"الوصم" كتاب يعرض معاناة مرضى الإيدز ويعايش نظرة المجتمع القاسية للنساء
تلاحق الوصمة مرضى الإيدز باعتبارها عادة مغلوطة وناتجة عن أفكار تنم عن مدى قلة الوعي أو المعرفة، فما بالك إن كانت المصابة به امرأة
أسماء فتحي
القاهرة ـ تلاحق الوصمة مرضى الإيدز باعتبارها عادة مغلوطة وناتجة عن أفكار تنم عن مدى قلة الوعي أو المعرفة، فما بالك إن كانت المصابة به امرأة، حينها يصبح الوصم عليها مضاعف والعبء أضعافه.
علياء أبو شهبة تحقيق صحفي تحول إلى كتاب تحت عنوان "الوصم"، انتقلت بنا خلاله في تجارب هي الأقوى على الإطلاق لأنها لا تعكس فقط معلومات عن مرض نقص المناعة البشرية "الإيدز"، ولكنها تعايش معاناة المرضى وتصف في عمق مبسط التمييز المجتمعي في وصم مرضاه المبني على أساس النوع الاجتماعي، فالمرأة هنا بطل للأحداث بوصمة مزدوجة واحدة على أساس النوع والأخرى نتيجة المرض نفسه.
وتعريف "الوصم" علمياً يتضمن إطلاق مجموعة من المسميات على فرد أو مجموعة من الأفراد حرمهم من التعايش داخل المجتمع نتيجة اختلافهم سواء بسبب المرض أو الفكر أو النوع أو اللون.
ويعرض الكتاب أمامنا في سلاسة تجربة علياء أبو شهبة ورحلتها بين المرضى كما يصف ويتتبع رحلة المرضى في الحصول على الدواء الذي لا يلبي احتياجاتهم، كما سنتعرف من خلال حوارنا معها على تجارب النساء أصبن به بسبب أزواجهن ورحلتهن في مواجهة الوصم المجتمعي.
"الوصم" كلمة عادة ما تستوقف مستمعها لقسوة تأثيرها على النفس، ما سبب اختيارك هذا الاسم بالتحديد عنواناً لكتابك؟
بدأت التعرف للمرة الأولى على كلمة "الوصم" منذ عام 2012 في إحدى التدريبات عن الكتابة حول قضايا المرأة، وفي أحد التدريبات الفرعية كتبت عبارة وصفتها المدربة بأنها "وصم"، ونصحتني بالحصول على تدريب خاص بالكتابة عن المتعايشين مع الإيدز وهو ما حدث بالفعل، والذي تعرفت من خلاله على أزمة الأدوية التي يعانى منها المرضى.
وأزمة الدواء كانت بطل رحلة بحثي في البداية فالمرض ليس قاتلاً في حد ذاته لكنه يضعف المناعة والأدوية تمكن من التعايش معه لأطول وقت ممكن، وهي تأتي بتمويل ضخم، ولكن بها مشاكل في عمليات الصرف، والأنواع التي تأتي إلى مصر تتأخر وأقل جودة وهو ما يؤدي لتراجع المناعة عند البعض ومن ثم الوفاة.
واستمرت رحلة البحث ما بين عامي (2012 ـ 2014) إلى أن تبلورت الفكرة مدعمة بالمعلومات وخرج التحقيق للنور، ولكن في هذا الوقت كنت مدركة أن مجرد تحقيق غير كافي ولابد من نقل معاناة الموصومين بمرض الإيدز فجاءت فكرة الكتاب كمحاولة مني في الانتصار للفئات الموصومة.
وبعد الانتهاء من الكتاب بحثت عن اسم له لفترة طويلة وعرضته على أكثر من ناشر والجميع اتفق على أن البطل في القضية هو "الوصم" ومن هناك جاء العنوان.
ما المعاناة التي يمر بها مرضى نقص المناعة البشرية وخاصة النساء منهم؟
وصمة المرأة مزدوجة هنا... فحينما كنت أراقب عمليات صرف الدواء في مستشفيات الحميات اقترح أحد المتعايشين أن أدخل المستشفى كمريضة وتم ذلك بالفعل ولمست حجم الكارثة في التعامل الذي وجدته من العاملين بالمستشفى والأسلوب والعبارات القاسية لدرجة أني رغبت في الصراخ بصوت مرتفع كي أخبرهم أني لا أحمل الفيروس.
