التعليم عن بُعد يزيد ضغوط الأمهات المعلمات

أضيفت إلى معاناة الأمهات اللواتي يواجهن صعوبات الحياة التي غير فيروس كورونا نمطها، مصاعب جديدة فرضتها هذه الجائحة بممارسة مهنهن من منازلهن ولا سيما مهنة التعليم

كارولين بزّي
بيروت ـ .
وفي زمن كورونا الذي يجتاح العالم منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019، بدأ نهج جديد في ممارسة مهنة التعليم وهو تحوّل المنازل وغرفها إلى مدارس يتلقى فيها الأولاد دروسهم اليومية وتمارس الأمهات فيها مهنة التعليم، وللتوفيق بين ضمير المهنة وواجب الأمومة، تقع الأمهات المعلمات ضحية هذه الصعوبات.
 
"الوقت أبرز مشاكل الأم المعلمة" 
هويدا يوسف معلمة وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ أعمارهم "9 سنوات، 14 سنة و16 سنة". تقول هويدا لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "عامل الوقت هو المشكلة، فأنا أستيقظ عند السابعة والنصف صباحاً وابدأ يومي في التدريس عن بُعد عند الساعة الثامنة بالتزامن مع انطلاق الدوام المدرسي لأولادي، فيتوزع أفراد العائلة الأربعة على غرف منفصلة يتابعون فيها اليوم الدراسي حتى الساعة الواحدة ظهراً فيتحول المنزل إلى مدرسة بصفوف متعددة". 
وتلفت بأنها لا تستطيع الالتزام التام بالبقاء إلى جانب أولادها خلال الدوام المدرسي؛ لأنها منشغلة بعملها والتزامها أمام تلاميذ آخرين، ولكن ما يساعدها في هذا الإطار بأن أولادها يستطيعون الاعتماد على أنفسهم.
لا ينتهي دوام العمل مع انتهاء الدوام، بل تستمر بممارسة دور المعلمة حتى مع أولادها، فتلقي نظرة على الدروس التي تابعوها كما تساعدهم في شرح وتوضيح بعض الملاحظات.  
بعد التعليم يبدأ دور الأم التي تتحضر لتوضيب منزلها وتحضير الطعام، ولكن في هذا الوقت أيضاً لا تتوقف أمهات التلاميذ عن التواصل مع هويدا يوسف، ويغيب عن بالهن بأنها أم وإنسانة تحتاج إلى الراحة ورعاية أولادها. 
وفيما يتعلق بالمشاكل التقنية، تؤكد هويدا يوسف "لا أعاني من مشكلة الكهرباء أو سرعة الانترنت إلا فيما ندر، لكني أواجه مشاكل مع التلاميذ، لأنني لا أستطيع التحكم بتصرفاتهم أثناء الدرس الذي يتم عن بُعد".
وتنتقد هويدا يوسف الدولة اللبنانية ووزارة التربية لعدم اهتمامها بالتعليم الرسمي. مشيرةً إلى أن "إدارة المدرسة التي تمارس مهنتها فيها، تحاول مساندة معلميها لكن ذلك غير كافي لأن الدعم يجب أن يكون مادياً ومعنوياً وتقنياً مقدماً من الدولة".
ورداً على اقترح وزير التربية طارق المجذوب خلال لقاء تلفزيوني بتمديد ساعات التدريس الإلكتروني إلى سبعة حصص وستة أيام في الأسبوع، الأمر الذي هاجمه الطلاب وبعض الأساتذة، دافعت عنه هويدا يوسف حصراً لصفوف الشهادات الرسمية أي المرحلة المتوسطة والثانوية، لأن هذه الصفوف تحديداً في الحياة الدراسية الطبيعية كانت تتلقى ساعات إضافية لإتمام المنهاج الدراسي الخاص بالامتحانات الرسمية.
 
