'الطفل الذي يعايش عنف والدته يمارسه مستقبلاً على زوجته'

تتعدد أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة، فهناك العنف الجسدي، واللفظي، والاقتصادي والجنسي والقانوني، نوع واحد من هذا العنف إذا ما تعرضت له النساء

حنان حارت
المغرب ـ ، كفيل بأن يغير حياتهن؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى زعزعة تواصلهن مع محيطهن، وقد يدفعهن إلى التفكير في الانتحار.
 
وكالتنا سلطت في التقرير التالي الضوء على الآثار النفسية الجسيمة للعنف الزوجي على النساء والأطفال.
 
دوامة اكتئاب
تتحدث حليمة علي (33) عاماً، اسم مستعار، لعدم رغبتها في الكشف عن هويتها "قبل ثلاث سنوات فقدت ثقتي بنفسي، وكدت أنتحر، دخلت في حالة نفسية متأزمة جداً، بسبب زوجي الذي أذاقني كل أنواع العذاب".
وتضيف "تعرضت لعنف جسدي واقتصادي ولفظي وجنسي، أثر على نفسيتي، معاملته كانت كفيلة لجعلي أدخل في دوامة الاكتئاب".
تصمت لحظة وهي تستعيد ذكرياتها الأليمة، ثم تبدأ الحديث "كان زواجنا تقليدياً، كانت ابنة خالتي تربطها علاقة صداقة بأخته، وكانت زياراتي لبيت خالتي تصادف تواجدها أيضاً، فأخبرتني ذات يوم أن أخيها يرغب في الزواج، لم أتردد لكوني كنت أخاف أن يفوتني قطار الزواج".
تستمر في سرد قصتها والحزن بادي على محياها "بعد الزواج تفاجأت بطباع زوجي، كان عصبي لدرجة كبيرة، لأتفه الأسباب كان يسبني ويشتمني وينعتني بأقبح الكلمات، عندما كنت أخبره أنه لا ينبغي له الحديث معي بهذه الطريقة وأنه يجب اختيار كلماته بعناية، كان يردد باستهزاء أنه لا يتحكم في ردات فعله وأن هذا هو أسلوبه في الحديث وعلى التأقلم مع هذا الوضع".
 
الخوف والاستسلام
تضيف "لم يكن العنف اللفظي فقط هو ما أتعرض له، بل أيضاً كان يقوم بصفعي وضربي إن استمريت في مناقشته، كنت أفكر في حل لوضع، وأنه على الطلاق، لكني كنت خائفة من نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، رضيت بذلك الوضع الذي بات رويداً يؤثر على نفسيتي، لم تعد لي رغبة في أي شيء، بتُ أرى الدنيا كلها سوداء".
وتضيف أن تصرفاته جعلتها تنفر منه عندما كان يرغب في معاشرتها، لكنه كان يجبرها على ذلك، وكان في مرات كثيرة يكبل يديها، ويغتصبها.
وتستمر في سرد قصتها "الوضع زاد حدة بعدما بات لا يرغب في النفقة على أيضاً، وبات يتعامل معي كجارية، تقول كل ذلك لأني رفضت أسلوبه في الكلام وتلفظه بأقبح الكلمات في حقي، إن صدر مني شيئاً لا يعجبه".
 
التفكير في الانتحار 
تقول "في ظل هذا الوضع فكرت في الانتحار، ولم أكن أرغب في إخبار أحد من أسرتي، فعانيت في صمت، وكانت تراودني بعض الوساوس حول طريقة التخلص من نفسي إما بالسقوط من النافذة، أو شرب سم الفئران أو شنق نفسي، لكن حدث شيء في حياتي غير أفكاري السوداوية، حين علمت أني حامل، فكرت في أنه على أن أجد منفذاً للنجاة أنا وطفلي، وأن على أن أحيا من أجله ولتربيته".
 
تحدي المجتمع
وعن كيفية خروجها من دائرة الاكتئاب تقول "بات لدي قناعة أنه على تحدي نظرة المجتمع؛ وأول شيء فعلته هو استعدادي لمواجهة نظرة المجتمع، أخبرت زوجي أني أريد الطلاق، وأني سأسلك مسطرة طلاق الشقاق، وسأواجه الحياة مع ابني لوحدنا".
وتضيف رغم رفض زوجي، وعدم تقبل عائلتي في البداية لفكرة الانفصال؛ لكني كنت عازمة على الأمر، وحصلت على الطلاق رغم محاولات القاضي تخصيص جلسات للصلح خاصة حين علم أني حامل، لكني أوضحت له أسباب طلبي للطلاق وكل ما تعرضت له وكيف أن هذا الزواج دمر حياتي نفسياً، وأن الحياة معه هي موت بالنسبة لي.
تظهر على محياها ملامح سعادة وفرحة وتقول "منذ أن حصلت على الطلاق وأنا أتطلع إلى حياة أفضل بعيدة عن أية ضغوطات نفسية من أجل أن يعيش ابني في وسط ومحيط جيد".
وتشير إلى أنه بعد حصولها على الطلاق وإنجابها، تمكنت من إيجاد عمل في إحدى المؤسسات الخاصة كمرافقة للأطفال في حافلة للنقل المدرسي، وهي الآن تشعر بالسعادة بعد أن تمكنت من تحقيق استقلالها المادي.
وأوصت في ختام حديثها النساء بعدم القبول والتعايش مع العنف لأنه يؤثر حتماً على نفسيتهن وعلى أطفالهن.
 
