امرأة تجسدت في حكايتها معاناة كافة النساء السوريات

هالة حميجو امرأة تجسدت في حكايتها معاناة كافة النساء اللواتي عانين من الأزمة السورية والحرب الدائرة في البلاد

سيلفا الإبراهيم
منبج ـ ، تحررت هالة من تلك المعاناة ولكن لا تزال عشرات الآلاف من قريناتها يعشن بين أنياب الأزمة والاحتلال.
تقام الثورات لتغير من واقع الشعوب للأفضل ولكن في درب تحقيقها تدفع الكثير من التضحيات، لكن ما عاشته سوريا منذ 11 عاماً من أزمة حصدت أرواح الآلاف، والذين بقوا على قيد الحياة باتوا في بؤرة المعاناة بعد خروج الثورة عن مسارها.
هالة حميجو البالغة من العمر 40 عاماً عضو في مجلس حزب سوريا المستقبل لمدينة إدلب، ولكن قبل ذلك هي أخت لـ 7 أشقاء و9 شقيقات، وأم لـ 4 شبان وابنتان، فقدت 3 من أشقائها وزوجها في الحرب السورية الدائرة، وكادت أن تفقد ابنها لكنها استبقت النظام السوري بخطوة وأنقذته من بين أنيباهم، تلك المرأة ذات الشخصية القوية التي تفوح منها الجسارة وأحاديثها التي تحاكي جبروتها المستمد من طبيعة شعوب جبل الزاوية في مدينة إدلب وكأنها لم تحمل هماً في صدرها من شدة التفاؤل المنبعث من ثنايا ملامحها السمراء.
خلال حديثها لوكالتنا أعادت بنا الزمن إلى عام 2011 أثناء اندلاع الأزمة السورية وأسبابها ودوافعها "ما دفعنا كقرى جبل الزاوية في مدينة إدلب الانخراط بالثورة السورية في بدايتها هو السعي لتغيير النظام السوري الذي نال من حقوق الشعب وزرع الطائفية بينهم".
ولفتت إلى أن "لقد زرعوا العنصرية بين أبناء الشعب الأمر الذي دفعهم إلى القيام بثورة لتغيير الواقع المعاش، مضت الثورة على هذا المسار إلى ما يقارب عام 2013، أي عندما تدخلت الدول الخارجية ومولت المرتزقة والفصائل بالأسلحة".
وحول كيفية فقدانها لأشقائها الثلاثة توضح "أول شقيق لي ويدعى "يحيى حميجو" كان يبلغ من العمر 16 عاماً، كان قد أصيب بيديه أثناء رعيه للأغنام، إذ وجد قطعة حديدية لم يكن يعلم إنها قنبلة وعندما عبث بها انفجرت بين يديه وفقد على إثره جميع أصابعه عدا الإبهامين، وبادر إحدى سكان قريتنا بإسعافه لإحدى النقاط الطبية لكنه وفي طريقه قام بتسليمه لإحدى حواجز النظام وبعد احتجازه 20 يوماً وتعرضه للنزيف نتيجة الإصابة تم نقله إلى دمشق، ولكننا حتى هذه اللحظة لا نعلم عنه أي شيء وليس لدينا أي معلومات أو أنباء عنه".
وتابعت "أما شقيقي مصطفى حميجو ذو الـ 50 عاماً اعتقلته جبهة النصرة وأخذته من منزله ولم نعرف عنه شيئاً لا سبب الاعتقال أو إن كان حياً حتى الآن أم لا، بينما شقيقي محمد البالغ من العمر 38 عاماً، قتله النظام السوري برصاصة قناص في رأسه, هذه كانت حالة الأهالي في إدلب القتل وخطف النساء والرجال وشتى أشكال العنف الجرائم المرتكبة بحقهم، كان يوجد في إدلب معتقل يسمى سجن العقاب لقد كان يحوي الآلاف من النساء والرجال والأطفال".
وأضافت "جميع من خرج في الثورة وطالب بإسقاط النظام بات هدفاً لجبهة النصرة التي كانت تدعمها الجولاني، وأشقائي الذين ظلوا على قيد الحياة شاركوا في إخراج النظام من مدينة إدلب لكن بعد أن أصبحوا هدفاً للفصائل المسلحة وخروج جيش الحر من مسار أهدافها المنشودة وتحولها لقوى أخطر من النظام من ناحية السلب والنهب والقتل والاغتصاب، انشقوا من تلك القوات وتواصلوا مع وحدات حماية الشعب في عفرين وتم استقبالهم في عفرين ونظموا أنفسهم تحت راية لواء الشمال الديمقراطي وجيش الثوار في عام 2015 والذي ينضوي رسمياً الآن تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية".
في عام 2014 تم تأسس جيش الثوار الذي ضم جميع المقاتلين الذين انشقوا عن "الجيش الحر" لينظموا أنفسهم نظموا ضمنها، وبعد توسيع قواتهم تم تشكيل لواء الشمال الديمقراطي عام 2015, وثوار إدلب في عام 2017.