فالمرأة التي تحمل الفيروس في نظرهم هي قطعاً عاملة بالجنس التجاري رغم أن 70% منهن يصبن داخل مؤسسة الزواج وأقل نسبة إصابة بالإيدز وفق الاحصائيات هي تلك المرتبطة بالجنس التجاري.
تعاني النساء من الوصم من قبل أقرب المحيطين بهن وواحدة منهن روت لي أنها فقط كانت تتمنى أن تجد من يشاركها مجرد الحديث فسألت أختها وهي تدرس الطب عن المرض وفوجئت أنها تخبرها بأنه مرض سيء ومن يصابون به يستحقون ذلك نتيجة أفعالهم، وهناك أخرى أصيبت من زوجها وأنجبا طفل ظهرت عليه الأعراض عقب الولادة وبالفحص تبين إصابته فما كان من الطبيب وطاقم المستشفى إلا أن طردوها وزوجها من المستشفى أثناء نوبة من الأمطار والمناخ السيء ولم تكن تعلم شيء عن المرض.
وهناك قصة هي الأصعب على الاطلاق لمريضة زوجها سافر خارج البلاد وارتبط بأخرى وماتت بالمرض وكان يعلم أنه مصاب ونقله لها عمداً لم يعترف لها ولم تشعر بالمرض يوماً لأن زوجها كان يتولى جلب الأدوية وكل شيء إلى أن اضطرت للذهاب لإجراء أحد الفحوصات وعندما علم الأطباء بمرضها طردوها وأحرقوا ملايات السرير وكانت صدمتها الأولى وشعورها بقلة الحيلة وعجزي معها في تقديم الدعم الكافي لآلامها وقسوة ما تعرضت له من سوء معاملة.
نقل المرض عمداً من زوج متعايش لزوجته يكاد يكون في أغب حالات إصابات النساء، وهناك مجموعة من العوامل تتحكم في الأمر منها الهرب من المعايرة والخوف من الوحدة وخلق حلقات الدعم، ففي حالة إصابة الزوجة عادة ما تتلقى الدعم من أهلها لأنهم يرون أن طلاق ابنتهم سيبقيها وحيدة ولن تتزوج مرة أخرى ووجود الزوج بجانبها حل مثالي لمرضها، ولهذا السبب يقوم الكثير من الأزواج عمداً بنقل المرض إلى داخل مؤسسة الزواج.
فالمرأة لا تملك قرار الممارسة الجنسية وغالباً ما ترغم عليها، وفي ظل غياب الثقافة الجنسية عادة ما تكون الطرف الأضعف والمستقبل للمرض وغيره داخل العلاقة.
استناداً إلى تجربتك البحثية في الكتاب إلى أي مدى أثرت الدراما والسينما على المجتمع؟
للأسف التأثير كبير وسلبي... في الكتاب أفردت فصل كامل عن هذا التأثير وكان لفيلم "الحب في طابا" الدور الأبرز في المعلومات المغلوطة اللصيقة بمرضى الايدز، ورغم اعتذار طاقم عمله عنه إلا أنه أساء إلى حد كبير للمرضى ورسخ في العقول وصمهم بشكل مباشر، وأغلب المتعايشين كانت معلوماتهم عن المرض من خلاله.
وعرض بالفيلم الكثير من المغالطات وفرض الوصمة الكبرى بربطه بالعلاقات الجنسية التجارية أو تلك المقامة خارج مؤسسة الزواج، كما تطرقت المحاولات الواعية نسبياً ومنها قصة فيلم "أسماء" ولكنها كانت قاتمة ومنفرة إلى حد كبير، وأيضاً مسلسل "تحت السيطرة" الخاص بمدمني المخدرات وبالتبعية تطرق للإيدز.
ويمكن القول أن أغلب الأعمال الدرامية عكست حالة اللاوعي بالمرض ورسخته، لذلك فالعمل على توعية المجتمع بهذا المرض وتبعاته باتت ضرورة وهذا ما أقوم به من خلال التدريبات التي أقدمها للصحفيين والتي أسعى من خلالها للانتصار لمن وصموا مجتمعيا.