"أواجه مشكلة تضارب مواعيد الدراسة بين ابني وبين مهنتي"
تواجه ملاك فيّاض مشاكل مضاعفة مع التعليم عن بُعد، وتقول "يتوجب عليّ أن أقوم بواجبي بضمير إن كان كأم أو معلمة، ولكن في هذه الحالة لا بد من التقصير في مكان ما، وللأسف يكون التقصير اتجاه ابني (ست سنوات) أكثر من مهنتي لأنني أقوم بعمل أتقاضى عليه أجراً".
وتوضح "أقوم بتدريس تلاميذ الصف الرابع الأساسي، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً. ولكني أواجه مشكلة في تضارب التوقيت بين مواعيد حصص ابني الدراسية ودوام عملي كمعلمة، عندها أضطر لأن أؤجل حصصه المدرسية لكي أتابع عملي في التدريس لأننا نستخدم جهاز الكومبيوتر نفسه، إلا أنني أعوّض له تلك الحصص وأقوم بتعليمه الدروس التي لم يستطع متابعتها افتراضياً في الصف". 
وتتابع ملاك فياض "لا يمكن لصف كامل أن يتحمل مسؤولية انشغال ابني بحصصه المدرسية، ولأننا نتابع الصفوف على الجهاز نفسه وعلى التطبيق نفسه فعلى أحدنا أن يؤجل حصصه، ولكن لحسن الحظ بأن هناك دوامين لبعض المواد الدراسية صباحي ومسائي وابني يتابع بعض حصصه في المساء".
يشّكل العمل من المنزل ضغوطاً كبيرة على الأم والمعلمة بشكل عام اذ تستنفد كامل طاقتها في نهاية اليوم، وتشير ملاك فياض إلى أن يومها لا ينتهي فطالما هي مستيقظة تعمل وحتى في عطلة نهاية الأسبوع يترتب عليها مسؤوليات إضافية بالتحضير للمواد التي تدّرسها، وتلفت إلى أن إدارة المدرسة طلبت مؤخراً من المعلمات تحفيز الطلاب من خلال وسائل إيضاح ما دفعها إلى الالتحاق بدورات تدريبية.   
مشكلة الانترنت البطيء وانقطاع التيار الكهربائي هي مشكلة عامة في لبنان، ما يترتب أعباءً إضافية على الأم المعلمة، من خلال تعويض التلاميذ الحصص التي ضاعت خلال انقطاع التيار الكهربائي أو الانترنت. 
تستطيع ملاك فياض أن تسيطر على طلاب صفها على الرغم من أنها تدرّسهم عن بُعد، ولكن الضغوطات لا تنتهي مع انتهاء الدوام وتحاول التنسيق بين التحضير للدروس التي ستشرحها للتلاميذ في اليوم التالي وبين التحضير لدروس ابنها الذي لا يزال طفلاً ويحتاج لمن يتابع معه. 
وتلفت إلى أنه بالنسبة للاختبارات المدرسية، يتزامن أحياناً امتحانه مع موعد حصتي المدرسية، ما يدفعني للتواصل مع معلمته لكي تسمح له أن يخضع للامتحان في وقت آخر علماً أنه ليس كل المعلمات يتفهمن الأمر. 
لا يقتصر شرح الدرس للتلاميذ فقط، بل أيضاً يتطلب أحياناً الشرح للأمهات اللواتي يتابعن مع أطفالهن الحصص، لأن المنهاج الدراسي جديد وهناك أمهات بحاجة لتوضيح المعلومات لهن، وتتابع "تلاميذي لا يزالون بسن صغيرة ولا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم، وكل ذلك على حسابي وحساب ابني".
وتعليقاً على اقتراح وزير التربية بتمديد ساعات التدريس إلى سبعة حصص وستة أيام في الأسبوع، اعتبرت ملاك فياض بأن ذلك يتعب الأستاذ الذي لم تعد لديه الطاقة والوقت الكافي لتمديد دوام العمل، وتقول "يبدو أن الوزير نسي بأن لدى المعلمة عائلة وأولاد عليها أن ترعاها وتقضي وقتاً معها، ربما البعض يعتبر أن التدريس الافتراضي أسهل، لكنه في الواقع أصعب بكثير ويحمّلك مسؤولية أكبر، كما أنني بحاجة لبذل مجهود أكبر وطاقة إضافية لتوجيه الطلاب بما أننا نتعلم عن بُعد. وبالتالي أعتقد أن الموضوع متعب بالنسبة للأستاذ والتلميذ".
 
