أمراض جسدية مستعصية أسبابها العنف والضغط النفسي
شكلت الضغوط النفسية والجسدية الناتجة عن التعنيف، أمراضاً مختلفة ومشاكل صحية عديدة لدى النساء في إدلب، نتيجة الحالة النفسية الصعبة وتبعاتها.
هديل العمر
إدلب ـ وصلت معدلات التعنيف الجسدي والنفسي واللفظي إلى مستويات قياسية في مناطق الشمال السوري، نتيجة عوامل عديدة أفرزتها الحرب السورية أبرزها زواج القاصرات والزواج القسري بالإضافة للفقر والأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة، وحالة عدم الاستقرار والنزوح المتكرر التي تشهدها المنطقة.
منذ أكثر من تسعة أشهر، تعاني منى الإدريس (19) عاماً من أعراض مرضية صعبة وقاسية، دون أن يتمكن الأطباء من تشخيص حالتها، علماً أن جميع التحاليل والصور الطبية لديها كانت سليمة ولا تدعو للقلق أو الخطورة، بحسب ما أخبرها الأطباء.
وأوضحت إنها عانت من ألم مستمر في الجانب الأيسر من الصدر بالإضافة لآلام في المعدة مصحوبة بحالات تعرق شديدة وضيق في التنفس، وذلك بعد زواجها بفترة قصيرة لتكتشف أن جميع هذه الأعراض متعلقة بالمشاكل النفسية المتمثلة بحالة القلق والاكتئاب التي تعيشها نتيجة التعنيف والضرب المبرح والمعاملة السيئة التي تتلقاها من زوجها.
وأضافت أنها علمت بذلك بعد أن نصحها أحد الأطباء بمراجعة طبيب نفسي الذي أخبرها بأن الأعراض المرضية التي تعاني منها ناتجة عن ضغط نفسي، إذ أنها وجدت تحسن كبير وملحوظ في حالتها بعد رحلة علاج صعبة وشاقة امتدت لأكثر من أربعة أشهر، والتي انتهت بانفصالها عن زوجها الذي كان سبب رئيسي للأمراض والأعراض النفسية والجسدية التي عانت منها.
"كان يتلذذ بضربي وتعذيبي" بهذه الكلمات تلخص منى حياتها التي تصفها بـ "المأساوية" مع زوجها، في إشارة منها إلى حجم الضغط النفسي والجسدي الذي كانت تعيشه والذي سبب لها حالة من الاكتئاب والهلع والخوف المستمر، والتي أدت لظهور الأعراض المرضية الخطيرة على صحتها الجسدية.
ووفقاً لمختصات ومرشدات نفسيات التقت بهن وكالتنا فإن الضغط والمشكلات النفسية تلقي بظلالها على العديد من الأمراض والأعراض الصحية التي تأتي في مقدمتها، نوبات الصداع، واضطرابات في المعدة بما في ذلك الإسهال، والإمساك، والغثيان، بالإضافة لآلام في العضلات والصدر وتسارع نبضات القلب المصحوبة بتعرق وبرودة في الأطراف وتهيج الجلد وغيرها من الأعراض المرضية.
وعلى مقربة من مخيمات بلدة أطمة شمال إدلب، تحاول روان العبدو (23) عاماً وهي نازحة من مدينة معرة النعمان، معرفة سبب أعراضها المرضية التي وصفتها بـ "الصعبة والخطيرة" ولكن دون جدوى.
وبينت إن الأعراض التي تعاني منها تتمثل بحساسية مزمنة بالجلد، بالإضافة لصداع وألم بالأطراف، ولكنها لاحظت اختفاء الأعراض وعودتها أثناء الضغوطات النفسية التي تتزامن مع مشاكلها مع زوجها الذي يعنفها ويضربها بشكل مستمر.
وأضافت أن الأعراض بدأت تختفي تدريجياً بعد انفصالها عن زوجها، وذلك بعد أن عجز الأطباء عن تشخيص الحالة، إذ أن استقرار حالتها النفسية والاجتماعية أدت لتلاشي جميع المشكلات الصحية التي كانت تعاني منها على مدى سنوات من زواجها.
وأشارت إلى أنها كانت تعاني من القلق والاكتئاب والانطواء باستمرار نتيجة عدم استقرار حياتها مع زوجها، وهو ما أدى لتدهور حالتها الصحية بالدرجة الأولى.
من جهتها ترى المرشدة النفسية والاجتماعية وداد البكر (28) عاماً، أن الكثير من الفتيات والنساء في المجتمع تتعرضن لجميع أشكال العنف، سواء لفظياً أو بدنياً أو نفسياً، من قبل الأسرة أو الزوج أو رب العمل.
وأضافت أن العنف الذي تتعرض له النساء يؤثر بالدرجة الأولى على صحتهن النفسية، حيث يزيد من خطر إصابتهن أمراض القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وهي من أبرز الأسباب التي تشكل بداية للأعراض الصحية الجسدية التي تكون محيرة لدى الأطباء والمختصين.
وأكدت ضرورة تفعيل مراكز تمكين المرأة المعنفة والتي تساهم بتوعيتها بالمخاطر الصحية التي قد تتعرض لها بسبب العنف، بالإضافة لتوفير ملاجئ آمنة ومراكز الرعاية النفسية للناجيات، مع ضرورة توعية أفراد المجتمع بأهمية التوقف عن اضطهاد النساء وتعنيفهن.