أول مراحل الدعم "حكي"... خطوات مساندة ضحايا العنف والاتجار من النساء

تفتقد الكثير من المجتمعات ثقافة "الحكي" ويعتبرها البعض "عيب" وخروج عن القواعد المنظمة للأسر، وفضح لما تحويه المنازل من أسرار

أسماء فتحي
القاهرة ـ ، بل أن الكثيرات قد يعنفن ويغتصبن دون قدرة منهم على البوح بما يمارس عليهم من تعدي وتعنيف واضح.
قد تجهل الكثير من النساء الخطوات التي تدعمها بها المؤسسات العاملة في الدفاع عن قضايا المرأة وهو ما سنحاول الوقوف عليه في لقاءٍ مع الأخصائية الاجتماعية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية إيمان محمد وهي منسقة مشروع مناهضة الاتجار بالنساء.
 
الخطوة الأولى التي تمر بها الضحية عند اللجوء لـ "قضايا المرأة"
أوضحت إيمان محمد التي لفتت إلى أنها أول من تلتقي الضحية عند تقديم شكواها للمؤسسة، أن المرور على وحدة الاستماع والارشاد النفسي، أولى مراحل التواصل مع الضحية وهنا يتم العمل على سماع ما ترويه كاملاً، والوقوف على احتياجاتها وبالتبعية التعرف على الجاني أو من يمارس عليها العنف والاستغلال، ويلي ذلك تصنيف الحالة إن كانت "عنف" أو "اتجار".
ويتم توفير احتياجات الضحية من الدعم النفسي للقانوني وكل ما يتم التوصل إلى كونه مساهم في حل أزمتها أو داعم لها بصورة أو أخرى، إلا أن تلك العملية كاملةً تكون طي كتمان تام واحترام لخصوصية الشاكية.
 
خطوات المساندة
تقول إيمان محمد أن أولى خطوات التعامل مع قضية العنف هي التواصل مع الجاني وإعلامه بوجود من يدعم ضحيته التي لها حقوق ستحصل عليها ويتم عرض مجموعة من الخيارات أو الحلول أمامه للتفاوض عليها، ويتم إعلام الجاني أنه في حالة عدم الاستجابة للتفاوض سيتم اللجوء للقضاء، والبعض بالفعل يستجيب للمحاولة الأولية ويتفاوض ويعالج الخلل الواقع، وآخرون يحضرون لعرض وجهة نظرهم وهناك حالات بالفعل يتم الوصول فيها لحلول ودية دون الحاجة للجوء للقضاء.
وأكدت أن الهدف الأساسي للمؤسسة هو النجاة بالأسرة وليس الطلاق في حد ذاته، فتحقيق الاستقرار والأمان أهم كثيراً لديهم، وإرساء الاحترام بين طرفي العلاقة وإخطار كلاً منهما أن الآخر له حقوق يجب أن تحترم والوصول إلى مساحة مشتركة قوية ومستقرة هو المرغوب والمأمول.
ولا يتوقف متابعة الشاكية عند حد الصلح مع شريكها، ولكن إيمان محمد تؤكد أن المؤسسة تتابعها وتتواصل معها من حين لآخر وفي حال عدم القدرة على المواصلة في العلاقة أو تكرار العنف، يتم إعلام الزوج أن الأمر انتهى عند ذلك الحد وأنها لا تستطيع التحمل في محاولة للوصول للطلاق الودي وفي حال عدم الاستجابة يتحول الأمر للقضاء.
وتعتبر الاخصائية الاجتماعية إيمان محمد أن لكل امرأة احتياجاتها في المسلك القضائي ويتم الوقوف على أولويتها في التقاضي والمطالبة بالحقوق، والقرار كاملاً يرجع لها سواء في اختيار طلب حقها في قائمة المنقولات أو النفقة أو غيرها.
 
كيف يتم التعامل في حالات الاتجار بالنساء
تقول إيمان محمد أن التعامل في قضايا الاتجار بالنساء يختلف عن العنف، فهناك بعض الحالات يتم التواصل فيها مع الجناة، وحول أبرز تلك الحالات توضح "الاستغلال الجنسي" بالصور أو الفيديوهات حيث يتم التواصل مع الجاني وإخطاره أن الأمر سيتطور ويصل للقضاء في حال عدم العدول عن الابتزاز وكتابة إقرار بذلك، وبالفعل تم النجاح في إنهاء عدد من الحالات الواقعة تحت بند الاستغلال الجنسي ودياً.
واعتبرت أن التعامل الودي في تلك القضايا يعود لاختيار المرأة نفسها لأن البعض يخشى دخول المحاكم والتعرض للوصم بشكل ما، لذلك يتم الاستجابة لرغبتهم في تقديم الدعم الأنسب لهم دون تحميلهم عبء المواجهة التي لا يستطيعون تحملها.
 
