أطفال إدلب الصم والبكم... معاناة مضاعفة مع غياب العلاج ومراكز التأهيل
يعاني أطفال إدلب من ذوي الاحتياجات الخاصة فئة الصم والبكم ظروفاً صعبة مع استمرار الحرب السورية حتى عامها الحادي عشر
سهير الإدلبي
إدلب ـ ، في ظل انعدام الرعاية الطبية والتعليمية والنفسية الخاصة بتلك الفئة المهمشة إلى حد كبير.
لم تكن الطفلة نهلة الحنيني البالغة من العمر ثمان سنوات، تشكو الإعاقة قبل القصف الذي طال منزلهم الواقع في مدينة كفرنبل جنوب إدلب أواخر عام 2017، لتتحول بعدها لفتاة صماء بكماء على إثر الانفجار الذي حدث والرعب الذي تملكها في ذلك الوقت العصيب حين وقع صاروخ الطائرة بالقرب منها ما أسفر عن فقدان أختها الصغرى سلمى لحياتها، وإصابة نهلة بإعاقة.
لم تنسى والدتها ميسون البرغل (٣٢) عاماً، مأساة ذلك اليوم في حياتها كلها، فقد كان نقطة تحول "مأساوية" في حياة عائلتها التي مزقت بين فقد وإعاقة.
وعن تفاصيل الحادثة تروي "كانت الطفلتان تلعبان في حديقة المنزل حين قصفت الطائرات منزلنا ليسقط الصاروخ على بعد أميال قليلة منا ويصيب أحد الطفلتين بشظايا أدت لوفاة الصغرى على الفور أما عن الطفلة الأخرى فهي لم تصب بشظايا ولكن أثر الانفجار عليها ليجعلها فاقدة السمع طوال حياتها"، تصمت الأم وآلام الذكريات تمزق قلبها المثقل بآلام الفقد والنزوح لتتابع "كانت الدماء تسيل من أذنيّ نهلة بينما تستلقي سلمى بقربها جثة هامدة".
تشكو الأم قلة الخدمات الطبية المجانية المختصة بمثل حال ابنتها التي أكد لها الأطباء أنها بحاجة لمتابعة علاجية مكلفة وغير متوفرة في المنطقة بينما لا تملك العائلة من القدرات المادية ما تستطيع به السفر ومتابعة علاج الطفلة خارج البلاد، "تؤلمني حال نهلة التي تقضي معظم أوقاتها في غرفتها معزولة وحزينة، فهي وجدت نفسها فجأة لا تستطيع السمع، والصمت مخيم على حياتها، ولم تفلح كل محاولاتي في إخراجها مما هي فيه من رفض اللعب مع الأطفال الآخرين أو الاندماج معهم".
وتفتقر مناطق الشمال السوري لمراكز الرعاية المتخصصة بهذه الفئة من الإعاقة وهو ما يقلل من فرص المتابعة العلاجية والتشخيص المبكر وبالتالي توفير العلاج المناسب العضوي والنفسي.
وتزيد معاناة الأطفال الصم والبكم في مخيمات النزوح حيث الحياة الأقسى والأكثر تعقيداً وسط انعدام المدارس والدعم ووسائل التعليم واللعب والترفيه.
لا تتوقف الطفلة سيدرا العثمان البالغة من العمر ست سنوات عن البكاء طوال الوقت، فهي تعاني الإعاقة منذ ولادتها ولم تستطع التأقلم مع أطفال المخيم الذين يسخرون منها ويرفضون اللعب معها في كثير من الأحيان.
تقول والدتها آيات السعيد (٣٠) عاماً وهي نازحة من بلدة البارة ومقيمة في مخيمات قاح الحدودية، أنها لا تعرف كيف تتعامل مع طفلتها التي باتت كثيرة الحزن والاكتئاب، هي بحاجة لرعاية وبيئة اجتماعية أكثر وعي في التعامل مع حالتها وإعاقتها وذلك غير متوفر في مخيمهم حيث ضنك العيش والإهمال والرفض المجتمعي لمثل تلك الحالات.
وأكدت على أن إصابة ابنتها بالإعاقة لا شفاء منها وفق تشخيص الأطباء، فهي تعاني من حالة وراثية لا يمكن التعامل معها طبياً ولكنهم نصحوها بمتابعة وضعها النفسي عن طريق أخصائيين، لكنها لم تجدهم حتى الآن وفق تعبيرها.
وتتساءل "كيف لابنتي أن تتحسن حالتها هنا حيث الطرقات الوعرة ودورات المياه البعيدة عن الخيام والتي لا تتناسب مع احتياجات الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في ظل غياب مؤسسات تأهيل أو مدارس خاصة بهذه الفئة من الإعاقة؟".
من جهتها توضح المرشدة النفسية رحيل الزينب (٣٤) عاماً، أنه ومع قلة المراكز المتخصصة فإن للأهل دور مهم في علاج أطفالهم واندماجهم للتغلب على إعاقتهم لكن ذلك الأمر يتطلب إرشاد الأهالي وتعريفهم بطرق المتابعة ووسائل المهارات المعرفية والاجتماعية التي من شأنها أن تساعد الأطفال على تقبل إعاقتهم والتوافق النفسي والمجتمعي.
وتدعو منظمات المجتمع المدني لتولية هذه الفئة اهتمام أكبر وإنشاء مراكز توعوية متخصصة في عدد من المخيمات ليتنسى لأكبر عدد من الأطفال الاستفادة من خدماتها.