النساء في غزة... معاناة مضاعفة ومصير نحو الهاوية تحت نار الحرب والنزوح

نساء غزة تواجهن معاناة في مراكز الإيواء، وتتفاقم أعباءهن اليومية وسط القصف والنزوح المستمر، بينما يتجاهل العالم مناشداتهن وصراعهن للبقاء.

نغم كراجة

غزة ـ في خضم الحرب الضارية المستمرة بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس، تعاني النساء في غزة من أوضاع إنسانية كارثية تفوق الوصف، إذ تزداد معاناتهن يوماً بعد يوم وسط القصف المستمر والنزوح القسري، تتزايد صعوبة الحصول على المساعدات الأساسية والمتطلبات الشخصية، بينما تقف الظروف الراهنة حاجزاً أمام كل محاولة لتخفيف معاناتهن.

 

الأوضاع المزرية في مراكز الإيواء

أكدت الناشطة النسوية ماجدة قديح أن النساء النازحات في مراكز الإيواء تواجهن ظروفاً قاسية للغاية، حيث تدار هذه المراكز من قبل رجال لا يملكون القدرة أو الفهم الكافي لاحتياجات النساء الخاصة "إن النساء في هذه المراكز بالكاد تحصلن على الفتات من المساعدات، وأحياناً لا تصل إليهن على الإطلاق، هذا الوضع يعتبر مشكلة كبيرة للغاية، فالمرأة تحتاج إلى متطلبات خاصة لا يدركها الرجال ولا يمكنهم تلبيتها".

وترى أن مهمة توفير الدعم والرعاية للنساء النازحات تقع على عاتق الناشطات النسويات، إلا أن الظروف الراهنة تجعل من المستحيل تقريباً الوصول إلى جميع مقرات الإيواء "الضغوطات التي تعيشها النساء تتفاقم يومياً، ونحن كناشطات نقف عاجزات عن تقديم العون الكافي لهن في ظل هذا الوضع المأساوي".

وشددت على أن توفير أبسط الاحتياجات للمرأة الفلسطينية النازحة هو من أهم مقومات صمودها "تتواصل معي العديد من النساء وتطلبن أغراض شخصية لا تصل إليهن بشكل كافٍ، مما يزيد من معاناتهن لكن المعاناة لا تقتصر على النقص في الحاجيات الأساسية، بل تتجاوزها لتشمل الحالة النفسية المتردية التي تعيشها النساء بسبب القصف الذي طال حتى مراكز الإيواء".

 

أزمة الصحة النفسية والضغوط المتزايدة

وأوضحت أن النساء في غزة تعانين من أوضاع نفسية سيئة لا يمكن معالجتها بشكل طبيعي في ظل القصف المستمر "النساء في مراكز الإيواء بحاجة ماسة إلى نقطة إرشاد اجتماعي ونفسي، ولكن للأسف، هذه الخدمات ليست ضمن الأولويات في ظل المعاناة التي يعيشها القطاع بأكمله، وما يزيد الوضع سوءاً هو ارتفاع معدلات العنف الأسري بشكل غير مسبوق، حيث يتم تعنيف النساء على مسمع الآخرين، نظراً لغياب الخصوصية في مخيمات اللجوء وعدم وجود رادع صارم يجرم الانتهاكات بحقهن".

 

حياة على حافة الانهيار

في ظل الحرب المستمرة منذ أحد عشر شهراً، تعيش النساء الفلسطينيات في مراكز الإيواء أوضاعاً إنسانية بالغة القسوة وتحشر آلاف النازحات في أماكن مكتظة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، حيث يتم إدارة هذه المراكز من قبل رجال لا يدركون احتياجات النساء الخاصة، مما يزيد من تعقيد معاناتهن، إلى جانب النقص الكبير في المساعدات الأساسية، وتجبرن على خوض معارك يومية من أجل البقاء، مثل جمع الحطب وإشعال النار للطهي في ظل انعدام الغاز والكهرباء والبحث عن طعام لأسرهن، كذلك تقضين ساعات طويلة في طوابير المياه للحصول على كمية ضئيلة تكفي بالكاد لتلبية احتياجات أسرهن؛ بحسب ما قالته ماجدة قديح.

