أول تونسية تمتهن "الحدادة" وتؤكد أن الثقة بالنفس مفتاح النجاح
العديد من النساء في تونس استطعن بفضل قوة شخصيتهن وثقتهن بأنفسهن الضلوع في مهن كانت حكراً على الرجال منها النِجارة وقيادة سيارة الأجرة والعمل في ورش البناء وفي الميكانيك وقيادة الطائرات.
إخلاص الحمروني
تونس ـ اشتهرت إكرام دباش "بملكة الحدادة" بعد أن نجحت في اقتحام المهنة التي كانت واحدة من المهن التي احتكرها الرجال لفترة طويلة من الزمن.
لم يكن تحقيق النجاح سهلاً، لقد دفعت النساء اللواتي امتهن أعمال ومهن حرمهن المجتمع من الضلوع بها لفترة طويلة، ضريبة ضخمة وقاسية منها المضايقات والنظرة الدونية واحتقارهن والتنقيص من ذاتهن، وغير ذلك من ألفاظ تحط من قدر المرأة وإرادتها، إلا أنه وظفن هذه العقبات والتحديات لدفع عجلة تقدمهن نحو الأمام، وليصممن أكثر على ريادة هذه الأعمال تأكيداً منهن على أنه لا فرق بين المرأة والرجل سوى العزيمة والإصرار.
من بين نساء تونس اللاتي نجحن في اختراق هذه المهن الذكورية، إكرام دباش ذات 23 عاماً، لقد طوعت قضبان الحديد لتصنع منها أجمل الموديلات والإكسسوارات والديكورات العصرية التي تستعمل لتزيين المطابخ والمنازل.
تحدثت إكرام دباش عن تجربتها باطناب وَافتخار كبيرين نظراً لما حققته من شهرة على مواقع التّواصل الاجتماعي في هذه المهنة التي طالما كانت من اختصاص الرجال، مؤكدةً أن شغفها بالمهنة ورثته عن والدها الحداد منذ نعومة أظافرها، مبينةً أنها نجاحها في هذا العمل بفضل عزيمتها على تحدي المصاعب وقوة شخصيتها التي جعلتها تتجاهل كل المضايقات والتعليقات السلبية التي تعرضت لها من قبل الأسرة والمجتمع.
وأكدت أنها بقرارها مواصلة العمل في الحدادة تخطت العديد من التقاليد السائدة في محيطها الريفي الضيق كما خسرت الكثير من الأشياء وفي مقدمتها دراستها، مشيرة إلى أنه "بالرغم من رفض الناس المحيطين بي لفكرة أن المرأة تعمل في هذه المهنة، إلا أنني تحديت الجميع ودافعت عن اختياري، ومحوت تلك الفكرة النمطية السائدة بأن المرأة لا تحقق النجاح إلا في مهن تخصها ولا قدرة لها على مهن الرجال التي توصف بأنها صعبة".
تقطن إكرام دباش في مجتمع ريفي تقليدي بامتياز وتحديداً في بلدة معتمدية برقو بمدينة سليانة الواقعة في الشمال الغربي من تونس، ومع ذلك خرجت من رحم هذا المجتمع كمثال للمرأة التونسيّة المثابرة والرائدة في مجال لا يستطيع حتى الرجال أنفسهم فعله، فمهنة الحدادة من المهن الشاقة التي تتطلب بنية جسدية قوية ولياقة بدنية عالية لتطويع الحديد فكيف إذا كانت فتاة في مقتبل عمرها.
وتقول "أحلم دائماً القيام بأشياء جديدة وغير مألوفة وأن امتهن عملاً لم تقم به أي امرأة من قبل، فكان قراري العمل بذات مهنة والدي، إلا أنني واجهت منذ البداية العديد من الصعوبات وردود الفعل السلبية وانتقادات من الوسط المحيط، لقد حاول من حولي الثني من عزيمتي والبعض عزف عن التعامل معي".
ومع ذلك أكدت أنها أصرت على إكمال مسارها المهني، وتمكنت من تشكيل ورشة "ضحيت بالكثير من الأشياء وبالعديد من الأصدقاء والمقربين، إلا أن نجاحي عوضني بالكثير ويكفي أنني أول امرأة تعمل في مهنة الحدادة في تونس، في البداية لم يلقى وجودي ذاك القبول حتى أن الناس لم يقبلوا على شراء ما أنجزه، فقد كان بالنسبة لهم بمثابة العار ولا يحبذون عملي، لكن مع مرور الوقت والكثير من العمل الذي أقدمه للحرفين الذين يتحدثون للناس عن الإتقان الذي يتصف به عملي، تم تقبل ذلك وبات الإقبال أفضل".
وأضافت إكرام دباش أن "أي إنسان يرغب بتحقيق النجاح عليه أن يحب عمله أولاً، ثم يبدأ بقوة ليدرك أن النجاح ممكن، عندما نكون متفائلين ونعرف كيف نختار الطريق الذي نريده، بالإمكان أن نتخطى الصعوبات"، مؤكدة أنها حاولت إبراز صورة إيجابية عن ذاتها وعن المرأة، وأنه لا فرق بين المرأة والرجل.
ومع كل هذا النجاح الذي حققته أكدت أنها لم تتلقى أي مساندة من الجهات الرسمية رغم أنها تمثل رمز للمرأة التونسية ولبلادها، فورشتها الصغيرة جهزتها بتمويلها الخاص، مؤكدة "حلمي لم يتوقف عند هذا الحد بل أريد أن افتح ورشة كبيرة وأنجز فيها أعمالاً لكن ذلك يتطلب تمويلات كثيرة".
وفي ختام حدثيها وجهت رسالة للفتيات "أقول لكل فتاة ولكل امرأة إذا أردتن أن تعملن في مهن كانت حكراً على الرجال، يجب أن تتحلن بالثقة والإرادة خاصة أنكن ستواجهن انتقادات لاذعة سواء من العائلة أو المجتمع".