وواحدة من القصص التي تنم عن جهل حتى الأطباء بهذا المرض، كانت لمتعايشة معه وتعمل ممرضة في قسم الأشعة وهي بعيدة عن كل السبل التي قد تصيبها بالعدوى، وكانت مصابة من خلال الزوج منذ 10 سنوات ولديها ولد وبنت تأكدت من عدم إصابتهم فأخبرت الجميع بعد وفاة زوجها ومنهم أهل الزوج الذين كانوا يعرفون، وعندما علم مدير المستشفى طلب منها أن تحضر شهادة من وزارة الصحة تثبت أنها أصيبت من قبل الزوج وهذا غير منطقي إلا أن أبناؤها حضروا معها وكذلك أهل الزوج وحسموا الموقف، وهذا الطلب غير انساني أو دستوري أو قانوني ولكنه يعبر عن مستوى الجهل المتفشي حتى بين الأطباء.
سبق وأطلقت سلسلة من الحملات التوعوية لدعم مرضى نقص المناعة، فإلى أي مدى ترين تأثير مؤسسات المجتمع المدني في التعامل مع "الوصم"؟
هناك جهد وحملات جيدة ولكنها محدودة العمر وتحتاج إلى الاستمرارية والنزول أكثر لأرض الواقع مما يساهم في تحقيق المستهدف منها، ويمكن القول أن تلك المؤسسات مؤثرة، ولكني أرغب أن يكون العمل على كافة المستويات من وسائل إعلام وراديو وحملات في الجامعات والمدارس، فخلق حالة من الوعي المجتمعي بالمرض يعالج الكثير من أزمات المتعايشين فالإنسان عدو ما يجهل ولكني في رحلة بحثي وجدت أن الوصم يمارسه من يحملون وعي وثقافة لذا فالأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد.
هلا أخبرتنا أكثر عن الجانب العلمي والمعلوماتي في الكتاب؟
مرض نقص المناعة البشري تم اكتشافه في منتصف الثمانينيات ويعتقد أنه كان موجود لدى القرود وربما تحور وانتقل للإنسان، ومع الوقت أصبح هناك امكانية للتعايش معه.
وهو موجود في سوائل الجسم وبشكل أكبر في الدم وحليب الأم وفي السائل المحيط بالجنين في حالة الحمل والسوائل المهبلية، ورغم وجوده في اللعاب إلا أن فرضية العدوى من خلاله صعبة جداً لأن الأمر يستلزم 3 لتر منه كي تنتقل الإصابة لذلك فتناول الطعام مع مريض الإيدز لا يشكل خطراً، ولكن استخدام أدوات الحلاقة وفرش الأسنان لاحتمالية احتوائهم على دماء والفيروس ضعيف جداً خارج الجسم ويموت خلال دقيقة واحدة.
وتطور الأمر بالنسبة للتطعيمات فهناك علاج ثلاثي يأخذ في أوروبا وأمريكا للتحصين من الاصابة بالعدوى وهناك طرق للتحصين عادية من خلال استخدام الواقي الذكري أو الأنثوي، وللأمهات الامتناع عن الرضاعة الطبيعي واجراء الولادة من خلال العمليات القيصرية لمنع وصول السوائل للجنين.
يمكن للمتعايشين مع الإيدز أن ينجبوا ويقوموا بعمل علاقة غير محمية ولكن الأمر يتطلب تناول أدوية تمنع انتقال الفيروس والمرأة الحامل تحصل على أدوية في الشهر الثاني والسابع لذلك الإشراف الطبي ضروري جداً للتعايش، أما عن الأدوية فتصرف له مضادات الفيروسات القهقرية، وهي تساعد الشخص على التعايش لفترة طويلة بنمط جيد.
أما عن علاج الإيدز فهناك محاولات منها مريض لندن ومريض برلين ومؤخراً هناك إعلان عن امرأة تم علاجها ولكن ذلك في حالة سرطان الدم المميت ولا ينطبق على جميع الحالات، وجميعها محاولات لأن الفيروس لم يتم فك شفرته بشكل كامل حتى الآن فهو خارج الجسم ضعيف جداً وداخل الجسم شديد القوة ويستهدف الجهاز المناعي للجسم.
وأخيراً تتم دراسة استخدام الهندسة الوراثية على غرار التجربة الصينية، ويمكننا القول أن العلاج من الإيدز قادم لا محالة وكذلك واقعية القدرة على الوقاية منه بل والتعايش معه، إلا أن ما يحتاج لهد أكبر وأطول هو العمل على تغيير ثقافة المجتمع تجاهه ومجابهة الوصمة المزدوجة للنساء.