انتصرنَّ على سرطان الثدي بالأمل وحب الحياة

أطلقت تونس منذ بداية عام 2021 خطتها الرابعة لمكافحة مرض السرطان والتي ستستمر حتى عام 2030، وذلك بعد أن أظهرت الدراسات العلمية تزايد الإصابات بسرطان الثدي

زهور المشرقي
تونس ـ .
بحسب إحصائيات رسمية فقد تضاعفت نسب إصابة النساء بسرطان الثدي في تونس إلى خمسة آلاف سنوياً وهو ما اعتبره الأطباء رقماً مفزعاً، فبحسب تلك الإحصائيات بلغت نسبة النساء المصابات حوالي 58 حالة لكل مائة ألف امرأة وهو يمثل أول سرطان عند المرأة بنسبة 30% من مجموع السرطانات التي تصيبها، وكانت قد سجلت العام العام الماضي 3500 حالة إصابة بسرطان الثدي، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 5900 حالة حتى عام 2030.
ويرى الخبراء والأطباء أن ارتفاع نسبة الإصابة يعود إلى ضعف حملات التوعية بالمرض وكيفية الكشف المبكر والسريع عنه، والتقصير في توفير الطواقم الطبية للوصول إلى المناطق البعيدة عن المدن الكبيرة ودعم النساء اللواتي لا تستطعن تحمل أعباء الوصول إلى المراكز المختصة.
وكالتنا تحدثت مع نساء أصبن بسرطان الثدي وعشن تلك التجربة، لتسليط الضوء على معاناتهن.
تقول شريفة محمد الكوكي (42) عاماً، وهي أم لطفل يبلغ من العمر خمسة أعوام، أنها ولحسن حظها قد اكشفت الورم مبكراً قبل سنتين، "أنا امرأة مولعة بنفسي وشكل جسدي كولعي بعملي كمحامية، لذا عند اكتشافي للمرض صدمت بالصورة التي نسجها خيالي بعد تعرضي للعلاج الكيميائي وكدت أقع بفخ اليأس وأضع نفسي في خندق الموت لولا إيماني بنفسي وعائلتي، فرسمت حياة مغايرة في مخيلتي وعشت على أساسها".
وأشارت إلى أنها قاومت برغم التعب والآلام والآثار النفسية بدعم من عائلتها "قاومت وتغلبت على المرض وتخطيت أكثر المراحل خطورةً، كانت رحلة مواجهة المرض الخبيث بطولية، من لحظة اكتشافه إلى لحظة انتصاري عليه".
وعن تجربة الشفاء من المرض تقول "اليوم وبعد أن تجاوزت مرحلة الخطر الحقيقي، أنا قريبة من التعافي النهائي، لقد صمدت وقاومت المرض وغلبته، لم أعد أهتم بقطع أي عضو من جسدي، الأهم أن أبقى على قيد الحياة، أعتقد أن الوعي والمعنويات المرتفعة هما الوحيدان القادران على هزيمة أي مرضٍ كان".
وقدمت شريفة الكوكي نصيحة للنساء المصابات بسرطان الثدي بتأكيدها على القيام بـ "الكشف المبكر" الذي تعتبره الخطوة الأولى للتغلب على المرض، "أنصح كل النساء أن يقمن بالفحوصات الدورية للكشف المبكر وهو بمثابة نصف العلاج والنصف الثاني هو العزيمة والإصرار للتغلب على المرض. لا تهملن صحتكن".
ولم تختلف تجربة نايلة سالمي (56) عاماً عن سابقتها بكثير، إلا أنها لم تتخيل يوماً أنها ستصاب بالسرطان، تقول عن معاناتها مع السرطان "كانت حياتي طبيعية لم أشعر بأي آلام أو أعراض، لكن ذات يوم استيقظت صباحاً تحسست ثديي، فإذ بي أفاجأ بكتلة صغيرة في الثدي الأيسر، لم أخبر أحداً من أفراد أسرتي، وبدأت بالبحث في اليوتيوب عن معنى وجود كتلة في الثدي وقرأت عن قصص مشابهة لحالتي تشير إلى اصابتي بمرض سرطان الثدي".
صمتت نايلة سالمي لحظة وبدت متأثرة وهي تتذكر اللحظات الأولى لمعاناتها من المرض "بدأت تتجه شكوكي بعد رؤية تجارب العديد من النساء، نحو إصابتي بالسرطان، تملكتني الهواجس والمخاوف، حتى أنني بدأت أشم رائحة الموت، وأفكر بمصير عائلتي وكيف ستكون حياتهم من بعدي".
وأشارت إلى أن تلك الهواجس رافقتها طوال أسبوعين وواصلت حياتها وكأن شيئاً لم يكن "اعتنيت بعائلتي ومنزلي بشكل طبيعي جداً، لكن وبمجرد ما أن يحل الليل وأضع رأسي على الوسادة تبدأ الوساوس تطاردني، ويجافيني النوم من كثرة التفكير، أصبحت مرهقة ومتعبة نفسياً، لكن برغم ذلك لم أكن أشعر بأية أعراض أو آلام سوى تلك الكتلة التي تكونت في ثديي".
