العنف ضد المرأة في تزايد... الأسباب متعددة والحلول غائبة

بات العنف ضد المرأة في تونس ظاهرة مخيفة دفعت بالمجتمع المدني لإطلاق صيحات فزع في العديد من المناسبات لحماية النساء وتطبيق القوانين الرادعة بشكل أكثر صرامة وتعزيز العوامل المساعدة على ذلك.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ يزداد العنف حدة كلما زاد تفشي عدم المساواة والحروب والنزاعات أو وقوع كوارث طبيعية، وآليات الحماية مازالت بدائية في التعامل مع الظاهرة.

العنف ضد المرأة بجميع أشكاله لا مبرر له ولا يمكن الحديث عن أسرة سليمة ومجتمع سليم إن كانت المرأة معنفة داخله، ومن الأمثلة المطروحة للتأكيد على خطورة العنف على المرأة والأسرة وبالتالي المجتمع حكاية "مريم، ي" التي تزوجت من رجل فقير الحال بمدينة القيروان التونسية، حيث عانت معه سنوات من الفقر والحرمان ومشقة العمل بالفلاحة، وبفضل عملها ومساعدة والدها أصبح وضعهما المادي أفضل من ذي قبل، حيث تقول "بعد أن تحسن وضعه المادي قام بخيانتي، وبسبب إصابتي بمرض سرطان الثدي تغيرت معاملته حيث قام بتعنيفي معنوياً ولفظياً وجسدياً، كما طلب مني الطلاق بالتراضي فرفضت ذلك".

وأضافت "مع إصراري على عدم الطلاق بالتراضي زاد عنفه ضدي، لذلك كنت مجبرة للجوء إلى مراكز الانصات التابعة للمجتمع المدني للمساعدة في الحصول على الحل المناسب لوضعي مع زوجي الذي بات يهددني بالقتل فلم أوافق على طلبه، كما أنه أجبر بناتي على ترك المدرسة ليقوم بتزويجهن على الرغم من أنهن قاصرات، إلى جانب تشغيل الأولاد بأعمال صعبة مقابل أجور ضعيفة".

وأكدت أن ذلك انعكس سلباً على صحتها، فقد فاقم من حدة مرضها لتصبح بحاجة للعلاج الكيماوي إلى جانب الراحة النفسية التي حرمت منها، مضيفةً أنها توجهت في أكثر من مرة إلى مركز الأمن التابع لمدينتها لتتقدم بشكوى ضد زوجها الذي انتهك كافة حقوقها، ثم تقوم بسحبها وإسقاطها مراعاة لأولادها، لكن ذلك لم يردعها عن تعنيفها بل على العكس ساهم في زيادة معدل العنف ضدها بأشكاله المختلفة.

ولتفسير ارتفاع منسوب العنف ضد النساء في تونس الذي وصل إلى التهديد بالقتل وتنفيذه في بعض الحالات، تقول منسقة برنامج مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث هادية بلحاج يوسف إن "ظاهرة العنف ضد النساء عالمية، ولا تنتشر في دولة معينة أو بلد معين دون غيرها، لكن للأسف تنتشر ضد النساء لكونهن نساء واستباحة أجسادهن ظاهرة موجودة أساساً ضدهن، نظراً للعديد من الذرائع والحجج منها الدفاع عن الشرف أو لأنها تابعة له  كالابنة أو الزوجة أو الأخت، والأفظع من ذلك أن هذه الذرائع أن المجتمع يتقبلها بكل رحابة صدر".

وأضافت "يزداد العنف حدة كلما زاد تفشي عدم المساواة بين النساء والرجال أو في حالات الحروب والنزاعات أو وقوع كوارث طبيعية، فمع انتشار وباء كورونا تضاعف العنف سبع مرات ضد النساء كوننا لأول مرة نعيش عملية الإغلاق والعيش في فضاء واحد طيلة اليوم وهو ما شجع على تفاقم العنف رغم أننا للأسف لم نأخذ العبر من ذلك ولم نكثف طرق وأساليب التوعية وحماية النساء".

ولفتت إلى أنه "على الرغم من وجود القانون رقم 58 وأهميته وما فيه من تنصيص على الحماية والوقاية والعقاب ووضع آليات الحماية، كما أن الدستور التونسي قبل إصدار القانون 58 لم يكن يتسامح مع القتل، إلا أننا لاحظنا أنه بعد عام 2011 هناك تسامح أو استباحة في قتل النساء، وفي 2023 المجتمع المدني أطلق صيحة فزع على خلفية تسجيل 30 حالة قتل، أي بمعدل امرأة أو اثنتين في الشهر، وهذا أمر لا يمكن أن نقبله، وفي شهر رمضان الفائت سجلنا حالة قتل فظيعة من طليق رفض حكم الطلاق ليودي بحياة الطليقة ووالدتها وخالها".

وأضافت أنه "توجد مسألة أخرى تفيد بأن القانون رقم 58 ريادي لكن آليات الحماية مازالت بدائية في التعامل مع الظاهرة، فالمرأة التي قتلها طليقها تقدمت بشكوى لمركز الأمن قبل وقوع الجريمة، ليقوم بتحرير التزام عدم التعرض فقط، في الوقت الذي يستوجب فيه إرسال مرافقة ومراكز إيواء لحماية الضحية".

واعتبرت هادية بلحاج يوسف أن "ارتفاع جرائم القتل ضد النساء وفظاعتها مرتبط بالعديد من العوامل على رأسها الركود الاقتصادي والبطالة وأيضاً ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات والإدمان وسيطرة العقلية الذكورية التي تفرق بين المرأة والرجل في المكانة والحقوق، كما تشجع على استباحة جسد المرأة واعتبارها الحلقة الأضعف التي يفرغ عليها طاقاته السلبية وانكساراته من أي شيء أو عدم حصوله على ما يريد، فإذا تعرض لمضايقات في العمل أو الشارع يعود إلى المنزل ليتعامل بكل عنف وخشونة مع انبته أو زوجته أو أمه".

وأكدت أن "هذه العوامل تستوجب التدخل العاجل لوضع حد لها، فالعنف لن يتوقف والتوعية أو التعاطي الإعلامي لا يكفي في ظل وجود مشاكل اجتماعية قد تخلق عنفاً مضاعفاً على غرار البطالة وتفشي ظاهرة الادمان على المخدرات، فالرجل الذي قتل ثلاثة ضحايا في وقت واحد كان يتعاطى المخدرات وعاطل عن العمل، وهناك من قتل والدته وأخوته لذات الأسباب".

وفي ختام حديثها لفتت إلى أن "العنف ضد المرأة في تونس يتطلب مقاربة شاملة تتدخل فيها جميع الوزارات، بالإضافة لكيفية الحد من تعاطي الشباب للمخدرات لاسيما أنه ليس لدينا مركز لمساعدتهم على الحد من الإدمان الذي يعد من الأولويات التي يجب وضعها على الطاولة كون تداعياتها الأخطر على الإطلاق".