النساء يحيين لغتهنَّ الأم في قرية العسلية

قرية العسلية التي تقع غرب مدينة منبج بـ 20 كم إحدى القرى الكردية، ويبلغ عدد العائلات المتواجدة فيها ما يقارب 400 عائلة

سيلفا الإبراهيم
منبج ـ ، لكن نحو نصف عدد سكانها من الكرد لا يجيدون التحدث بلغتهم الأم، نتيجة سياسات التعريب التي طالتها وانصهارهم مع بقية المكونات. 
 
"علينا تعلم لغات جميع المكونات التي نعيش معها" 
عائلة فاطمة الأحمد (65) عاماً من العائلات التي احتفظت بلغتها الأم، بالإضافة إلى معرفتها ببقية اللغات في المنطقة، تقول "نحن كرد وما زلنا محافظين على لغتنا الأم، استطعنا الحفاظ عليها من خلال الاستمرار بالتحدث بها في المنزل".  
وأضافت "أبنائي وبناتي وأحفادي وزوجات أبنائي جميعهم يتحدثون اللغة الكردية، فهذه اللغة هويتنا أينما كنا"، وتبين أنه عندما كان الجميع يتحدث اللغة العربية في القرية، ويخشى الحديث بالكردية جراء قمع النظام وممارساته كانت والدتها تحرص على محادثة أبنائها بلغتهم الأم، وتعتبر فاطمة الأحمد أن لوالدتها الفضل في الحفاظ على هذه اللغة في العائلة.
وترى أن من الأهمية استمرار الأمهات بالتحدث بلغتهن الأم أمام الأطفال، لأن نقل التراث واللغة يقع على عاتق النساء، فهن من تقضين معظم الأوقات مع أطفالهن "عدم التحدث باللغة الأم ضمن العائلة يحرم الأطفال والأبناء اتقان الحديث بلغتهم الأصلية".  
ليست اللغة الكردية فقط التي تتحدث بها فاطمة الأحمد وأبنائها بل تتقن عدة لغات "اتحدث الكردية والعربية والتركمانية، وهذا ما تعلمته من محيطي فنحن نعيش في مجتمع يعد نموذجاً للتعايش المشترك بين شعوب تختلف أصولها ولغاتها وثقافاتها، ولست الوحيدة التي تجيد التحدث بثلاث لغات، وإنما جميع أبنائي حتى الصغار منهم يتقنون ذلك".
وبينت أنه "لطالما نعيش في مجتمع ممتزج بثقافات ومكونات مختلفة على الأم تعليم أطفالها جميع اللغات والثقافات المحيطة بها، فزوجة ابني عربية لكن نسعى لتعليم ابنائها اللغة الكردية والعربية والتركمانية أيضاً، لأنه سيعيش بين هذه المجتمعات فمن الضروري أن يجيد هذه اللغات".  
 
"علينا الحفاظ على لغتنا الأم"
فيما تحدثت فاطمة الحمدو (55) عاماً وهي من أب كردي وأم تركمانية عن تاريخ القرية، وقالت إن أول من أسس قرية العسلية هم 4 أخوة كرد، ونتيجة الزواج دخل إلى القرية العرب والتركمان، لذلك هناك عائلات تتحدث باللغة التركمانية، وأخرى باللغة العربية، والبعض الآخر ما يزال يحافظ على اللغة الكردية.  
وبينت أن "اللغة الكردية هي اللغة الأصلية للعائلة فمن البديهي الحفاظ عليها، أما اللغة التركمانية نتيجة دخول المكون التركماني للعائلة عبر الزواج، واللغة العربية يتعلمونها في المدارس، وهذا ما جعل عدد كبير من العائلات في العسلية يتعلمون اللغات الثلاثة". 
عائلة فاطمة الحمدو فقدت لغتها الأم وذلك جراء انتقالهم إلى مدينة حلب قبل الحرب السورية، "كان على العائلات المتواجدة في قرية العسلية عدم إضاعة اللغة الكردية، بل كان ينبغي عليهم اتقان اللغات الثلاثة". مضيفةً "عائلتي تتقن اللغة التركمانية، كما تعلم أبنائي العربية في المدارس ولأننا انتقلنا إلى حلب فقدنا لغتنا الأم، وأصبحنا نتحدث العربية حتى في المنزل".
تشعر فاطمة الحمدو بالأسف لأنها أضاعت لغتها الأم، وتبين أن ابنائها كذلك لا يمكنهم الحديث بلغتهم الأم لأنها لم تستطع نقلها لهم، "حتى هذه اللحظة أشعر بالندم لعدم الحفاظ على لغتي، عكس والدتي التي عملت في الحفاظ على اللغة التركمانية في عائلتنا، لكنني متفائلة لأن اللغة الكردية دخلت المنهاج الدراسي، فأصبح بإمكان الجميع تعلمها". مضيفةً "تعلم أبنائي بعض الكلمات، وأنا متحمسة لإعادة إحياء لغتنا من جديد وأن نستطيع التحدث بها مثل جميع العائلات الكردية".  
 
إعادة إحياء اللغة
معلمة اللغة الكردية في مكتب تعليم اللغات نجلاء الإبراهيم أكدت على أهمية دور مكتب تعليم اللغات في إعادة إحياء اللغة الأم "نعمل على تخريج المعلمات من مراحل تعليم اللغة الكردية الثلاثة، ومن ثم نعينهن في المدارس، والهدف هو إعادة إحياء اللغة الكردية، التي لطالما منعت من قبل النظام". 
وأشارت إلى أهمية إحياء اللغة في القرى الكردية التي فقدت هويتها "قرية العسلية في الريف الغربي لمدينة منبج هي قرية كردية، لكن بعض العائلات فقدت اللغة خلال العقود الماضية، ومع دخول اللغة الكردية للمنهاج الدراسي وتعيين معلمات في المدارس عين لقرية العسلية 3 معلمات من بناتها".
وأكدت أن أهالي قرية العسلية رحبوا بهذه الخطوة "كمكتب تعليم اللغات نرى أن هذه الخطوة إيجابية لإعادة اللغة لمجتمع كاد أن يفقدها".  
وافتتحت مؤسسة اللغة الكردية التي خرجت المعلمين/ت باللغة الكردية في منبج وريفها عام 2017، وتحولت فيما بعد إلى مكتب تعليم اللغات، وبدأ تعيين المعلمات في المدارس مع دخول اللغة الكردية للمنهاج الدراسي مع بداية عام 2018.