وتنضوي تلك القوى رسمياً تحت راية قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، والذي ضم أبناء إدلب الذين اختاروا الخلاص لشعبهم من الفصائل المسلحة والاحتلال التركي، وشاركوا في جميع الحملات التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية في الرقة ودير الزور ضد مرتزقة داعش كما شاركوا في مقاومة العصر في مدينة عفرين. 
وعن اعتقال زوجها تقول "قبل اندلاع الأزمة السورية كنا نسكن مدينة الحماة، في عام 2013 اعتقل زوجي خالد محمودة طيبة البالغ من العمر 32 عاماً آنذاك على يد النظام السوري، لمدة 13 يوماً بتهمة التواصل مع الجيش الحر، وبعد أسبوعين من التحقيق تم اعتقاله وحتى الآن لا نعلم إن على قيد الحياة أم لا"، لافتةً إلى أن ابنها الأصغر لم يرى والده "آنذاك كنت حاملاً بأصغر أبنائي في الشهر السابع والآن يبلغ ابني من العمر 8 سنوات ولم يرى والده".
وتابعت "بعد عام من اعتقال زوجي بلغ ابني الأكبر 18 عاماً، وهو السن القانوني للالتحاق بالجيش، بعد إبلاغه للالتحاق وتلقيه الضرب من قبل دورية للنظام السوري، قمت بإرساله إلى إدلب ليمكث لدى عائلتي، وبعد مرور عدة أيام لحقت به إلى قرى جبل الزاوية في إدلب، وبعد سوء الوضع هناك وذهاب أشقائي لمدينة عفرين انتقلت مع أبنائي أيضاً إلى مدينة عفرين عام 2016".
وبعد الهجوم الذي شنه الاحتلال التركي على مدينة عفرين عام 2018 نزحت هالة حميجو مع أهالي عفرين، وتوجهت هي وعائلتها إلى مدينة منبج، وشارك أشقائها تحت راية لواء شمال الديمقراطي وجيش الثوار مع أبناء إدلب الذين انضموا مع قواتهم، في المقاومة ضد الاحتلال التركي لمدة 58 يوماً مع وحدات حماية الشعب والمرأة.
وأشارت إلى أنه "أكثر ما يتميز به مشروع الأمة الديمقراطية هو الإنصاف بين الجنسين ودعم المرأة للنضال من أجل بناء مجتمع أخلاقي يسوده العدل والمساواة بين كافة أفراده, ففي مدينة إدلب دور المرأة ورأيها غائب عن جميع الساحات، بينما هذا المشروع يضم جميع أبناء سوريا بكافة مكوناتها ومعتقداتها ويسود بينهم العدل والمساواة والتلاحم والأخوة، ويسعى هذا المشروع إلى بناء سوريا تعددية ديمقراطية لامركزية".
وحول المعاناة والصعوبات التي واجهتها بعد اعتقال زوجها تقول "بعد اعتقال زوجي ترك ابني دراسته ليعمل من أجل إعالة الأسرة وأنا بدأت العمل في المعامل, منزلنا كان بالآجار إذ أن إعالة الأسرة ودفع الآجار كان عبئاً كبيراً علي, إلا أنني كنت امتلك القوة منذ صغري، تعلمنا كيفية مواجهة جميع مراحل الحياة بسعادتها وصعابها، إضافة إلى القوة التي كنت استمدها من النساء, فلم أكن الوحيدة التي عاشت الأمرين في الأزمة السورية بل الآلاف من النساء كن ضحية الأزمة التي بدأت باسم الثورة، ولم تكن هذه المعاناة الوحيدة فمن جانب آخر مواجهة نظرة المجتمع للمرأة التي تفقد زوجها، والتي تعمل لإعالة أسرتها، لكنني قاومت واستطعت التغلب على المعاناة فيقول المثل "الضربة التي لا تقتلك تقويك" ومع هذه المعاناة زدت قوة لمواصلة الحياة ولتربية أبنائي".
وأشارت إلى أن "هذه الأزمة منحت القوة للمرأة لتدير نفسها وعائلتها لتتجاوز العقبات، فالكثير من النساء قمن بقيادة الجرارات وحرثن الأراضي من أجل إعالة أسرهن وناضلن من أجل البقاء ورفضن الاستسلام، المعاناة التي واجهتها الآلاف من النساء تتحملنها خوفاً على أولادهن".
وتوجهت هالة حميجو بكلمة في حديثها لأهالي إدلب في ختام حديثها "لا تصمتوا على الظلم الممارس بحقكم وتوجهوا لمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، فهنا يتوفر فيه الأمان والاستقرار والأهم أن المرأة تنال حقوقها, كما أطالب المجتمع الدولي بإخراج تركيا من الأراضي السورية".