ثقافة "الحكي والعيب"
عادةً ما تشعر الضحية أنها السبب في العنف الواقع عليها كما لمست إيمان محمد ولا تتمكن من الحديث خوفاً من "العيب" والوصم المجتمعي، مؤكدةً أن المؤسسة تعمل على دعم المرأة ومساعدتها على الحديث والنجاة من ثقافة "الحكي عيب"، موضحةً أن النساء يتم تربيتهم في الأسر على كتمان أسرار البيت، وأن الحديث وإخراج ما يحدث مع زوجها للمشاع "جرم وعيب وفضح".
واعتبرت أن واحد من أهم الأمور المسكوت عنها في الأسرة هو الاغتصاب الزوجي والانحرافات الجنسية التي ترفضها الزوجة ولا يمكنها الحديث عنها لعدم وصمها أسرياً بإخراج أسرار المنزل أو أنها لا تخجل وتفضح نفسها وذويها.
 
بعد استغلال الضحايا... كيف يتم منح الأمان للضحية وتأمين خصوصيتها
وعن أدوات الأمان التي تمنحها المؤسسة للضحية تقول إيمان محمد أن التعامل الداخلي بين العاملين في مؤسسة "قضايا المرأة" أو مع الإعلام غير مسموح على الإطلاق عرض أي بيانات أو تفاصيل عن الناجية "حتى في حال احتياجي لمشورة أو توجيه من مدراءي أتحدث بشكل مبهم"، والأهم أن الاستمارة التي توقع عليها الضحية تحمل رموز لها ولا يتم وضع اسمها، "أنا فقط من يعلم اسمها"، مؤكدةً أن هناك خصوصية وأمان تدركها الضحية جيداً بخبرة التعامل ومع مرور الوقت.
واعتبرت أن انتهاك خصوصية الضحية جريمة، مؤكدةً أن أي مكان تلجأ له يعمل تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي والشؤون الاجتماعية فغير مسموح بوجود مشاع وعلن في التعامل مع تلك القضايا وما دون ذلك مخالفة، وفي حال الاحتياج لعرض القصة يجب أن تحصل الجهة المساندة لها على موافقة مكتوبة منها وبكامل إرادتها ويحق لها الرفض دون أن يؤثر ذلك على مسار دعمها.
 
الحالات ترتفع وقت الأزمات
ربما يكون الأمر صادماً عندما نتأكد أن الأزمات ينتج عنها عنف أكبر وأن الضغط الواقع على النساء لا يكون في تلك الأجواء قاصر على الجانب الاقتصادي فقط ولكنها أيضاً تخضع للابتزاز والتعنيف وتتحمل كل الضغوط باعتبارها حائط الصد الأول في مواجهة النتائج الكارثية للوباء.
وهذا الأمر تؤكد عليه منسقة مشروع مناهضة الاتجار بالنساء إيمان محمد والتي كشفت أن متوسط الوافدين يومياً للمؤسسة يبلغ ما بين الـ 9و14 حالة وقد يصل العدد إلى 18 أو 20 حالة يومياً.
وترى أن لجائحة كورونا تأثير نفسي واقتصادي أكبر وترتفع معه معدل اللجوء لطلب الدعم، فبعض النساء كن يعملن في المنازل خلال تلك الفترة وفقدن أعمالهن، والبعض يتعرضن لعنف بشكل أكبر حتى المتزوجات زادت شكواهن، وخلال تلك الفترة تم وضع خط ساخن على موقع المؤسسة لتلقي شكاوى النساء نتيجة تعذر استقبالهن بفعل انتشار الوباء.
وأخيراً تطلب إيمان محمد من كل امرأة أن تعرف حقوقها وعليها رفض ما يقع عليها من عنف، فمن حقها أن تحيا مكرمة ومحترمة ولا ضرورة لحياة تسلبها حقوقها وكرامتها.