أين اختفت الأدوار القيادية لنساء غزة خلال الحرب؟
في غزة، لم تكن المرأة يوماً غائبة عن مشهد القيادة، فقد شغلت مناصب سياسية، وناضلت لأجل الحقوق، وشاركت في النهضة الاقتصادية والثقافية، لكن مع اندلاع الحرب انقلبت الأدوار رأساً على عقب، ووجدت المرأة نفسها محاصَرة بتحديات الحياة اليومية القاسية.

رفيف اسليم
غزة ـ مارست نساء وشابات قطاع غزة ما قبل حرب تشرين الأول/أكتوبر 2023، أدوار قيادية في مختلف المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وحتى القانونية والتشريعية، لكن ما إن حلت الحرب حتى اختفت تلك الأدوار في خضم الحياة القاسية التي فرضت عليهن، ليصبح نيل حقوقهن وتحقيق كيانهن آخر ما تفكرن به.
الحرب نسفت كل الجهود
بيداء معمر باحثة وأمين سر المجلس الإداري في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، تقول أن الحياة قبل الحرب كانت سهلة وبسيطة خاصة الروتين اليومي، بينما اليوم ما بين الطهي على النار وطوابير المياه، والبحث عن مكان التسجيل لتلقي المساعدات الإنسانية، وحتى تربية الأطفال وتعليمهم بشكل ذاتي مع غياب المدارس، جميعها عقبات تثقل كاهل المرأة الفلسطينية وتجعلها مشتتة غير قادرة على التركيز نحو هدف بحد ذاته.
وأوضحت أن نمط تلك الحياة يزداد صعوبة على المرأة العاملة والأم، فبعد انتهائها من عملها خارج المنزل مضطرة لإفراغ نفسها حتى تتم ما عليها أسوة ببقية نساء المجتمع، لافتة إلى أن تلك الأدوار مرهقة وتحتل تفكير المرأة وجل طاقتها، بالتالي لا تستطيع التفكير بالأدوار القيادية الأخرى، خاصة في ظل المجاعة، فكيف ستفكر المرأة بأدوار قيادية وهي جائعة، لا تجد سوى وجبة واحدة خلال يومها الطويل والمرهق على أفضل حال.
وأوضحت أنه من بين الأدوار القيادية التي كانت تمارسها النساء في غزة قبل الحرب، هو الضغط لسن قانون حماية الأسرة، فحينما وجدت مجموعة من الناشطات الحقوقيات القوانين المعمول بها في فلسطين غير كافية لحماية النساء ذهبوا للقضاء ودعموا جهودهم بالحملات الرقمية والميدانية، ودقوا أبواب المجلس التشريعي حتى تم الاستجابة لهن وكن على وشك سنه على أرض الواقع، حتى اندلعت الحرب ونسف تلك الجهود.
المرأة تعنف من كل حدب وصوب
وتبرز أهمية قانون حماية الأسرة كونه نجدة لكل أم وأسرة فلسطينية، خاصة بما يعرف بجرائم العنف والعنف المبني على النوع الاجتماعي، بينما اليوم في ظل الحرب القائمة أصبحت المرأة تعنف من كل حدب وصوب خاصة العنف السياسي، فالمرأة اليوم ضحية القتل والاعتقال، والإرهاق للصحة والجمال والأنوثة التي سلبتها منها تلك الطوابير اللعينة، وعدم شعورها بالأمان في ظل الانفلات الأمني.
وعن الأدوار القيادية الأخرى، لفتت بيداء معمر، إلى أن المرأة كانت تحلم أن تكون وزيرة، بعدد مقاعد تنافس به الرجل بالحكومة، كما شغلت مناصب هامة في الأحزاب، الجمعيات، النقابات، وغالبية مراكز صنع القرار، حتى أنها كانت تنادي برفع نسبة الكوتا لتكون 50% مناصفة ما بينها وبين الرجل، ولم تثنيها مشكلات البيت الفلسطيني كالانقسام والاحتلال من انتزاع ذلك الحق عنوة، لكن الحرب كانت أقوى وأعنف مما تتصور.
غياب الحماية والوعي هاجس آخر للمرأة
وأضافت أن المرأة ما قبل الحرب كانت تمارس الدور القيادي في جميع مناحي الحياة، فإلى جانب المهن المختلفة التي تمارسها كعملها طبية، ومدرسة، ومحامية وغيرها من المهن، وإدارتها للعديد من المشاريع السياحية الناجحة، وصناعة مستحضرات التجميل، ومنتجات الألبان والأجبان وتلك الخاصة بالتدجين الحيواني أيضاً كانت تطمح أن يكون لديها طموح سياسي تستطيع من خلاله بناء دولتها وفقاً لرؤيتها وبما يتناسب مع احتياجاتها.
ويشكل غياب الحماية للمرأة هاجس آخر، فبحسب بيداء معمر، النساء تحتجن للحماية من الضربات الجوية والبرية التي تشنها القوات الإسرائيلية أولاً، ومن ثم الحماية من أشكال العنف التي اجتاحت المجتمع بلا هوادة، لذلك نستطيع القول إن المرأة الفلسطينية تستطيع الوصول فهي قيادية بالفعل لكن الأدوار التي تحلم بها لا تتناسب مع الواقع الذي تعيشه.
وتكتمل تلك الدائرة المفرغة بغياب تمكين الشابات الفلسطينيات، فبعد أن وصل تمكينهن إلى ممارسات أدوار سياسية وقيادية اندلعت الحرب، حرمت الكثير منهن من التعليم وفرضت الزواج القسري على أخريات، بينما تكفل الخوف بالقيام بباقي المهمة فلزمت الكثير من الفتيات منازلهن وخيمهن وأصبح جل ما يبحثن عنه هو وجبة مشبعة أو عمل يتمكن من خلاله الإنفاق على أنفسهن، لتخلق الحرب هوة بين النساء القياديات والشابات الصغيرات اللواتي ما زلن في مقتبل العمر.