العربات التركية في إدلب موت يلاحق أطفال ونساء بلا محاسبة

تشهد مدينة إدلب تزايداً في الحوادث المرتبطة بالعربات العسكرية التركية التي تجوب الطرقات، ورغم تكرار الحوادث التي أودت بحياة مدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال، لا يبدو أن هناك إجراءات جدية لضبط هذه الممارسات أو محاسبة المسؤولين.

هديل العمر

إدلب ـ وقعت عشرات الحوادث منذ دخول الدولة التركية إلى الشمال السوري حتى اللحظة، وتتسبب العربات العسكرية التركية التي غالباً ما تسير بسرعة كبيرة، في دهس أطفال ونساء أو إحداث إصابات خطيرة، ووفقاً لشهود عيان، فإن هذه العربات تسير دون مراعاة لحالة الطرق المزدحمة أو التحذير المسبق، ما يجعل المدنيين عرضة لخطر دائم.

في إحدى الحوادث المؤلمة، فقدت الطفلة رشا الجبان البالغة من العمر 8 سنوات، حياتها بعد أن دهستها عربة عسكرية تركية أثناء عبورها الطريق في مدينة سرمدا أواخر عام 2022، تروي والدتها حياة الجبان الحادثة قائلة "كانت تحاول عبور الشارع، لكن العربة ظهرت فجأة وبسرعة كبيرة، لم يحاول السائق حتى التوقف، واستمر في السير وكأن شيئاً لم يكن".

تلك الحادثة تركت أثراً عميقاً داخل والدة الطفلة التي فقدت بلمح البصر دون حتى أن يحاسب من دهسها، وتضيف "لا تذهب تلك الحادثة من مخيلتي، ولا يمكنني أن أحتمل مدى الاستهتار بحياتنا الذي وصل إلى هذه الدرجة".

وكثيراً ما تواجه النساء صدمة فقد الأحباء جراء تلك الحوادث والتجاوزات، حيث يعاني الأطفال من الكوابيس والخوف المستمر من الشوارع، إذ أن تلك الحوادث لا تقتل الأرواح فقط بل تدمر الصحة النفسية أيضاً.

وفي حادثة أخرى، أصيبت مريم الزعرور 37 عاماً بجروح خطيرة عندما صدمتها عربة تركية أثناء خروجها من سوق شعبي في مدينة إدلب في تموز/يوليو 2019، وقالت إنها لا تزال تعاني من آلام تلك الصدمة حتى اللحظة رغم مرور ستة سنوات عليها، مضيفةً أن الحوادث التي تتسبب فيها عربات الدولة التركية ليست مجرد أخطاء فردية، بل تمثل انتهاكاً مباشراً لحقوق الإنسان.

وتابعت مريم الزعرور التي درست عامين في جامعة الحقوق بحلب قبل أن تتوقف عن الدراسة بسبب الأحداث الأخيرة "الجميع ملزم بضمان عدم الإضرار بالمدنيين أثناء عملياتها العسكرية، وما يحدث في إدلب من تجاهل لمحاسبة المتسببين يعد تهاوناً بالعدالة، ويضع المسؤولية القانونية على الدولة التركية أولاً، وعلى السلطات المحلية التي تخضع لنفوذها ثانياً".

وتطالب كما غيرها من المتضررين بتدخل المجتمع الدولي والجهات الحقوقية لإجبار الدولة التركية على اتخاذ إجراءات تضمن سلامة المدنيين، مثل وضع حد للسرعات العالية أو توفير طرق خاصة للتحركات العسكرية، "لا يوجد أي جهة تجرؤ على محاسبة القوات التركية، الحوادث تتكرر، والضحايا هم الأبرياء".

وتتابع أنه مهما تكن الأسباب فهي لا تعفي الدولة التركية من مسؤولية الالتزام بقواعد السلامة، فالعديد من الجيوش العاملة في مناطق النزاع تنظم حركة قواتها بشكل لا يعرض المدنيين للخطر.

من جانبها قالت رؤى الشريف إحدى الشاهدات على تلك الحوادث أنها رأت طفلاً عائداً من المدرسة "لا أحد تخيل أن الشارع سيكون مكاناً لموته، ولا أستطيع نسيان اللحظة التي رأيت فيها جسده بلا حراك، هل حياة أطفالنا أصبحت بلا قيمة؟".

ونوهت إلى أن النساء تتحملن العبء الأكبر في التعامل مع تداعيات هذه الحوادث "عندما تفقد أم طفلها أو تصاب امرأة بسبب حادث دهس، تكون هي من تواجه الألم والحزن لوحدها، المجتمع المحلي يدعمها عاطفياً، لكن الدعم القانوني والمحاسبة غائبان تماماً".

وأوضحت أن القضية تعاني من غياب التغطية الإعلامية الكافية، فالتقارير الدولية حول معاناة المدنيين مع العربات العسكرية التركية، معدومة وتقول "نواجه صعوبة في إيصال صوت الضحايا، القنوات العالمية تُركز على الصراع العام في سوريا، بينما تُهمّش التفاصيل اليومية لمعاناة الأهالي، كقضية الدهس المتكررة".

وتضيف رؤى الشريف أن الإعلام المحلي، في أغلبه، يخضع لضغوط سياسية تجعله يتجنب انتقاد الدولة التركية، مطالبة بتدخل عاجل لضمان سلامة المدنيين، خاصة النساء والأطفال، فلا يمكن الاستمرار في تجاهل حياة الناس وكأنها مجرد أرقام، إذ يجب على السلطات المحلية اتخاذ خطوات فعلية لحماية الأهالي.

وفي ظل غياب المحاسبة والإجراءات الوقائية، وفي ظل تكرار هذه الحوادث، يبقى صوت النساء والأطفال الأعلى تعبيراً عن الألم والخوف، فهل ستستجيب الجهات المسؤولة لصيحات الأمهات ودموع الأطفال، أم سيبقى الوضع بلا تغيير.