أرامل إدلب في مواجهة الفقر والنزوح والاستغلال

أرخت الحرب السورية بظلالها السوداء على المجتمع السوري عموماً وكان للمرأة النصيب الأكبر من المعاناة بعد أن حولتها رحى الحرب إلى أرملة يقع على عاتقها مسؤولية تربية الأبناء والانفاق عليهم في ظل ظروف معيشية بالغة الصعوبة

سهير الإدلبي
.
تمضي الثلاثينية حسناء الأحمد معظم وقتها في عزل الألبسة المستعملة وبيعها لتعود بعد ساعات عمل طويلة بما يسد رمق أطفالها الأربعة الذين غدت والدتهم المعيلة الوحيدة لهم بعد وفاة زوجها المعتقل في أحد سجون النظام السوري. 
عدم امتلاك حسناء لأي شهادة أو خبرة دفعها للبحث عن عمل يمكنها من كسب المال لتأمين متطلبات أبنائها فوجدت ببيع الملابس المستعملة في أسواق مدينة إدلب حيث تقطن مع أبنائها ضالتها.
تقول حسناء الأحمد أن زوجها قد اعتقل على أحد حواجز النظام السوري في الخامس والعشرين من آب/أغسطس 2016 أثناء توجهه إلى محافظة حماه للحصول على جواز سفره، "اسودت الدنيا في عيني آنذاك أيقنت بأنني لن أراه مرة أخرى، فقلما يتم الإفراج عن معتقلي النظام، وبالفعل وبعد رحلة السؤال عنه والاستفسار عن مصيره علمنا أنه توفي تحت التعذيب وتأكدنا من الخبر بعد رؤيتنا لصورته بين الصور التي نشرها قيصر".
وقيصر هو الضابط السوري المنشق عن النظام السوري والذي سرب 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل عام 2014، قتلوا تحت التعذيب بحسب ما أكده مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI)، وقد أثارت تلك الصور الرأي العام العالمي حينها، وعرضت في مجلس الشيوخ الأمريكي. 
وأضافت حسناء الأحمد قائلة "حزني الشديد على زوجي لم يمنعني من التفكير بمستقبل أبنائي، فمع بداية عام 2018 بعت ما لدي من مصاغ ذهبية واشتريت بثمنها بضائع وبدأت العمل ببيع الألبسة المستعملة، إقبالاً على شرائها وخاصة بعد الغلاء الكبير وارتفاع أسعار الملابس الجديدة".
تحدت حسناء الأحمد نظرة المجتمع الدونية للمرأة الأرملة ورصده لتحركاتها، تحدت العادات والتقاليد التي تمنع المرأة من الخروج والعمل، واعتمدت على ذاتها في إعالة أطفالها دون طلب العون من أحد.
تعتبر حسناء الأحمد محظوظة نوعاً ما إذ استطاعت تأمين عمل خاص بها يساعدها وأبنائها على العيش الكريم، فيما تتعرض الكثير من الأرامل للاستغلال من قبل أرباب العمل نظراً لحاجتهن الملحة للقبول بأي عمل رغم طول ساعاته وتدني أجرته، وثمة فروقات واضحة في أجور المياومة بين النساء والرجال، وإن كانت الأجور بشكل عام لا تتناسب مع المجهود اليومي لهؤلاء العمال.
فحنان النجم البالغة من العمر 28 عاماً تعمل مع عدد من النساء في ورشة لعزل التين المجفف وتغليفه وكبسه وتحضيره للتصدير مقابل أجرة بسيطة لا تتجاوز الـ 4 آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفيها وأطفالها الثلاثة لتأمين أدنى متطلبات العيش في ظل ظروف اقتصادية متدهورة في البلاد.
