بدائل التدفئة تؤدي لحالات وفاة واختناق بين الأطفال في إدلب
تردي الوضع المعيشي وغلاء أسعار مواد التدفئة، يدفع الأهالي لبدائل التدفئة الغير آمنة واستخدامها في ظل البرد القارس وانتشار الأمراض.
هديل العمر
إدلب ـ يواجه الأطفال في إدلب مخاطر كبيرة خلال فصل الشتاء أبرزها اعتماد الأهالي على مواد تدفئة رديئة وخطيرة بآن واحد، بسبب تردي الوضع المعيشي وغلاء أسعار مواد التدفئة، ما يدفعهم لبدائل غير آمنة واستخدامها في صراعهم مع البرد والسيول والعواصف وانتشار الأمراض.
بعد اشتداد القصف ازدادت حملات التهجير وأجبر أكثر من مليوني مدنياً على النزوح إلى المخيمات، والعيش حياة الفقر في ظل قلة مصادر الدخل، وأتجه المدنيين في إدلب لاستخدام مواد غير صحية وغير آمنة للتدفئة والتي راحت تخلف أضراراً ومخاطراً جسيمة على صحة قاطني المخيمات، وخاصة الأطفال والتي تعتبر الفئة الأكثر ضعفاً.
إذ تكررت حوادث الاختناق التي وصلت حد الوفاة بين الأطفال بفعل مواد التدفئة الرديئة، ومنها الحادثة المؤلمة الأخيرة حين فقدت عائلة 3 من أطفالها في آن واحد ضمن مخيمات "أطمة" شمالي إدلب، صباح يوم الاثنين 15 كانون الثاني/يناير، نتيجة اختناقهم بانبعاثات مدفأة الفحم.
قالت لينا السويد 45 عاماً وهي إحدى قريبات الأطفال، أن الأطفال ناموا داخل خيمتهم التي تحوي مدفأة تعمل على الفحم دون أن يستيقظوا في صباح اليوم التالي، ليتبين أنهم متوفين جراء سحب الفحم للأكسجين داخل الخيمة ما أدى لوفاتهم على الفور دون حتى أن تشعر عائلتهم النائمة في الخيمة المجاورة بذلك.
وأضافت أن والد الأطفال يلجأ عادة لشراء هذا النوع من الفحم الرديء لرخصه بسبب الظروف المعيشية والمادية الصعبة التي يعيشها، وعدم قدرته بسبب الفقر على شراء مواد أغلى ثمناً وأكثر أماناً وفاعلية، لكنه لم يكن ليتوقع أبدا أن يؤدي هذا النوع من الفحم لفقدان أطفاله الثلاثة دفعة واحدة.
وشهدت مناطق الشمال السوري عدة حالات مشابهة بحالات الإصابة بالاختناق جراء انبعاثات أدخنة المدافئ الضارة، حيث استخدم الأهالي البلاستيك والفحم والنفايات والإطارات المهترئة والأحذية المستعملة لتوفير بعض الدفء لأبنائهم، وهو ما تسبب بخطر كبير على جهازهم التنفسي.
وفي حادثة مشابهة للأطفال الثلاثة تعرّض 4 أطفال من عائلة واحدة بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2023، لنوبات اختناق كادت تودي بحياتهم في مخيم "التح"، غرب مدينة معرة مصرين شمال إدلب، جراء مواد التدفئة غير الصحية المستخدمة.
وجميع أعمار الأطفال الأربعة متقاربة فأصغرهم بعمر ثلاثة أشهر، وأكبرهم يبلغ أربع سنوات، وتعرضوا جميعاً لأزمة ربو حادة، ليتم إنقاذ حياتهم بإسعافهم لأقرب مشفى في المنطقة.
وقالت مرام الشيخ 38 عاماً عاملة في مجال الصحة المجتمعية أن غاز أحادي أوكسيد الكربون CO يعد أخطر أنواع الانبعاثات ويطلق عليه اصطلاحاً القاتل الخفي لعدم القدرة على تمييزه بسهولة، لكونه غاز عديم اللون والرائحة ويؤدي استنشاقه إلى التسمم وقد يصل للموت.
وأوضحت أنه من الأسباب التي تؤدي لانطلاق هذا الغاز القاتل في الهواء هو إشعال المدافئ أو أي نار أو مصدر حراري بأماكن محكمة الأغلاق أو مغلقة بشكل يصعب دخول الهواء والأوكسجين منها، وعدم وجود تصريف جيد عبر المدخنة، ووضع الجمر في مكان مغلق، استخدام الفوانيس أو مدافئ الغاز، والأبخرة الناتجة عن الحرائق.
وأشارت إلى أنه من أبرز الأعراض التي تظهر على المصاب بحالة اختناق بغاز أحادي أكسيد الكربون الصداع والدوار وضيق التنفس وضعف وتشويش ذهني، وخلل في وظائف الجهاز العصبي والإغماء، وخلل في القلب، ثم الوفاة التي قد تحدث للنائم قبل ظهور الأعراض المذكورة عليه.
وبينت إنه يمكن تدارك خطورة انتشار هذا الغاز القاتل بإجراءات فورية وسريعة عند ملاحظة انتشاره، ومنها تهوية المكان فوراً إطفاء المصدر الحراري المسبب، وأية مصادر أخرى قد يتفاعل معها غاز "أحادي أكسيد الكربون"، إخراج جميع من في المكان وخاصةً الأطفال ومرضى الجهاز التنفسي وكبار السن والنساء الحوامل وذوي الاحتياجات الخاصة، والاتصال بالإسعاف فوراً.
وشددت على ضرورة اتخاذ إجراءات احترازية تتمثل في التأكد من التصريف الجيد لنواتج الاحتراق ووجود فتحة تهوية مناسبة والتأكد من صلاحيتها للتصريف، وعدم ترك المدافئ مشتعلة أثناء النوم والتأكد من عدم ارتجاع النار إلى صندوق المدفئة المليء بالمواد المستخدمة للتدفئة، وعدم إدخال المجامر لداخل الخيام أو الغرف، وصيانة المداخن وتنظيفها.
وحذرت من عواقب أخرى يسببها استخدام مواد غير صحية وغير آمنة في التدفئة، والتي لا تقف حد الإصابة بالاختناق وإلحاق الضرر بالجهاز التنفسي، بل تؤدي أيضاً إلى اندلاع حرائق في المنازل والخيام، وتؤدي في بعض الأحيان لوقوع وفيات وإصابات خطرة، ويبقى لغياب إجراءات السلامة والوعي دور كبير في معظم تلك الحوادث والأخطار.