"هكذا تستطيع الأم أن تخفف الضغط عنها"
المتخصصة في مجال التربية حنين سرحان تفنّد المشاكل الأساسية التي تواجه الأمهات خلال مرحلة الحجر المنزلي والتعليم عن بُعد، وصنّفت الأمهات ضمن ثلاثة معايير "الأم العاملة والأم المتعلمة العاطلة عن العمل والأم الغير المتعلمة التي لا تعمل".
ولفتت إلى أنه بغض النظر عن نوع مهنة الأم العاملة إذا كان عملها يتطلب أن تكون خارج المنزل فهي لا تستطيع أن تكون إلى جانب أولادها خلال الحصص الدراسية.
وتتطرق إلى دور الأم المعلمة وتقول "الأم العاملة في التعليم تعطي دروسها خلال الفترة الصباحية وبالتالي تواجه مشكلة التوفيق بين عملها ودراسة أولادها لأن الدوامين يتزامنان في الوقت نفسه، ومما يضع الأم تحت الضغط ويؤثر على صحتها النفسية. كما أن التحضير يتطلب وقتاً طويلاً لأن التعليم عن بُعد جديد على المعلمات، وبالتالي يأتي ذلك على حساب أولادهن إذا كانوا بسن صغيرة ولكن إذا كانوا في عمر يستطيعون فيه الاعتماد على أنفسهم فذلك سيسهل الأمر على الأمهات".
وتتابع "من بين المشكلات أيضاً عدم توفر أجهزة كومبيوتر تكفي لكل أفراد الأسرة. ولكن أحد الحلول والتي باتت بعض المدارس تعتمدها هي تسجيل الحصص الدراسية من خلال فيديو يتم إرساله للتلاميذ ما يسمح للأم المعلمة وللطفل أن يتابع دروسه مع والدته من جهة وتستطيع الأم أن تقوم بواجبها المهني من جهة أخرى".
وتشير حنين سرحان إلى أن الأم المتعلمة والعاطلة عن العمل، تواجه متاعب مع التعليم الافتراضي، فهي غيّرت روتين حياتها وتخلت عن رفاهيتها الشخصية من التسوق إلى ممارسة الرياضة وغيرها. هذا الأمر يسبب لها الضغط النفسي، وأتمنى من هؤلاء الأمهات أن يتابعن التدريس مع أولادهن وكأم متعلمة تستطيع مواكبة أولادها، ولكن من غير المفترض أن تضغط عليهم، أو تجبرهم على التفرغ للدراسة من الصباح حتى المساء بل تمنحهم وتمنح نفسها استراحة. 
فيما يتعلق بالأعمال المنزلية، تفضّل حنين سرحان ألا تعمل الأم خلال أيام تدريس أولادها لكي تمنح نفسها وقتاً للراحة، لأن العمل المتواصل يمكن أن يوّلد الضغط النفسي وذلك سيؤثر على صحتها وعلى تعاملها مع أولادها.
وتضيف بأن "المشكلة الكبرى هي بالأم الغير متعلمة أو حتى التي درست لغة أجنبية مختلفة عن لغة أولادها"، وتقترح على هؤلاء الأمهات أن يتابعن الدراسة مع أولادهن وكأنهن يتعلمن بل ويدرسن ويحضرن دروسهن بشكل يومي، ولكن إذا لم تكن تسعى لأن تكتسب لغةً جديدة فعليها إذا سمح لها وضعها المادي بأن تستعين بمعلمة تحضر إلى المنزل وتتابع مع أولادها. وبما أن أغلب المهن تتم ممارستها من المنزل يمكن للأب أن يتقاسم مهمة التدريس مع زوجته.