بعد أشهر من الزلزال... العيش المشترك والتضامن يخفف من معاناة نساء الحوز
خففت روح التآزر والتضامن داخل المخيم بين الأهالي من وطأة الحزن وقساوة العيش، والجراح والدمار الذي خلفه الزلزال.
رجاء خيرات
مراكش ـ تعاني نساء إقليم الحوز رفقة أطفالهن داخل الخيام منذ ثلاثة أشهر بعد زلزال المدمر الذي ضرب الإقليم في الثامن من أيلول/سبتمبر، من ظروف قاسية ضاعف من وطأتها حلول فصل الشتاء، حيث برودة الطقس وانعدام وسائل التدفئة لا تخففها إلا قيم التضامن والعيش المشترك.
بمخيم قرية إمزين بجماعة ويركان التابعة لمنطقة آسني بإقليم الحوز تعيش نساء القرية كأسرة واحدة داخل مخيم يعتبر نموذجياً وسط عشرة مخيمات أخرى بنفس المنطقة، تعمل النساء داخل المخيم كخلية نحل، حيث يتكلف فريق من خمس نساء بصنع الخبز وفريق آخر بطهي الطعام لتقديمها لسبعين أسرة داخل المخيم، وفق جدول زمني.
قالت سعيدة إيمزيون "فقدت ابنتي ذات الإحدى عشر ربيعاً إثر الزلزال الذي ضرب المنطقة. انهار بيتي بالكامل وانتشل الجيران زوجي وعندما ذهب هذا الأخير لنجدتنا وجد ابنتي البكر قد فارقت الحياة بينما نجا شقيقها".
وأضافت "لولا هذا التضامن والتآزر داخل المخيم لما استطعت أن أتجاوز الفاجعة التي ألمت بي وببعض نساء القربة، هنا نعيش كما لو كنا أسرة واحدة، النساء يواسينني وتخففن عني حزني، كما أننا نتعاون في كل شيء والوقت يمر بسرعة رغم قساوة العيش، فالطقس بارد جداً والخيام لا تحمينا من لسعات البرد خاصة أثناء الليل، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، حتى أن الأغطية لا تكفي لتصد عنا هذا الصقيع رغم وفرتها".
وأكدت إحدى النازحات إلى المخيم وتدعى أمزين خديجة أنهن منذ أن جئن إلى هذا المكان وهن تقاومن رغم قساوة الظروف وشظف العيش.
وأوضحت أن أحد سكان قرية إمزين هو من قام بمنح الأهالي بستانه الذي أقاموا عليه خيامهم، بحكم أن المنطقة فيها منعرجات والبستان هو المكان المناسب لنصب السبعين خيمة تقريباً "في الليلة الأولى للزلزال وجد سكان المنطقة أنفسهم داخل البستان هرباً من البيوت المتصدعة والمنهارة، ومنذ ذلك الحين وهم يقيمون في المخيم ولا يبرحونه، في انتظار إعادة بناء بيوتهم".
وقالت "نضطر لاستعمال حمام واحد وفق جدول زمني محدد وكذلك المراحيض، حيث منحتنا إحدى المنظمات حاويات تم تزويدها بالماء للاغتسال. مع برودة الطقس يصبح الاستحمام داخل الحاويات أمراً صعباً لكننا نحاول أن نتأقلم مع الوضع الجديد في انتظار إعادة بناء وترميم بيوتنا التي تضررت أثر الزلزال".
رغم قساوة العيش داخل المخيم إلا أن روح التضامن والتكافل بين نساء المخيم حولت المعاناة إلى جو من المرح والفرح، بل إن النساء لم تترددن في إقامة احتفالات داخل المخيم كأعياد الميلاد وحفلات الزفاف التي أدخلت الفرح من جديد وخففت على المنكوبين آلامهم.
وأوضحت إحدى نساء المخيم وأكبرهن سناً رقوش بوبكر "في ظل قساوة المناخ والبرد القارس خاصة مع حلول فصل الشتاء، نأمل العودة إلى بيوتنا وحياتنا السابقة، نحن نعيش هنا كأسرة واحدة داخل هذا المخيم، نتقاسم الطعام والشراب والأوقات الجميلة. تقربنا من بعضنا البعض ونحن نعيش هنا في جو من الإيخاء والتضامن. الشابات تتكلفن بطهي الطعام وصنع الخبز، حيث تقوم خمس نساء بتحضير ما يناهز 140 خبزة يومياً، بينما كبار السن تشرفن على طهي الخبز داخل فرن الغاز التي جلبه لنا أحد الأشخاص لتسهيل ظروف عيشنا".
تواجد مخيم قرية "إمزين" بمنطقة ويركان التي تقع على الطريق الرابط بين مراكش وإقليم تارودانت هو ما منحها هذه السهولة في توصيل المساعدات إلى الأهالي، كما أن تكتلهم داخل مخيم واحد وحرصهم على العيش المشترك وتقاسم كل ما يجلب لهم جعل المخيم نموذجاً يحتذى به في المنطقة.
تقول إحدى نساء المخيم مينة الباهي "هذا العيش المشترك هو من منحنا القوة للاستمرار رغم قساوة المناخ، هنا نعيش كما لو كنا أسرة واحدة، نساعد بعضنا البعض ونشد على أيادي بعضنا البعض، كلما توجهنا صوب القرية ينتابنا الحزن لرؤية بيوتنا المتصدعة، لكننا ما إن نعود إلى المخيم ونتبادل الحكايات والقصص، ننسى همومنا وننخرط في حياتنا الجديدة التي فرضت علينا بسبب الزلزال".
أما عن ظروف دراسة أبناء القرية أوضحت أن الأطفال الصغار يستفيدون من التعليم الأولي، حيث تم تخصيص خيمة كبيرة لهذا الغرض بفضل إحدى المنظمات الدولية التي تبرعت بها لفائدتهم وجهزتها بكل المستلزمات، بينما يتابع تلاميذ المرحلة الابتدائية دراستهم في مدرسة القرية التي لم تتضرر إلا جزئياً، أما تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية فقد تم إلحاقهم ببعض المؤسسات التعليمية بمراكش، ويتم اصطحابهم لرؤية أهاليهم كل عطلة نهاية الأسبوع.
رغم الظروف الصعبة التي تعيشها النساء داخل المخيم إلا أنهن تحاولن قضاء يومهن إلى حين عودتهن إلى منازلهن التي أجبرتهن على تركها والتأقلم مع حياة جديدة داخل الخيام.
وقامت الحكومة المغربية بصرف تعويضات لفائدة المتضررين منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي من أجل إعادة بناء المنازل التي انهارت بالكامل أو بشكل جزئي، من خلال دفعتين متتاليتين، حيث خصصت مبالغ تتراوح ما بين 140 ألف درهم (14 ألف دولار) للبيوت التي انهارت كلياً، و 80 ألف درهم (8 آلاف دولار) للبيوت التي انهارت بشكل جزئي.