الشعوذة تقتل النساء في العديد من المدن التونسية
وسط صدمة تقشعر لها الأبدان، استيقظت تونس على جريمة تجسد أقصى درجات العنف الجندري المغلّف بالخرافة والجشع. إنّ ما حدث ليس مجرّد حادث فردي، بل صرخة مدوّية تكشف حجم ما تتعرض له النساء في مجتمعاتنا من عنفٍ سافرٍ يستهين بكرامتهنّ وحقوقهنّ.

نزيهة بوسعيدي
تونس ـ وفقاً للمخيال الشعبي وبعض الخرافات التي لا زالت موجودة بتونس يمكن استعمال العيون الواسعة التي نجد داخلها نقاط سوداء في استخراج الكنوز المدفونة باطن الأرض.
لا أحد يمكن أن يتصوّر أن تأثير هذه الأفكار يمكن أن يؤدي إلى إقدام زوج على استئصال عيني زوجته بشوكة الطعام بعد أن رفضت الاستجابة لطلبه والذي هو في الحقيقة طلب المشعوذ الذي يدّعي أن هناك أحد الكنوز المدفونة والتي يمكن العثور عليها واستخراجها باستعمال العيون ذات النقاط السوداء.
وهكذا استفاق التونسيون على خبر اقتلاع الزوج لعيني زوجته في محافظة القيروان واستنكروا بشدة وحشية الزوج وفظاعة فعله وعبروا عن استيائهم من استمرار ممارسة العنف الشديد ضد المرأة حتى أصبحت الشعوذة سبباً من أسباب قتل النساء نفسياً ومعنوياً وتحويل ما تبقى من حياتها إلى ظلام دامس.
وهذه الجريمة ليست الأولى بل حدثت سابقاً حوادث مماثلة دون اعتبار، وفي هذا الإطار تساءلت جمعية أصوات نساء إلى متى يحدث هذا، وما هذا الإقبال الوحشي على قتل النساء؟ أين الحكومة من كل هذا؟ من يحمي النساء في منازلهن؟
تفشي الجهل بالمجتمع
وقالت الناشطة النسوية والعضوة بجمعية أصوات نساء منية قاري "نحمل الحكومة كامل المسؤولية من تكرار هذه الجرائم خاصة أنه تم تسجيل جريمتين بحق امرأتين خلال 48 ساعة فقط، وحريّ بنا أن نلفت الانتباه إلى وجود 145 ألف مشعوذ في تونس وكل الجرائم التي يقترفونها بانتظار النظر في مشروع قانون يجرم السحر والشعوذة وقام نواب الشعب بعرضه على لجنة التشريع منذ نيسان الماضي ولم تتم مناقشته إلى اليوم".
وحول الجريمة التي ارتكبها زوج بحق زوجته باقتلاع عينيها وتعذيبها أوضحت "هذه ليست المرة الأولى حيث سجلنا سابقاً حالات مماثلة وهذا دليل على مستوى الجهل الموجود بالبلاد لأن الزوج كان يعتقد أنه سوف يستخرج كنزاً باستعمال عينيها كما يدل على مستوى الجشع الموجود بمجتمعنا والذي يدفع إلى التضحية بحياة شخص من أجل المال كما يدل على مستوى المجتمع بصورة عامة وما يعيشه من خرافات وأكاذيب للوصول إلى غاية معينة".
ولفتت إلى أنه "لدينا قانون يتصدى لمثل هذه الجرائم وهذا الشخص تم إيقافه وهو بين أيدي العدالة"، مستدركةً بالقول "لكن التجريم ليس الحل الوحيد لمقاومة ظاهرة العنف ضد النساء ونحتاج إلى الكثير من العمل وإلى الوعي المجتمعي حول ظاهرة العنف ضد النساء حتى لا تكون المرأة دائماً فريسة للرجل بصفة عامة".
وكشفت أن هناك خطة استراتيجية لمقاومة العنف بصدد الإعداد لدى وزارة المرأة "قد تكون هذه الخطة سابقة جيدة ليتم توعية المجتمع حول الظاهرة ونتمنى أن يشارك الإعلام بطريقة إيجابية أيضاً لبث الوعي". .
وأشارت إلى أنه لا يوجد ترتيب تفاضلي في العنف ولا توجد جريمة بشعة وأخرى غير بشعة لأن كل أشكال العنف تؤدي إلى ايذاء النساء، الأذى يقدّر حسب الخطورة مهما كان العنف ودرجته.
استسهال العنف
أما درة حميدة وهي أستاذة استشفائية جامعية بكلية الطب بسوسة قالت أن الجريمة "أليمة جداً حيث مورس عنف رهيب ضد المرأة وقد لا نتصور مهما حاولنا حجم الألم الذي شعرت به الضحية وحجم الألم الذي تشعر به حالياً وهي فاقدة البصر بسبب الزوج الذي يفترض أن يحميها ويسندها في الحياة".
وأوضحت أن حجم الكارثة يبرز كم أنه يوجد استسهال للعنف في تونس الذي يطال لا المرأة فحسب بل أيضاً الفئات الهشة والمستضعفة على غرار الطفل وذوي الإعاقة "استسهال العنف يكشف أن المجتمع التونسي ذكوري بامتياز يعتبر المرأة مجرد شيء ليس بالمعنى الجنسي للكلمة بل بمعنى أنه ليس لها اعتبار أو أنها ليست كائن حي يشعر ويتألم".
وقالت "هناك حالات صعبة عديدة لكننا لا نعلم عنها شيئاً"، معتبرةً أن التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة يحتاج إلى توعية الرجل والمرأة أيضاً "يجب منح ضمانات للمرأة المعنفة حتى تكون قادرة على التبليغ بالعنف وعدم الصمت عنه لأنه من عاداتنا أن تصمت المرأة عن الأذى بسبب الخوف من المجتمع والخوف من عدم القدرة على مجابهة مصاريف الحياة بعيداً عن الزوج".