العنف والإهانة مصير من لا تلد ذكراً
العقلية الأبوية متجذرة في العديد من المجتمعات وتتسبب في المعاناة التي تعيشها النساء، ولكن التخلص منها ليس بهذه السهولة فهي ممتدة لآلاف السنوات وهناك منظومة متكاملة تحميها لتبقي المجتمعات تحت سيطرتها.
سارة محمدي
جوانرود ـ يعتبر تفوق الطفل الذكر أمراً تقليدياً، وهو متجذر في عدم المساواة بين الجنسين نتيجة العقلية الأبوية السائدة في العديد من البلدان، وخاصةً في المجتمعات التقليدية مثل إيران وشرق كردستان.
تنتشر الكثير من العبارات التي تشكو حال رجل ليس لديه إلا إناثاً كمن يقول فلان فقير وليس له إلا بنت، وفلان لم ينجب إلا الفتيات وسينقطع ذكره وتنتهي سلالته ولم ينجب طفلاً يحمل اسمه، أو فلان مسكين رزق بطفلة ثالثة حتى أن المرأة توصم مجتمعياً كونها لا تنجب ذكوراً.
هذه الأفكار الرجعية تزيد من ممارسة العنف ضد المرأة ويتم الحفاظ على هذه المعتقدات وتنقل من جيل إلى آخر ودون وعي تساهم المرأة في استمرار ثقافة الجنس الآخر.
تقول عائشة محمدي، وهي امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً، ولديها ابنتان الكبرى تبلغ من العمر 18 عاماً والصغرى 13 عاماً، أن أفكار المجتمع تجرحها وأن ذلك بسبب الذهنية الأبوية التي تغلغلت في كل فرد "الابن أو الابنة هو استمرار الجيل، ولكن تفضيل جنس على آخر يؤدي إلى عدم المساواة بين الجنسين وسيطرة العقلية الأبوية، هذه العقلية التي تعود جذورها إلى آلاف السنين، والتي بدأت عندما أخذ الرجل القيادة من المرأة وسرقوا إنجازاتهن ونشروا أفكار تقلل من مكانة المرأة وتهمشها".
ولفتت إلى أنه يجب تغيير العقلية الأبوية ونظرة المجتمع لهذا الأمر "زوجي مثلي لا يعتبر إنجاب الفتاة مشكلة، وبالنسبة لكلام الناس لا يعيره أي أهمية رغم أنه في بعض الأحيان النقد المستمر يخلق توتراً بيننا ولدى ابنتينا، لكننا نملك وعياً بأن لا ندع هذا التفكير يؤثر على أفكار ابنتي، فلقد علمتهما أن الرجال والنساء متساوون ولا يوجد فرق بينهم حتى يتمكنوا من نقل هذا التفكير إلى أطفالهم، وعلينا نحن النساء أن نغير العقلية الأبوية التي تجذرت في كافة مستويات المجتمع وحتى لدى النساء لأن استمرار العقلية الأبوية لصالح الرجال، ولذلك لن يبذلوا هم أي جهد لتغييرها، علينا نحن النساء أن نبدأ بأنفسنا وبأطفالنا ونعلمهم المساواة بين الجنسين".
وأشارت عائشة محمدي إلى أنها لا تنوي الحمل مرة أخرى بسبب الوصمة المجتمعية، "لا أنوي الحمل مرة أخرى أو إنجاب ذكر بسبب معايرة الناس لي. لا أريد لبناتي أن يشعرن بالخجل وأن يشعرن بأن الفتاة أقل شأناً من الولد وأن أمهن أو أباهن سيفعل أي شيء من أجل إنجاب ولد، أريد أن أكون قدوة لهما لتدمير النظام الأبوي والعقلية السائدة".
أما شهناز. م التي تبلغ من العمر 60 عاماً وهي أم لستة بنات منهن 5 متزوجات، وواحدة عمرها 17 عاماً عزباء قالت "لقد أمضيت حياتي كلها وأنا أتلقى الضرب من زوجي بسبب إنجابي للفتيات إضافةً لنظرة الاستخفاف التي يرمقني بها من حولي".
هذه المرأة الستينية تشرد بنظراتها إلى الزاوية وتبدو آلامها حديثة العهد قبل أن تقول "تزوجت من رجل يبلغ من العمر 30 عاماً وعمري 14 عاماً ففي ذلك الوقت، لم يكن لدى الفتيات أي إرادة في اختيار الزوج، وتعقدت حياتي بعد إنجابي لابنتي الثالثة، وزوجي تأثر كثيراً بآراء المحيطين فكان كلما عاد إلى المنزل انهال علي بالضرب لأنني لم أنجب ذكراً وألقى اللوم علي في ذلك ورغم أنني طلبت المساعدة من عائلتي لأنفصل عنه إلا أنهم أعادوني إلى الذل في منزله لأنهم يعتبرون الطلاق عار".
وأضافت "لن أنسى أبداً الضرب والإساءات التي تعرضت لها، لا أنسى عندما ولدت ابنتي السادسة، كيف تعرضت للضرب فور خروجي من المستشفى، لقد كانت بناتي ترتجفن من الخوف، مختبئات في زاوية الغرفة وشهدن على تعذيبي".
وتحرص شهناز. م على ألا تعاني بناتها ما عانته وترى أنه عليهن ألا تفرقن بين الذكور والإناث "أقول لبناتي أن عليهن تربية أطفالهن بطريقة لا تفرق بين الأولاد والبنات، وأقول لهن أجعلن آخر امرأة تعرفنها تتضايق بسبب ولادة طفلة هي والدتكن. أحب بناتي كثيراً وبرأيي لا يوجد فرق بين الفتيات والفتيان، ولكن رغم اهتمامهن بنا إلا أن زوجي ما يزال يقول إن الموقد أعمى".
فيما ترى آسيا. م التي تبلغ من العمر 44 عاماً ولديها ابنتان أن المجتمع يضغط على المرأة في مسألة الإنجاب وأن "هناك ميل كبير لإنجاب الأبناء لذلك فالحوامل لأول مرة، يتطلعن إلى إنجاب صبي ويذهبن إلى الطبيب من أجل ذلك، وطرق التفكير هذه تنبع من العقلية الأبوية وهذه القضية في المجتمع يجب أن تتغير، لأنه إذا استمرت سنرى زيادة في العنف ضد المرأة".
وأشار إلى أنه يجب تغيير طريقة التفكير بأن الابن هو أصل الأسرة واستمرار جيل الأب المتجذر في العقلية الأبوية، "في بعض الأحيان نتعرض للإساءة من قبل الأشخاص من حولنا والمجتمع، حتى أنني أسمع من أقرب الناس إلى عائلتي وزوجي أنه في النهاية سيأتي زوجي بامرأة أخرى لأنني لم أنجب ذكراً، ومرة قال عم ابنتي أن أموال زوجي ستذهب إلى أصهاره لأنه لم ينجب وريثاً، وعندما سمعت ابنتي ذلك وهي بعمر الـ 13 عاماً أصيبت بالاكتئاب وأصبحت تتمنى أن يكون لها أخ حتى لا يهيننا أحد".
ولفتت إلى أنها كانت حازمة في الرد وقالت لابنتيها أنه "لا يوجد فرق بين الأولاد والبنات جميهم متساوون. نحن بشر بغض النظر عن جنسنا أو ديننا أو جنسيتنا، وما إلى ذلك".