النساء في غزة بين لهيب الفقدان والصمود في وجه الهجمات

تعاني نبيلة بهار من أهوال الحرب والعنف الوحشي الذي يراودها بعد محاصرتها داخل منزلها، ومعايشتها أحداث مروعة في صورة تجسد الصمود والألم اليومي الذي تعيشه الفلسطينيات.

 نغم كراجة

غزة ـ تعاني النساء في غزة من ظروف قاسية، خاصة خلال العمليات العسكرية التي تشهدها المنطقة باستمرار، وتواجهن مشاهد وأحداث تفوق الوصف، حيث تُجبرن على مواجهة الخطر وحدهن، وتتعرضن للعنف الجسدي والنفسي جراء تشتت عائلاتهن وفقدان ذويهن.

أحداث العنف الدامية التي يعيشها قطاعُ غزة منذ بدء الحرب، تؤكد قطعاً أن إسرائيل لا يتوانى عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد المدنيين، ومن بين القصص المأساوية التي تشهد على هذه الوحشية برزت قصة مقتل محمد بهار الذي كان يعاني من متلازمة داون؛ لتثبت هذه الحادثة مدى التجرد من الإنسانية وعدم الاكتراث بحياة الأفراد حتى لو كانوا من ذوي/ات الاحتياجات الخاصة.

 

بداية الاقتحام… الموت من مسافة صفر

والدته نبيلة بهار، كانت شاهدة على هذه الجريمة، وتروي كيف أجُبرت هي وعائلتها على مغادرة المنزل تحت تهديد السلاح، ودخلت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية إلى المنزل لتصوير ما بداخله والتأكد من هويتهم وتقول "في اليوم السابع من حصار حي الشجاعية، تفاجئنا أن الآليات الإسرائيلية تمركزت على باب منزلنا وأصابتنا نوبات صدمة ورعب، وبقينا نصرخ بكلمة واحدة وهي نحن مدنيون كي نخرج من المكان قبل هدمه على رؤوسنا أو حرقه، لكن صرخاتنا لم تجدي نفعاً أمام تعنت وهيمنة القوات الإسرائيلية التي أطلقت القذائف والرصاص حول المنزل قبل اقتحامه".

ولفتت إلى أنها لم تتمكن من الهروب في اللحظات الأولى من مداهمة حي الشجاعية لأنها لم تستطيع جمع أبنائها والهروب سريعاً، فقد كانت الآليات والقوات أسرع من قرارهم بالفرار "قررنا البقاء في المنزل لأن قناصة القوات الإسرائيلية تستهدف كل جسم متحرك في المنطقة، وجهزنا أنفسنا في حال استطعنا أن نهرب لكن القدر كان له مشيئة أخرى".

 

أحداث ومشاهد مروعة تحت الحصار والنيران

وأوضحت أن "القوات الإسرائيلية بدأت بتفجير الطابق الأرضي من المنزل مصطحبة كلاب بوليسية، ثم سمع أحد الجنود أصوات الأطفال في الشقة العليا فاقتحموا المكان الذي اختبأنا به رافعين أيادينا وقام نحو أربعين جندي بتصويب أسلحتهم الثقيلة نحونا، وقام أحد الكلاب بتفقد الغرف بينما كان ابني محمد جالساً في غرفة وحده منفصلاً عنا ظناً منا أنهم لن يقتربوا من شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، نظراً لأنه لا يعرف سوى الطعام والشراب وليس لديه معرفة بما يدور من حوله، وفي لحظة مرعبة، سمعت صوته يناجي ذهبت مسرعة لتفقده رأيت الكلب انقض عليه وينهش جسده بطريقة وحشية".

بقيت نبيلة بهار تستنجد وتناشد القوات بأن يبعدوا الكلب عن ابنها الذي يئن من شدة الألم وتقول "لقد سمعت صوت أنينه وهو يحاول إبعاد الكلب عن جسده الذي ينزف دماً ويقول له بصوت مرتجف اتركني يا حبيبي، لم يتمكن أحد من إنقاذه، فقد كانت الأسرة تحت تهديد السلاح، تشاهد بعجز كيف يُمزق ابنهم أمام أعينهم".

وأضافت أن ابنتها حاولت أن تذهب للغرفة التي يجلس بها ابنها مكلوماً وعاجزاً للاطمئنان عليه بعد اختفاء صوت أنينه، لكن أحد الجنود قام بصدها ولجمها بالسلاح الثقيل في يدها ومنعها من الدخول أو حتى التحرك في المنزل.

بعد أن ابتعد الكلب البوليسي عن ابنها، أخذه الجنود إلى غرفة أخرى، وحاولوا علاج جروحه بطرق بدائية لا ترقى إلى مستوى الرعاية الإنسانية "سمعت صوت ابني وهو ينادي يريد الماء، لكن صوته انقطع بعد فترة قصيرة وأدركت حينها أنه قد فارق الحياة، وبعدها بساعة أمرنا القوات بمغادرة حي الشجاعية رافعين الراية البيضاء، في صورة قاسية"، مشيرةً إلى أنهم هربوا من تحت النار والرصاص وانتقلوا من منزل متضرر لآخر حتى يهدأ الوضع؛ ليستطيعوا المشي في الشارع دون أن يتأذى أحد فيهم "بعد ساعات رأينا مجموعة من العائلات تنزح قمنا بالفرار معهم ودموعي تنهمر لأن ابني بقي وحده يواجه مصيراً مجهولاً".

وأشارت إلى أن القوات الإسرائيلية قاموا باعتقال اثنين من أبنائها وحتى هذه اللحظة لا تعرف عنهم شيئاً "ذقت مرارة الفقد حتى أنهكني الحزن".

 

صدمة العودة بعد الانسحاب... وجدت ابنها جثة هامدة ومتحللة

وعند عودتهم إلى المنزل بعد انتهاء العملية العسكرية، وجدت العائلة ابنها محمد بهار ملقى في الغرفة، مقتولاً مضرّجاً بدمائه وقد بدأ جثمانه يتحلل والسوائل تخرج منه، وتبين حينها أن القوات الإسرائيلية قاموا بلف جروحه بشاش أبيض فقط وتركوه ينزف حتى لقى حتفه في مشهد مجرد من الإنسانية، ووصفت نبيلة بهار كيف يراودها مشهد الكلب وهو ينهش جسد ابنها وينسل لحمها، ولم تستطع إنقاذه من الجنود وكلابهم "لا يمكن أن يفارقني هذا المشهد مدى الحياة".

 

معاناة النساء في غزة... ضريبة استمرار الحرب

وخلال العمليات العسكرية، تجد النساء أنفسهن محاصرات في منازلهن، يرافقهن الخوف والرعب من الهجمات، وتجبرن على الخروج من منازلهن تحت تهديد السلاح، تاركات وراءهن كل ما تملكن، المرأة الفلسطينية لا تواجه خطر القتل فقط، بل تعاني من فقدان الأحبة والتشرد، مما يضيف أعباء نفسية وجسدية هائلة على كاهلها، والأمهات في غزة تحديداً تتحملن عبء حماية أطفالهن في ظل الظروف المأساوية، محاولاتهن المستمرة للحفاظ على سلامة عائلاتهن تتسم بالشجاعة والصبر، لكنها غالباً ما تكون بلا جدوى في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية وتبقين وحيدات في مواجهة المأساة، في ظل صمت دولي يعجز عن تقديم أي نوع من الدعم الحقيقي لهن.