النرجس البري... مصدر رزق لأطفال إدلب
مع إشراقة كل صباح ينطلق الأطفال في إدلب لجمع باقات الأزهار، يجوبون الطرقات الوعرة متحدين مخاطر الجبال، بهدف الحصول على بعض الأموال البسيطة التي تساعدهم في تأمين مصاريفهم، وسط غياب المنظمات الحقوقية التي تندد بعمالة الأطفال.
لينا الخطيب
إدلب ـ يشكل فصل الشتاء فرصة للعديد من أهالي إدلب لجني أزهار النرجس من الجبال والبراري، ويشارك الأطفال في هذا العمل المضني، لتأمين لقمة العيش، معرّضين حياتهم للخطر.
الطفلة سلام الكامل التي تبلغ من العمر 10 أعوام نازحة من بلدة حاس جنوبي إدلب إلى بلدة رأس الحصن شمالي إدلب، تتوجه صباح كل يوم برفقة شقيقها الأصغر، باحثين بين الصخور عن أزهار النرجس بهدف بيعها وتحصيل بعض المال لشراء الدواء لوالدتهم التي تعاني من مرض الربو التحسسي، وعن ذلك تقول "يعد قطف النرجس البري من المهن الصعبة، لأن قطاف عدة طاقات من النرجس يحتاج إلى وقت طويل، كما نجد صعوبة ونتعرض للمخاطر، نتيجة نموه في المنحدرات والجبال".
وبينت أنها تقوم بعد الانتهاء من عملية القطاف بفرز الورود وربطها في طاقات صغيرة، ثم تقف مع شقيقها على ناصية الطريق لبيعها للمارة وأصحاب السيارات.
ولفتت إلى أنها فقدت والدها في سجون حكومة دمشق منذ أكثر من 5 أعوام، لذا تدفعها حالة الفقر التي تعيشها مع والدتها وأخوتها الثلاثة، للعمل للمساهمة في الإنفاق وتأمين الطعام والدواء "نساعد أسرتنا ببعض المبالغ البسيطة، فهذا العمل الوحيد الذي نتقنه".
وأوضحت أنها ترفض العودة إلى منزلها مع شقيقها قبل بيع جميع الزهور التي بحوزتهما، على الرغم من قساوة برودة الطقس عليهما.
أما الطفل وليد الخروب البالغ من العمر 11 عاماً نازح من منطقة جبل الزاوية إلى بلدة بسنيا شمالي إدلب، فقد تعرض لكسر في يده أثناء جمع أزهار النرجس، وعن ذلك يقول "بعد وفاة والدي وزواج أمي أعيش مع جدي وجدتي المسنين، وأزاول أي عمل لأساهم في الإنفاق وتأمين حاجياتنا اليومية في ظل الغلاء والنزوح".
وأوضح أنه سقط أثناء جمع الأزهار من الجبل القريب من مكان سكنه، ما أدى لكسر في يده "أنتظر شفاء يدي لأعود إلى العمل مجدداً"، مشيراً إلى أنه لا يذهب إلى المدرسة لعجزه عن تأمين مصاريف المدرسة ولوازمها من كتب وقرطاسية.
من جانبها أوضحت المهندسة الزراعية نور الحسن (44) عاماً استخدامات زهرة النرجس "النرجس من الزهور الشتوية التي تنبت على سفوح الجبال في الفترة الممتدة بين تشرين الثاني إلى آذار من كل عام، وتستخدم في الزينة وصناعة العطور، كما يفيد زيت النرجس كمقوي للأعصاب، ومضاد للتشنج، وخافض للحرارة، مقوٍي للقلب والدماغ، ويمكن لها أن تحافظ على رونقها الطبيعي لمدة 12 يوماً بعد قطفها، كما يسعد الناس بمشاهدتها وتنشق عبيرها، ويقدم بعضهم على شرائها لتزيين البيت أو تقديمها كهدية".
وبينت أن الأزهار تشكل مصدراً للدخل عند بعض الأسر الفقيرة وفرصة للأطفال لجنيها ومن ثم تسويقها وبيعها بأسعار رمزية "لا تكاد تتعدى سعر الطاقة من الزهر 10 ليرات تركية، وهو مورد اقتصادي يكاد يكون شبه يومي لهم، وخاصة أن هذا الموسم سينتهي بعد فترة وجيزة".
وبدورها تحدثت المرشدة الاجتماعية نوال الحميدو البالغة من العمر (34) عاماً من مدينة الدانا شمالي إدلب عن عمالة الأطفال "تشهد أغلب المناطق السورية، وعلى وجه الخصوص مدينة إدلب، مستويات عالية لظاهرة عمالة الأطفال؛ بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتداعيات الحرب".
وأشارت إلى أن الأهالي يدفعون بأبنائهم إلى العمل بمهن مختلفة لتكون مصدر رزقهم، دون التفكير بمخاطر هذه المهن ومشقتها على أطفالهم، ومدى تأثيرها على أجسادهم الصغيرة".
وأكدت أن عمالة الاطفال لا تؤدي فقط إلى حرمانهم من طفولتهم، بل تمنعهم أيضاً من الالتحاق بالمدارس، وبالتالي تحرمهم من فرصة الحصول على مستقبل أفضل، كما يلحق الأذى بنموهم الجسدي والذهني ووضعهم الاجتماعي.