تقول نايلة سالمي بتأثر كبير "كنت خائفة من زيارة الطبيب وفضلت العيش مع تلك الهواجس التي تملكتني وبقيت في حيرةٍ من أمري فيما إذا كنت مصابة بالسرطان وإن كان الورم حميد أم خبيث على أن اتأكد من شكوكي"، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان كما تقول "لاحظت ابنتي أنني أصبحت دائمة البحث عن أعراض سرطان الثدي والوصفات الشعبية والعلاجات الطبيعية التي يمكن اتباعها، وبعد معرفتها بوجود كتلة في ثدي أصرت على زيارتي أحد الأطباء للاطمئنان".
وتضيف "ترددت كثيراً ورفضت في بادئ الأمر، إلا أنني خضعت لطلبها ذلك في النهاية، وبالفعل ذهبت إلى طبيبة عامة، لقد اخبرتني أن لديها شكوك في أن تلك الكتلة سرطانية، لذا طلبت مني إجراء فحوصات إشعاعية للثدي التي ستحسم النتيجة، وبعد ظهور النتيجة أحالتني إلى طبيب مختص في أمراض النساء والثدي، الذي بدوره أكد على أنه عليَّ أن أخضع لعملية جراحية لاستئصال الكتلة".
وفي طريق عودتها إلى المنزل تملكها الخوف، كيف ستخبر عائلتها أنها مصابة بسرطان الثدي وسيتم بتر أحد الثديين "عندما أخبرت عائلتي بمرضي، نزل عليهم الخبر كالصاعقة، وبدأ الجميع بالبكاء"، وأضافت "في اليوم التالي قمت بإجراء العملية وبعد استئصال الورم وإرساله إلى المختبر، أخبرني الطبيب أن عليَّ الانتظار لمدة 15 يوماً حتى ظهور نتيجة إن كان ذلك الورم خبيثاً أو حميداً".
شعرت نايلة سالمي أن تلك الأيام الـ 15 تمضي ببطء شديد، "بعد مضي تلك الفترة وصل اليوم الموعود وكانت المفاجأة كبيرة، فقد أخبرني الطبيب أنني في المرحلة الثالثة من السرطان، ويجب بتر الثدي لتفادي انتقال الورم وانتشاره في أجزاء أخرى من جسدي". تقول إنها انهارت في تلك اللحظات وفقدت الأمل، إلا أنها استجمعت قواها وقالت "السرطان لا يقتل وعليّ هزيمته، سأنتصر عليه".
وبفرحة ظهرت على محياها قالت "تسلحت بالعزيمة والإصرار على أني سأنتصر على مرض السرطان، وتغيرت نظرتي للحياة، وكل مخاوفي تحولت إلى طمأنينة"، وبعد شهر من إجراء العملية الجراحية بدأت نايلة سالمي تتلقى العلاج الكيميائي الذي توزع على 12 جلسة لمدة 6 أشهر جلستين في كل شهر.
وعن تجربتها مع العلاج الكيميائي تقول "بعد أخذ الجرعة الثالثة بدأ شعري يتساقط يوماً بعد يوم حتى فقدته بالكامل، بالرغم من أنني كنت أقبلُ على العلاج بكل حماسة، إلا أنني كنت أنهار من الداخل فور رؤية نفسي في المرآة"، وتضيف "كلما زادت عدد جرعات العلاج الكيميائي كانت تظهر أعراض القيء، الغثيان، نحولة، تقرحات الفم، جفاف الجلد، ارتفاع درجات الحرارة، تنملات في الجسد، جفاف وقرحة بالحلق، وفقدان شهية الأكل، واضطرابات في التذوق، ومشاكل في البلع، وآلام بالأطراف، ومهما وصفت الشعور والأعراض التي تصاحب مريض السرطان خلال فترة العلاج الكيميائي لن أستطيع إيصالها لأنه شعور لا يوصف ولن يشعر به إلا من مر بهذه المرحلة".
بعد ستة أشهر من العلاج الكيميائي دخلت مرحلة العلاج بالأشعة، "حدد لي الطبيب ثلاثين جلسة وبشكل يومي لتدمير الخلايا السرطانية... رحلة أخرى من العلاج، كل جلسة كانت لا تتجاوز 10 دقائق، لكن كانت تمر عليّ وكأنها 10 سنوات، وبعد انتهائي من العلاج الإشعاعي خضعت للعلاج الهرموني وهي عبارة عن أقراص أتناولها بشكل يومي لمدة عشر سنوات".