وأوضحت أن هذا العبء الجسدي يضاف إلى صعوبات الحياة في بيئة تنعدم فيها الخصوصية، حيث تتزايد معدلات العنف الأسري الذي يُمارس علناً دون حرج، ووسط هذه الظروف يعاني العديد من النساء من تدهور نفسي حاد نتيجة الصدمات المتكررة، خاصة في ظل القصف العشوائي الذي لم يسلم منه حتى مراكز الإيواء هذه الحياة القاسية تفرض عليهن صراعاً يومياً للبقاء، حيث تتحملن مسؤوليات تفوق قدرتهن، في حين يواصل العالم تجاهله لمعاناتهن المستمرة.

وأضافت "هناك الكثير من المشكلات الفادحة التي تواجه الفتيات الصغيرات على وجه الخصوص لا يمكن الافصاح عنها سوى لعائلتها أو للجهات المختصة بسبب المجتمع الذي لا زال تغزوه العادات والتقاليد تحت مسمى وصمة عار، لذلك لابد أن تنفذ جلسات وورش توعوية كحلول أولية ومتاحة في هذه الأوضاع المقيدة للإمكانيات وتستهدف هذه الفئة الحساسة حول كيفية حماية أنفسهن أثناء الطوارئ، فوضع المرأة في المخيمات كارثي للغاية ولا يمكن وصفه".

 

الصمت الدولي والتجاهل الفاضح

وأعربت عن استيائها من صمت العالم حيال معاناة النساء في غزة "أوضاع النساء في غزة تتجه نحو الهاوية وسط صمت العالم عن معاناتهن، وعدم توفير أدنى المقومات وأبسط الحقوق لهن، حيث لا يتم تسليط الضوء على معاناتهن، أين هي المؤسسات الدولية التي تدعي دعم النساء؟ وأين هو الرأي العام العالمي من معاناة المرأة الفلسطينية؟".

وأوضحت ماجدة قديح أن الناشطات النسويات في غزة تواجهن تحديات هائلة في التواصل مع المؤسسات والجهات المعنية بسبب انقطاع الاتصالات وصعوبة التنقل بين المناطق المختلفة في ظل القصف العشوائي "نحن نعيش تحت حصار شامل أدى إلى ارتفاع أسعار المواصلات، ونقص السيولة المالية التي أصبحت أزمة محلية كبرى، هذه التحديات جعلتنا نتقاعس عن تقديم الخدمة للنساء رغماً عنا، ولكننا نحاول بكل ما بوسعنا تقديم العون للنساء ضمن الإمكانيات المتاحة".

ولفتت النظر إلى أن الناشطات النسويات لا تملكن الصلاحيات الكافية للإشراف على تقديم الدعم للنساء والفتيات في مراكز الإيواء، بسبب تسلط الرجال على إدارة هذه المراكز "هذا التسلط يحد من وجود المرأة في لجان الإدارة، مما يتركنا كناشطات مقيدات ضمن جهودنا الشخصية فقط، نحن نحاول تقديم الدعم من خلال المؤسسات التي نعرفها ونتعامل معها، ولكن ذلك لا يكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للنساء".

 

مطالب ملحة بتحسين الخدمات المقدمة للنساء

وطالبت المؤسسات المعنية بإعادة النظر في الخدمات المقدمة للنساء في مراكز الإيواء "يجب أن تقدم هذه الخدمات من قبل أشخاص أكثر إلماماً بوضع المرأة واحتياجاتها، ويجب أن تكون النساء هن من يقدمن الرعاية والدعم لنساء أخريات، وليس الرجال، كما أكدت على ضرورة توسيع نطاق المساعدات لتلبية احتياجات النازحات بشكل كامل، وإنشاء نقاط إرشاد ودعم نفسي واجتماعي داخل مراكز النزوح للتخفيف من حدة الضغوطات النفسية التي تعشنها يومياً".

واختتمت الناشطة النسوية ماجدة قديح حديثها بتوجيه رسالة لنساء العالم أجمع "أين أنتم عن المرأة الفلسطينية التي تناضل بكل ما تملك؟ تقاتل وحدها في ساحة المعركة دفاعاً عن نفسها وأسرتها ووطنها، نحن نتعجب من صمت العالم عن حجم المعاناة والدمار الذي نمر به، النساء الفلسطينيات تناضلن لتأمين أبسط احتياجاتهن، ورغم ذلك، لا يسلط الضوء على معاناتهن، فالمرأة الفلسطينية تقاتل في معركة يومية من أجل البقاء، وتستحق أن يقف العالم معها، وليس أن يتجاهلها".