تداعيات العنف
 
 
من جهتها تعلق رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع نجية تزروت إن كل أنواع العنف لها تأثير مباشر على صحة النساء، مشيرة إلى أن تداعيات العنف تبقى وخيمة على سلامتهن النفسية والجسدية أيا كان مصدر العنف؛ سواء زوج، أخ أو أب، أو أي شخص آخر.
وأوضحت نجية تزروت، أن عنف الشريك له تداعيات نفسية أكبر وتطال المرأة لتصل إلى الأبناء والأسرة والمجتمع برمته. 
وعن أهم تداعيات أو آثار العنف على نفسية النساء، تقول رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، "نجد ارتفاع الضغط لديهن وضعف شهية الأكل والإحساس بالإحباط والدونية وقد تصل إلى الاكتئاب والانتحار في بعض الحالات".
 
دعم نفسي
وعن الخدمات التي تقدمها الجمعية للنساء المعنفات اللواتي يتم استقبالهن "أول خدمة نقدمها للنساء المعنفات داخل المراكز التابعة لجمعيتنا الاستماع، ومن ثم الدعم النفسي وعياً منا لأهميته بالنسبة للنساء الوافدات على مركزنا، هناك حالات عديدة استقبلناها في حالة نفسية مكتئبة ومحبطة جداً وبفضل الأخصائيين النفسيين الذين يستقبلونهن تتحسن الحالة النفسية لديهن". 
وإلى أي حد يؤثر العنف على الأطفال تقول الفاعلة الجمعوية نجية تزروت "إن الأطفال هم الحلقة الضعيفة داخل الأسرة وهم أول المتضررين من معايشة العنف الممارس ضد أمهاتهن، وقد يؤثر العنف على دراستهم وتوازنهم النفسي والجسدي وبناء شخصيتهم في المستقبل". 
وأشارت نجية تزروت إلى أن الدراسات في هذا المجال تتحدث عن نظريتين "الأولى أن الطفل الذي يعايش عنف والدته يمارسه مستقبلاً على زوجته ليعيد إنتاج نفس الظاهرة، والنظرية الثانية تقول إن الطفل الذي ينشأ في جو عائلي يطبعه العنف يعيش في عزلة، ومهما تعددت النظريات يضل العنف ضد النساء عنفاً ضد الأطفال والمجتمع ووصمة عار على جبين الحكومات".
 
16% من الأطفال يعانون
البحث الميداني حول التكلفة الاجتماعية للعنف ضد النساء والفتيات لسنة 2019، أوضح أن حوالي 16% من النساء ضحايا العنف الزوجي أن أطفالهن الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و18 سنة يعانون من مشاكل صحية خاصةً ذات طبيعة نفسية وسلوكية، وحسب نوع المشكلة التي يعاني منها أطفالهن، صرحت 40.4% من النساء ضحايا العنف الزوجي بمشكلة العزلة والحزن، 32.4% منهن بنوبات القلق أو الصرع و21.5% بالكوابيس و22.4% بالتبول اللاإرادي.
 
للحد من العنف...
عن الحلول الكفيلة للحد من ظاهرة العنف ضد النساء، تقول نجية تزورت إنه يجب تعزيز المنظومة القانونية بقانون شامل يحمي ويقي النساء من العنف ويستجيب للمعايير الدولية في هذا الشأن، وكذلك إيجاد قانون العنف ضد النساء 103/13وتفعيل مقتضياته، كما ينبغي التحسيس بمخاطر العنف على النساء والأطفال والمجتمع عبر المقررات المدرسية والإعلام وعدم التسامح مع العنف أو التطبيع معه.
وأشارت إلى أن تدريس الفتاة والتمكين الاقتصادي للنساء هما المدخل الرئيسي للحد من هذه الظاهرة، لأن معظم النساء الواردات على الجمعية هن في وضعية صعبة وهشة يفضلن أحيانا التعايش مع الشريك المعنف لأنهن لا يستطعن تحمل تكاليف الأبناء ولا يستطعن التخلي عن فلذات أكبادهن.
 
 إحصائيات رسمية
حسب إحصائيات رسمية للمندوبية السامية للتخطيط حول التكلفة الاجتماعية للعنف ضد النساء والفتيات لسنة 2019، أنه في إطار العلاقة مع الشريك، تعرضت 25% من ضحايا العنف الجسدي و10% من ضحايا العنف الجنسي لإصابات أو مشاكل نفسية.
ومن بين هؤلاء الضحايا 60.2% صرحن بإصابتهن باضطرابات نفسية عند تعرضهن للعنف الجسدي و79% عند تعرضهن للعنف الجنسي. 
وأوضحت الأرقام ذاتها أن العواقب النفسية الأكثر شيوعاً للعنف الجسدي والجنسي هي الشعور بالتوتر والإحباط والقلق بنسبة 24% في حالات العنف الجسدي و18% في حالات العنف الجنسي، واضطرابات النوم بنسبة 16 و17%، والشعور بإرهاق دائم بنسبة 15 و16%.