أيتام إدلب... قصص مؤلمة في ظل غياب الكفالات ودور الرعاية
يعيش الأطفال الأيتام في إدلب ظروف معيشية غايةً في الصعوبة، هم الذين ألفوا الحرب والإهمال والتشرد بعيداً عن مقاعد الدراسة وأحضان أسرة تحنوا عليهم وتشعرهم بالأمان
سهير الإدلبي
إدلب ـ .
فقد وائل الخير (٩سنوات) والده في القصف الذي طال مدينتهم خان شيخون أواخر عام ٢٠١٨، فحرم حنان الأب وسرعان ما حرم من حنان الأم أيضاً حين أودعته مع أخوته الثلاثة ليعيشوا مع عمهم بعد أن قررت الزواج مرة أخرى، ليواجه الأيتام مصيراً مؤلماً وشعوراً باليتم من كلا الأبوين.
يشكو عم وائل الخير الفقر الشديد وهو ما دفعه لإرسال وائل للعمل من أجل مساعدته في الإنفاق على عائلته المقيمة في مخيمات سرمدا الحدودية.
يعمل وائل الخير في تقطيع الأحطاب وبيعها وتعبئتها في السيارات بعد شرائها بالأطنان مع عمال آخرين ليستمر عمله منذ الصباح الباكر حتى المساء ليعود ببعض النقود لعمه الذي يشتري بها وبما يجمعه هو الآخر من عمله في البناء ما تقتات به العائلة وسط الفقر والغلاء الذي طال حتى رغيف الخبز.
تعكس ملامح وائل الخير كمية الألم والحرمان وفقدان الأمان وضياع الطفولة في غياهب العمالة واليتم، ويقول أن كل ما يتمناه هو أن يبقى أخوته بخير وأن يتمكن من مساعدة عمه ليستمر في السماح لهم بالعيش مع أسرته حيث لا مكان آخر يأويهم.
كثيراً ما يتلقى الأطفال الثلاثة الأيتام معاملة سيئة ولكنهم ألفوا القهر الذي صار جزءاً من حياتهم في ظل عدم وجود ما ينتشلهم من حياتهم البائسة تلك.
أما عن الطفلين مصعب الكريم (١٢عاماً) وأخيه حسام الكريم (١٠سنوات) فهما يتيما الأب الذي فقد حياته منذ سنوات، لينطلقا في رحلة العمالة من أجل مساعدة الأم على تحمل الأعباء الكبيرة التي ألقيت على عاتقها، وبعد بحث طويل عن عمل استطاع الأخوين إيجاده في إحدى المطاعم بمدينة حارم وبأجور قليلة لكنها تكفي لشراء بعض الخبز والخضار.
يقول مصعب الكريم وهو الأكبر بين أخوته الأربعة ويحمل مسؤولية العائلة التي وقع عبء الإنفاق والإعالة على عاتقه وعاتق أخيه الأصغر "النزوح والفقر وانعدام المعيل جعلنا نكبر قبل الأوان، أشتاق للمدرسة وأشتاق لحياتنا التي ضاعت بالتشرد والنزوح"، يصمت قليلاً ليتابع بحزن "لقد انقلبت حياتنا رأساً على عقب وباتت الحياة أصعب من أن نحتملها"، ليس لدى عائلة مصعب أي دخل إضافي سوى عمله وعمل أخيه باستثناء بعض المساعدات الإغاثية التي تصلهم بشكل شهري كغيرهم من العائلات النازحة.
لا يختلف حال الأيتام في إدلب كثيراً عن بعضهم البعض عدا عن وجود حالات تحمل مشاهد أقسى كحالة الطفل صابر العلوش (١٣ عاماً) الذي اعتاد أن يفترش الأرض وينام في شوارع إدلب بعد طرده من قبل والده من المنزل.
يقول صابر العلوش وهو من ريف إدلب الجنوبي أن والدته توفيت بسبب القصف وتزوج أبيه بأخرى وراح يعنفه ويطرده باستمرار ما دفعه لمغادرة المنزل والعيش مشرداً في الشوارع، فيجمع النايلون والمعادن ويبيعها أحياناً ويتسول أحياناً أخرى دون وجود من يلجأ إليه أو يحتويه في هذه الحياة على حد تعبيره.
لم يترك اليتم آثاره الجسدية على الأطفال في إدلب بتقزمهم وقلة التغذية والتعب الواضح على ملامحهم الصغيرة وحسب وإنما تعداه لآثار نفسية من الصعب أن تمحى على مر الزمن.
المرشدة الاجتماعية أمل الزعتور (٣٥عاماً) تأسف لزيادة عدد الأطفال الأيتام في المنطقة الذين لا يجدون أي دور رعاية أو مراكز أو كفالات تهتم بهم.
وعن معاناة هؤلاء الأطفال النفسية تقول إنهم يصابون بالخوف والاكتئاب ويجنح بعضهم ويرتكب جرائم سرقة وغيرها وكثيراً ما يسيطر عليهم اضطرابات نفسية كضعف الشخصية والتركيز وقلة النوم والسلوك العدواني وانعدام الثقة بالنفس.
وبحسب تقرير فريق "منسقو الاستجابة"، الذي صدر في ٢٢كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢١، فإن الأطفال الأيتام في الشمال السوري الذين بلغ عددهم ١٩٨ ألف و٦٣٢ طفلاً دون سن الثامنة عشرة، فيما وصل عدد النساء الأرامل إلى ٤٦ألف و٨٩٢ امرأة، يعيشون معاناة مضاعفة في ظل النزوح وغياب المعيل وقلة المساعدات المقدمة.
وفي ظل الحرب الدائرة في البلاد منذ حوالي 11 عاماً، فقد الأطفال حقوقهم الأساسية التي وردت في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1924، والتي تنص على حق الأطفال في الحصول على الغذاء والرعاية الصحية والمأوى والحماية من الاستغلال.