فيما تقول الشاعرة التونسية فاطمة بن فضيلة عن تجربتها مع مرض السرطان، أن شعرها ولد من وحي ألمها "تجربتي مع المرض جعلتني أوقن أن الكتابة علاج حقيقي، والعمل يساعد على الاستمرار والتعلّق بكل ما في الحياة، أذكر حين كنت أخضع للعلاج الكيميائي بجرعات قوية عام 2017، وفقدت كل قواي وجهدي وشعرت باليأس وكدت أستسلم، كنت أرنو إلى طاولة العمل وأتمنى أن أتم ترجمة ديوان شعري بدأته قبل مرضي، كان الأمر يبدو مستحيلاً، إلا أنني ذات صباح استجمعت قواي وجلست أمام حاسوبي لتنقذني الترجمة والشعر، لقد تمسكت بالحروف وتسلقت جرف اليأس الذي كان يبتلعني".
وعما تعلمته من تجربة مرضها "تجربتي الصعبة مع السرطان جعلتني أكتشف عالماً آخر لم أكن أعرفه، عالماً من التعب اليوميّ والكفاح المستمر والتشبث بالحياة في أبهى صورها لنساء يأتين من كل جهة فقط طمعاً في حياة ونفس جديد وعلاج".
وشجعت الشاعرة التونسية النساء على القيام بالفحوصات اللازمة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، مشددةً على أهمية تغيير النظرة الدونية للمرأة التي يبتر جزء من ثديها بعد العمليات الجراحية.
بينما قالت المشرفة على البرنامج الوطني لمكافحة السرطان بإدارة الرعاية الصحية الأساسية بوزارة الصحة، سُمية المنصوري "من الجيّد ملاحظة ارتفاع وتيرة الإقبال على تقصي سرطان الثدي خلال السنوات الخمس الأخيرة"، معتبرةً أن الإقبال يعكس الوعي لدى المرأة في تونس في الحفاظ على صحّتها والتي كانت في فترات سابقة تشعر بالخوف من الكشف المبكر حسب تقديرها.
وطمأنت التونسيات بأن حوالي 90% من حالات الإصابة يمكنها أن تشفى إذا ما تم الكشف عنها مبكراً إلى جانب عدم إصابة أعضاء أخرى بالمرض.
من جانبها، نصحت المختصة النفسية آية بن علي النساء بالتقصي المبكّر وعدم الخوف من المرض ومن تداعياته، مؤكدةً على أن الدعم النفسي يعتبر علاجاً حقيقياً، سيما وأن بعض النساء ترافقهن ردّة فعل رافضة للعلاج وللتجربة الجديدة الصعبة التي تعشنها، "يجب عدم الاستهانة بالضيق والاكتئاب لدى النساء المصابات بالورم لأن ذلك يمكن أن يؤثر على نفسيتهن ويكون له تأثير سلبي على عملية الشفاء"، وتحدّثت عن تجربة تونس منذ التسعينات في توفير أخصائيين للتحدث مع المصابات وتشجيعهن ومساعدتهن نفسياً في المستشفيات.
واعتبرت آية بن علي أن المرض لا يترك فقط تشوهات جسدية لمن أجبرت على الاستئصال، وإنما يترك تشوهات نفسية وجب العمل بين المختص والعائلة على أن تتجاوزها المصابة والتخفيف من حدّة ما تعانيه، مشددةً على أهمية تكثيف الحملات التوعوية بخصوص أهمية الصحة النفسية للنساء المصابات حتى يتجاوزن الألم. 
وعن دور الإعلام في التوعية، تقول الصحفية ريم بن خليفة، أن التوعية عامل مهم لمقاومة السرطان وتوعية النساء بضرورة الفحص المبكر واكتشاف أعراضه عند الإصابة، معربةً عن أسفها لكون وسائل الإعلام التونسية لا تعطي هذا الأمر الاهتمام المطلوب، حيث إن الجزء الأوفر من البرمجة يخصص للإشهار والترويج للمواد الاستهلاكية ضمن سباق ضمان نسب المشاهدة".
وأكدت أن موضوع سرطان الثدي لا يعرض في الإعلام إلا قصصاً تصف معاناة بين أروقة المستشفيات، وتكون عادة حالات إصابة في أطوارها الأخيرة حتى يبدو كأنه لا مناص من الموت، وحتى الومضات الاشهارية في شهر تشرين الأول/أكتوبر الوردي المخصص للتوعية لا تعدو كونها بسطاً لنهاية واحدة هي الموت.
وتتابع "حقيقةً الأمر إن الصحافة والإعلام الصحي أثبت وهنه بالدول العربية خلال أزمة كورونا، فقد انتشرت الأخبار الزائفة والمغلوطة وهو ما ينسحب على سرطان الثدي عوضاً أن تقدم وسائل الإعلام الجماهيرية المعلومة خاصةً لمن ليس بإمكانهن الاتصال بشبكة الإنترنت وعددهن ليس بقليل نذكر منهن على سبيل الذكر لا الحصر النساء الريفيات العاملات بالقطاع الفلاحي وغيرهن".
وتوصي ريم بن خليفة الصحفيات بالقيام بدورهن كقائدات رأي ومؤثرات عبر إيلاء الأهمية القصوى للمرض، والتوعية بالكشف المبكر لا سيما وأن تونس قد سجلت خلال السنوات الأخيرة زيادة مفزعة في الأرقام بسبب نقص الحملات.