التحدي والرغبة قاداها لدراسة مهنة تعد من أصعب تخصصات الطب

لطالما كانت الجراحة حكراً على الجراحين خلال عقود طويلة مضت، حتى سادت صورة نمطية أن مجال الجراحة حصري للرجال دون النساء، ولكن بحسب نتائج دراسات حديثة فإن الجرّاحات تفوقن على الرجال في نتائج ما بعد الجراحة على المدى الطويل للمرضى.

ابتسام اغفير

بنغازي ـ في عالم الطب، حيث تتعدد التحديات وتتطلب المجالات الجراحية قدراً كبيراً من المهارة والصبر، تبرز قصص النجاح الاستثنائية التي تخطت الصعاب وكسرت الحواجز. من بين هذه القصص الملهمة، قصة أول جراحة عظام امرأة في ليبيا، التي لم تكتفِ بتحقيق حلمها في مجال يعد من أصعب تخصصات الطب، بل واصلت مسيرتها بثبات وقوة لأكثر من 25 عاماً.

كان التحدي ومن ثم الرغبة هما من قاداها للدراسة، ومن ثم التخصص والعمل في مجال جراحة العظام وتقول الدكتورة رندة فوزي الدغيلي أخصائية جراحة عظام بمستشفى الجلاء ورئيسة قسم العظام بالجامعة الدولية حول تجربتها التي تمتد لأكثر من 25 عاماً "شدني تخصص جراحة العظام منذ إن كنت أدرس في السنة الرابعة قسم الطب، وأكثر ما جعلني أركز على هذا التخصص عند دخولي لغرفة الأطباء وكان هناك البرفسور الصادق مخلوف رئيس قسم جراحة عظام بالجامعة، فجميع الموجودين كانوا من الرجال، وهنا فكرت لماذا لا تكون معهم امرأة في هذا الاجتماع، ومن هنا أصبح حلمي أن أكون جراحة عظام وأول امرأة تتجه لهذا التخصص".

وأشارت إلى أن توجهها لهذا التخصص كان يتمحور حول فكرة لماذا كل أطباء القسم أو التخصص رجال؟ لماذا لا توجد امرأة؟ وتساءلت عن مكان المرأة؟ "استهوتني مادة جراحة العظام في مرحلة الدراسة، فهي مادة جميلة، وعندما تعمقت في دراستها، تأكدت أنه لا يوجد خيار آخر أمامي إلا جراحة عظام".

بدايتها في المجال العملي كانت عام 1999، وهي أول امرأة في هذا المجال على مستوى المنطقة الشرقية، حيث قدمت طلب للبرفسور الصادق مخلوف، فكان الأمر غريب جداً أن تأتي امرأة وتقوم بتقديم طلب للعمل في جراحة العظام "بعد موافقة البرفسور الصادق بمنحي فرصة للعمل في هذا المجال حاولت جاهدة أن أثبت وجودي معهم، على الرغم أنه لا يوجد قانون سواء في الكلية أو في العمل يمنع المرأة من دخول جراحة العظام، غير أن النساء لا تحبذن بطريقة ما عدم الدخول إليه، ربما بسبب صعوبته".

وبينت أن عمل جراحة العظام يشبه عمل المهن الحرفية "نحن نستخدم المطرقة والمنشار الكهربائي، وقد واجهت صعوبات عديدة، منها عدم وجود من يقوم بتعليمك، فالزملاء كانوا يعزفون عن تعليمي"، مؤكدة أن عملها كان من أجل إثبات وجودها "اجتهدت وتوخيت المصداقية في العمل، واحترمت المسؤوليات، كل تلك الأشياء كنت أضعها أمامي أثناء عملي، فالنجاح هو تخطي الصعوبات التي تواجهك في طريق عملك وعدم الاستسلام لها".

وحول عملها في مستشفى الجلاء للجراحة وهو يعد المستشفى الأهم في بنغازي والذي يستقبل الحالات الطارئة من الحوادث المختلفة "أنا أتعامل مع مختلف فئات المجتمع وبإصاباتهم المختلفة، فالجميع تقبل كوني جراحة عظام وتقوم بعملها دون مضايقات أو انزعاج كوني تخصصت في هذا المجال الصعب وأعالج حالات صعبة".

وشجعت النساء لاقتحام التخصصات التي كانت حكراً على الرجال مثل تخصص جراحة العظام "عندما دخلت هذا التخصص لم تكن هناك نساء، وكان هذا تحدي خضته حتى أثبت جدارتي فيه، وبعد ذلك انفتح الباب على مصراعيه لباقي النساء للدخول لهذا التخصص وبدأنا هناك طبيبات مختصات معروفات"، متمنية أن تتخصص النساء كذلك في قسم المسالك فهو قسم لازال إلى الآن حكراً على الرجال.

وأوضحت أنه تم اختيارها لتكون عضوة في مجلس إدارة جمعية العظام الليبية، وهذا الاختيار تم في المؤتمر الذي أقامته الجمعية بمدينة درنة "تم اختياري لأتولى رئيسة قسم العظام في الجامعة الدولية الطبية، ورشحت أيضاً أن أكون عضوة في جمعية الطب الرياضي بمدينة بنغازي".

وأوضحت أن للمؤتمرات العلمية المتخصصة دور كبير في تطوير الأطباء، وأن الأساس في التطوير هو حب مادة، لأن حب المادة يذلل جميع الصعوبات "الطب مهنة إنسانية بالدرجة الأولى".

وحول إمكانية الخروج بعلاجات جديدة من خلال الأبحاث بينت أنها لم تصل إلى هذه المرحلة "نحن في ليبيا لم نصل إلى مرحلة الإبداع بعد، ولكن نحن نطور من أنفسنا باستمرار، خاصة بحضور المؤتمرات العلمية، حيث نحصل من خلالها على المعلومات الحديثة".

وأكدت أن التطور وإنتاج بحوث علمية جيدة كله يعتمد على اجتهاد الطبيب في حد ذاته وهي رسائل تؤدى من طبيب لآخر، وفي كل مرة ربما يأتي أحد ويكون حظه أوفر من الذي قبله ويخرج بنتائج جديدة.