله في أي وقت يحلو له، لافتةً إلى أنها ليست الضحية الوحيدة للعنف الاقتصادي فدوماً ما تسمع الكثير من القصص بأشكال وأساليب مختلفة من فتيات جيلها، لذلك فضلت الصمت.

وفي قصة أخرى لآية علي وهو أيضاً اسم مستعار، التي تخرجت من الجامعة بدرجة البكالوريوس كان الزوج هو من يستولي على نقودها فلا يسمح لها باستخدام بطاقة الصراف الآلي لسحب النقود ويجبرها على إنشاء حساب مشترك يستطيع أن يحول بها المبلغ على حسابه، فتبقى طوال الشهر تستجدي منه مبلغ من المال لسد أدنى احتياجاتها لكن بلا أي فائدة.

وتقول أنها في يوم من الأيام فكرت أن تثور وتغضب مطالبةً أن تتصرف هي براتبها الشهري وإلا ستطلب الطلاق، فوافق الزوج لتهدئة موجة غضبها خاصةً أن عائلتها لا يعلمون بما يفعله، مضيفة أنه بعد مدة تحول الهدوء لموجة من الشتائم والتهديدات المختلفة التي وصلت لأطفالها فقررت التزام الصمت وعادت أدراجها كما كانت في البداية، لتتركه يتحكم في كل شيء عدا مبلغ صغير قرر تخصيصه لها.

وتعلق الباحثة تمارا الحداد على ما سبق بأن ظاهرة العنف الاقتصادي ضد النساء ارتفعت مؤخراً في المجتمع الفلسطيني بسبب النظرة السائدة للمرأة وحصر دورها بالمنزل ورعاية الأطفال فحسب، مشيرة أن ذلك الدور لا يمكن إنكار أهميته لكن من المهم أن يكون للمرأة دور يوازي ما يقوم به الرجل لتحقيق النوع الاجتماعي، وهو عبارة عن الأدوار المشتركة بين الرجل والمرأة في العمل والأسرة وغيرها لتحقيق التوازن الذي يجمع بين كلا الطرفين.

وأوضحت أن تحقيق المشاركة الاقتصادية في المجتمع الفلسطيني لن تتم سوى من خلال التمكين الاقتصادي للنساء حتى يتسنى توفير نوع من الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية لهن، خاصةً أن مفهوم المشاركة يعتبر حديثاً على المجتمعات العربية، التي يمارس فيها أنواع مختلفة من التعنيف الاقتصادي ضد المرأة كعدم إدماجها في فرص العمل اللائقة بعد تخرجهن من الجامعات لتلتحق غالبيتهن بركب البطالة.

ونوهت إلى أن عدم المساواة في الأجور بين الجنسين هو نوع آخر من العنف الذي يمارس ضد المرأة وذلك حسب دراسة أجرتها مؤخراً بعنوان "أثر إدماج النوع الاجتماعي في نمو الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، لافتةً أنه وفقاً لمخرجات الدراسة غالباً ما يتم مخالفة القانون الذي وضع حد أدنى للأجور الواجب دفعه للنساء في بعض القطاعات بما يتناسب مع المستوى المعيشي في مجتمعها.

ولفتت إلى أن هناك أشكال أخرى للعنف الاقتصادي الذي يمارس ضد النساء من خلال السيطرة الكاملة على مواردها الاقتصادية، كالاستيلاء على أملاكها أو راتبها الشخصي أو حرمانها من الميراث، الذي يعتبرونه في المجتمعات الذكورية حق للرجل فقط ولا يحق للمرأة المطالبة به.

وشددت على ضرورة وضع حلول لظاهرة العنف الاقتصادي ضد النساء المتمثلة بتغير ثقافة المجتمع حول مشاركتهن في العمل ومنح المرأة خصوصيتها واستقلالها المادي بالتزامن مع إنشاء جلسات توعوية لتعليم النشء وطلاب الجامعات دور المرأة بتطوير اقتصاد مجتمعها بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والمراكز النسوية والإعلام، مبينة أنه من الضروري دعم تلك الخطوات بإقرار قوانين جديدة تحمي حقوق النساء الاقتصادية.

ومن جانبها قالت الباحثة حنين السماك، أن المرأة الفلسطينية بدأت بالمشاركة الاقتصادية نتيجة الهجمات المتكررة والفقر وارتفاع نسبة البطالة من خلال العمل في القطاع الخاص أو افتتاح بعض المشاريع متناهية الصغر، محققات عدة إنجازات ملموسة في المجالات المختلفة سواء الزراعي أو الإنتاجي أو الصناعي.

وأوضحت أن النساء تعانين من عدة صعوبات منها تهميش دورهن في دفع العجلة الاقتصادية والحرمان من الخروج أو إدارة المشاريع التي تفتتحها ليتولاها زوجها أو شقيقها، إضافة إلى تحديد الأماكن التي ستقوم بالتردد عليها، وعدم منحها الحرية في صرف الراتب أو العائد المادي الذي تحصل عليه ليستولي عليه الرجل.

ولفتت إلى أن المرأة الفلسطينية ينقصها الوعي، فعند تعرضها للعنف الجسدي لا تعرف لأي جهة تقدم الشكوى وكيفية الرعاية الذاتية والتمكين النفسي لمواجهة التحديات، وكذلك الوعي الكافي في التواصل الاجتماعي للتعبير عن العنف الذي تواجهه خاصة مع قريناتها بهدف توعيتهن، مؤكدةً على أن النساء ما زلن بحاجة لمزيد من الجهود كي يتضح لهن مفهوم المشاركة الاقتصادية.