بعد وصول مصر للمركز الأول عالمياً... شابة مصرية تطلق مبادرة لتشجيع الولادة الطبيعية

تزايدت في الآونة الأخيرة الأصوات والمبادرات المطالبة بالحد من الولادة القيصرية غير الضرورية، في ظل استسهال طبي، ووسط أرقام تدعو إلى الكثير من القلق باحتلال مصر المركز الأول عالمياً في الولادات القيصرية

إيناس كمال
القاهرة ـ .
أطلقت الصحفية مي الشامي في حزيران/يونيو الماضي، مبادرة توعوية إلكترونية بعنوان "أوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية"، لتشجيع النساء على الولادة الطبيعية ولإيقاف ما أسمته وباء انتشار الولادات القيصرية غير الضرورية التي يقوم بها أطباء النساء والولادة في مصر، ذلك الأمر الذي جعل البلاد في مقدمة الدول من حيث إجراء تلك العمليات وفقا لمسح أجرته هيئة الأمم المتحدة عام 2018.
 
مصر الأولى عالمياً في الولادات القيصرية
وفقا لصحيفة "الوطن" المصرية، قالت دراسة أعدها نائب وزيرة الصحة والسكان لشؤون السكان د. طارق توفيق، شملت مسحاً لمعدلات الولادة القيصرية خلال الفترة بين عامي 2008 و2017، إن معدلات الولادة القيصرية في مصر زادت 4 أضعاف عن المعدلات العالمية، موضحاً في دراسته أن معدل الولادات القيصرية الآمنة الذي وضعته منظمة الصحة العالمية بلغت 15%.
كما أوضحت الدراسة أن الأسر المصرية التي تلجأ للولادة القيصرية، تتحمل أعباء مادية كبيرة مقارنة بالأسر التي تلجأ سيداتها إلى الولادة الطبيعية، لافتة إلى أن الولادات القيصرية تزيد تكلفتها المادية على 466% عما لو كانت جرت الولادة طبيعية.
ووفقا لآخر مسح سكاني في مصر أجرى عام 2018، الصادر عن وزارة الصحة والسكان فإن فاتورة "بيزنس الولادات القيصرية" في مصر ارتفعت لـ 14 ملياراً و525 مليون جنيه (عملة مصر) سنوياً في مقابل الولادات الطبيعية التي بلغت فاتورتها 3 مليارات و675 مليون جنيه فقط، على اعتبار أن تسعيرة الولادات الطبيعية تتراوح بين أطباء النساء والتوليد بين 1000 و3 آلاف جنيه (64 إلى 191 دولار)، مقارنة بتكلفة تتراوح بين 8 آلاف و14 ألف جنيه (510 إلى 893 دولار) للولادة القيصرية.
 
مبادرة نسوية نسائية ضد وباء تزايد الولادات القيصرية
الصحفية مي الشامي في العشرينيات من عمرها تقيم في القاهرة، كانت تدرس بالجامعة الأمريكية في القاهرة وكجزء من مشروع تخرجها طُلب منها العمل على فكرة عن التنمية المستدامة، لم تجد أفضل من موضوع الصحة للنساء لتعمل عليه على حد قولها، فاختارت هذا الأمر والذي لمسته من واقع تجربة شخصية إضافة إلى حكايات الصديقات المتضررات من الولادة القيصرية.
استهلت مي الشامي حديثها مع وكالتنا وكالة أنباء المرأة، بالتأكيد على أن مبادرتها "أوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية" تستهدف النوع غير المبرر وغير الضروري من عمليات الولادة القيصرية وليست تلك التي يؤكد فيها الطبيب أنها الحل الأمثل مع المرأة، ذلك لأنها تلقت هجوماً ضد مبادرتها أنها ربما تضر بالنساء اللاتي لا تفلح معهن عمليات الولادة الطبيعية لأسباب عديدة.
تقول "المبادرة ليس هدفها إجبار أي امرأة أو الضغط عليها لاختيار الولادة الطبيعية ولا الوصم لمن تختار الولادة القيصرية، حتى ولو اختارت المرأة أن تجري عملية قيصرية سندعمها لأن هناك نساء لديهن رهاب من العمليات والولادة ولهن كل الاحترام والتقدير".
تعود بنا مي الشامي، سنوات قليلة إلى الوراء فتتحدث عن ولادتها القيصرية التي لم تتم بنجاح وولادتها الطبيعية التي تمت بنجاح، وأن ذلك شجعها على إطلاق المبادرة التي تهدف إلى توعية النساء بعيداً عما وصفته بتلاعب الأطباء وعدم أمانتهم تجاه النساء، وإقناعهم أن القيصرية أسهل وأضمن من الطبيعية وأحياناً يضغطون عليها بمعلومات خاطئة، كل ذلك من أجل تحقيق ربح مادي.
 