فقدت حنان النجم زوجها الذي قتل أثناء الحملة العسكرية الأخيرة للنظام السوري على مدينتها خان شيخون عام 2019، ونزحت مع أفواج النازحين ليستقر بها الحال في مدينة سرمدا شمال إدلب وتعمل مع بداية عام 2020 بالعمل هناك في ورشة، وتقول "أشعر بالظلم حين أعمل طوال اليوم بأجرة زهيدة، لا أستطيع المطالبة بزيادة الأجر لأنني سأواجه الجواب المعتاد من قبل صاحب الورشة (إن لم يعجبك العمل والأجرة تستطيعين تركه متى شئتِ)، مضطرة لقبول العمل رغم تدني أجرته كوني جهدت في إيجاد العمل ولا بديل آخر".
قلما تجد المرأة عملاً بعد وفاة زوجها أو تجد من يعيلها سواء أقربائها أو أقرباء زوجها، نظراً للغلاء الفاحش السائد في البلاد ما جعل الجميع ينشغل بتأمين ما يلزم لعائلته دون الاكتراث بما يعانيه غيره، وهو ما يدفع البعض منهن للزواج مرة أخرى.
ودّعت ميس الجابر البالغة من العمر 23 عاماً طفلتها البالغة من العمر سنة واحدة بحزن شديد قبل أن تغادر منزل عائلة زوجها بصحبة والدها الذي قرر تزويجها لرجل آخر باعتبارها ما تزال في مقتبل العمر "ولا يمكن أن تكمل حياتها وحيدة بعد وفاة زوجها" وفق ما قال الوالد مبرراً تزويج ابنته بأن المجتمع لا يرحم الأرملة وزواجها الثاني حق طبيعي لها وهو حماية لها ولمستقبلها من المجتمع والعادات والتقاليد.
عاشت ميس الجابر بعد أو توفي زوجها بحادث سير أواخر عم 2018، في منزل عائلة زوجها قبل أن تغدو في عام 2020 الزوجة الثانية لرجل يكبرها بـ 15 عاماً، ويستقر بها الحال في مخيم قاح الحدودي بإدلب، وتقول "لست سعيدة بزواجي الثاني وافتقد كثيراً ابنتي التي حرمت منها".
وأوضحت المرشدة الاجتماعية لمى الطويل أن الأرامل في المجتمع السوري يعانين من نظرة سلبية وضعت لهن حدوداً قاسية تحرمهن من أهم حقوقهن منها الحركة والعمل والتعلم وممارسة الدور الطبيعي لهن في الحياة من قبل أقاربهن والمجتمع ومؤسساته المحلية نتيجة بنية ثقافية تربوية منغلقة منذ زمن طويل من جهة، ومن قبل بعض الفصائل المتشددة التي تمنع الاختلاط بين الجنسين وهو ما قلل من فرص عملهن داخل منظمات المجتمع المدني والمديريات والمؤسسات المدنية من جهة أخرى.
 لكنها ترى في الوقت ذاته أن المرأة الأرملة استطاعت كسر تلك القيود والحواجز ومتابعة حياتها والقيام بمسؤوليتها رغم كل ما واجهها من معوقات، فالمرأة الأرملة في النهاية لا تستطيع الجلوس في المنزل إرضاءً للمجتمع الذي يرصد تحركاتها وانتظار من يؤمن لها احتياجاتها والبحث عن عمل كريم يضمن لها ولأولادها العيش بكرامة بعيداً عن سؤال الناس والتماس عطفهم.
وتدعو بدورها معظم المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب والشمال السوري للعمل على التخفيف عن الأرامل ومساعدتهن من خلال تقديم خدمات شاملة لهن كتمكينهن مهنياً واقتصادياً ونفسياً وتأمين كفالات لأبنائهن.
ووفقاً لمنظمات محلية فإن محافظة إدلب والأرياف التابعة لها تضم 37 ألف أرملة و190 ألف طفل دون 18 عاماً، وتعيش الكثير من النساء اللواتي فقدن أزواجهن وأبنائهن في مخيمات بريف إدلب في ظل ظروف معيشية تفتقد لأدنى مقومات الحياة.