لماذا هذه المبادرة نسوية؟
ترى مي الشامي أنها تناصر النساء وتهتم بقضاياهن ومشاكلهن، كما ترى أن عدم توفير كافة المعلومات للنساء عن الولادة الطبيعية والقيصرية ومضاعفات كل منهما وما تستدعيه حالتها من طبيبها، هو عنف ضد المرأة لأن الطبيب يستغلها بأحد الأشكال، وتشير إلى أن المبادرة تقف ضد الضغوط المجتمعية التي تمارس على المرأة من صديقاتها وجيرانها ألا تلد طبيعياً لأن هناك معلومات مغلوطة أن الولادة الطبيعية ستؤثر على العلاقة الحميمية.
وتعرض المبادرة أيضاً حلولاً من شأنها مساعدة النساء، منها مخاطبة الدولة والمنظومة الصحية في مصر التي عليها دور توعية وتشجيع النساء في مناطق مختلفة وكذلك توفير رقابة على ولادة النساء قيصرياً حتى يتم إجرائها وفق الضرورة وحماية للأطباء الذين يريدون خيار الولادة الطبيعية من التعرض للضغط والوصم من زملائهم أو عدم توفير ما يحتاجونه من تقنيات.
تعرضت مي الشامي مؤسسة المبادرة لهجوم من بعض النساء والرجال، يقول الرافضين والمهاجمين إن مي تشجع النساء على حب الألم وهو تعليق تلقته من أحد الرجال الذي قال لها مهاجماً "انتي من رابطة محبي الألم" على حد قولها، كما أن بعض النساء يرون أن القيصرية أسهل وأسرع، لكن بعض النساء أشاروا إلى أن لولادات القيصرية مضاعفات عدة، مثل ألم بسبب حقنة البنج وآلام في الظهر وغيرها من المضاعفات.
وعن ما يروج له الأطباء أو يقولونه لمرضاهم، قالت العديد من النساء خلال التعليق على صفحة المبادرة أنهم تلقوا تعليقات من الأطباء مثل "الماية قلت حول البيبي" أو "حوضك ضيق" أو "وزن الطفل قليل" للضغط عليهن بالولادة القيصرية، وتؤكد مي الشامي أن الأطباء لا يقولون الحقيقة كاملة وأن هناك حلولاً لكل حالة.
وتوضح أن لدى النساء تخوفات من الولادة الطبيعية لأمور أخرى بخلاف الاستسهال هو تخوفها من التعرض للتحرش أثناء الولادة الطبيعية من الطبيب أو أن ينكشف جسدها، وتقول إن "الولادة الطبيعية له حلول ولا يلجأ للقيصري إلا في أضيق الحدود".
 
أضرار العمليات القيصرية
 
 
ومن جانبها تقول الدكتورة إسراء عبد الفتاح وهي أستاذ مساعد بقسم النساء والتوليد بجامعة قناة السويس والمتطوعة حالياً بالمبادرة، إنها تقدم المعلومات الطبية الخاصة بالولادة الطبيعية والقيصرية، مؤكدة أن هناك مضاعفات تحدث للولادات القيصرية التي ليس لها سبب ولا ضرورة. 
وعن أضرار عمليات الولادة القيصرية توضح أن الجرح الذي يحدث في البطن بطول طبقات الجلد ويصل إلى أعمقها، يستلزم مدة طويلة للتعافي كما أن المرأة لن تستطيع إرضاع طفلها طبيعياً بشكل جيد.
وأشارت إلى أن من الأضرار استناداً على واقع الدراسات كذلك التجارب التي رأتها من خلال عملها، في جامعة قناة السويس، أن بعض النساء يتعرضن لوجود جرح في المثانة أو الأمعاء مع تكرار القيصرية أكثر من 4 مرات أو ما يسمى بالمشيمة الملتصقة والتي يضطرون فيها لاستئصال الرحم.
وتؤكد أن هدف الحملة هو توعية النساء أن هناك حلولاً وألا تنجرف لاستغلال الأطباء وأن تعرف المعلومة كاملة ولها الحق في الاختيار بعد ذلك، لا أن يتم الاختيار من البداية من قبل الطبيب.
كما أوضحت أن هناك أنواع ولادة ظهرت حديثاً وهي الولادة الطبيعية بدون ألم، ويتم ذلك عن طريق حقنة في الظهر تسبب تخدر للألم وتستطيع المرأة أن تلد بدون آلام "الطلق"، كما تستطيع أن تمارس حياتها الطبيعية وعملها بشكل طبيعي بعد الولادة مباشرة، وتنوه إلى أن "شق العجان" سهل الالتئام والدم الواصل لهذه المنطقة من الجسم يسهل من ذلك. 
تقول إسراء عبد الفتاح إن بعض الأطباء من زملائها أحياناً واجهوا اعتراض من النساء الحوامل لاختيار الولادة الطبيعية تخوفاً من الألم رغم صعوبتها على الطبيب الذي قد يقضي 10 ساعات في توليد امرأة واحدة.
أما عن الحالات التي تستدعي الجراحة القيصرية تقول "عندما يكون الحوض ضيق لا يسمح بنزول الطفل وفقاً لوزنه، أو عندما تكون المشيمة متقدمة أي المشيمة سابقة الجنين، وكذلك عندما يكون ماء الطفل يقدر بحوالي 5 سنتيمتر، أو في حالة كان الطفل مستعرض".
وتضيف " تستدعي إجراء الجراحة القيصرية أيضاً في حال كان وزن الطفل أكثر من 4 كيلو ونصف أو الأم لديها بعض الأمراض كبعض أمراض القلب".
ونقلاً عن صحيفة "الأهرام" المصرية، قالت صحيفة الجارديان في تقرير لها قبل أسابيع أن مصر الأول عالمياً في الولادة القيصرية وذلك طبقًا لدراسة أجريت على عدة بلدان كانت نتيجتها أن نسبة الولادة القيصرية في بريطانيا بلغت 26%، وفي الدومينكان 58%، أما في مصر وصلت إلى 63%.
 
"ندعم الطبيعي أوقفوا القيصري"
وتحت شعار "ندعم الطبيعي أوقفوا القيصري"، نشرت المبادرة عدداً من القصص الإيجابية لنساء أجرين ولادات طبيعية لتحفيز وتشجيع النساء على الولادات الطبيعية، ومن بين القصص التي تم مشاركتها في المبادرة أن إحدى الحالات أجرت ولادة طبيعية 3 مرات مرتان منهما بالسعودية وواحدة بمصر، إلا أنها كانت تشعر بالخوف من استسهال معظم الأطباء في البلاد.
تروي أنها ظلت تتابع مع طبيبة نساء وولادة زيارة شهرية لتجد من يدعمها في قرارها بالولادة الطبيعية، وهي طبيبة متقدمة في السن، اتفقت معها أنه فور شعورها بأي علامة أن تهاتفها فوراً وهو ما حدث، حينما كانت في منتصف شهرها التاسع مع المجهود الذي كانت تبذله والتمارين الرياضية التي تمارسها.
وأشارت بعض النساء إلى أنه بمساعدة الأطباء تأخذ الولادة الطبيعية مجراها، حيث أن حالة المرأة بعد الولادة الطبيعية تستقر سريعاً.