العنف المبني على الشكل... هوس وتسليع للمرأة
تفرض المنظومة الأبوية والرأسمالية أنماطاً ومعاييراً للجمال على كافة أفراد المجتمع، ولكن النساء تعدن الأكثر تأثراً بذلك وهو يعتبر أحد أشكال العنف ضدهن.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ أصبحت اتجاهات الموضة والصراعات هاجساً للعديد من النساء، حيث تتابعن ما تفرضه عليهن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات وغيرها، كالتشبه بصورة نمطية تفرضها المنظومة الأبوية والرأسمالية.
تقصى المرأة من المجتمعات ويمارس عليها نوعاً من التنمر والعنف بهدف الوصول إلى صورة معينة، حيث يضع المجتمع الذكوري قالباً ونمطاً محدداً للشكل والملابس التي عليهن ارتدائها، ليصل إلى حد تسليعهن.
أوضحت الناشطة النسوية وعضوة مجموعة نون التضامن النسوية جيسيكا العريضي أن أحد أهم المواضيع التي يعملون عليها هو العنف المبني على النوع الاجتماعي، فهناك ممارسات ظاهرة للعيان، بينما هناك ممارسات ترتكب وراء الكواليس، وتتسبب بأذى نفسي.
وأشارت إلى أن النساء الأكثر تعرضاً للعنف حيث يتم وضعهن في قوالب نمطية "لا سلطة لنا على أجسادنا وأشكالنا، لأن المنظومة الأبوية التي كلنا ضحاياها، لديها معايير وقوالب معينة تنمط دورنا، فالنساء والرجال ضحايا ما توصله هذه المنظومة والرأسمالية والتسويق سواء من خلال الأشعار أو الكتب أو المسلسلات أو الأغاني، وقد لا نعرف مدى تأثيرها فمن الممكن أن تتسبب بمشاكل وتترك آثاراً نفسية".
وأوضحت أن مسابقات الجمال واحدة من الأشكال التي تروج للعنف المبني على الشكل "مسابقات الجمال تضع النساء والفتيات في قوالب ومعايير محددة من حيث الطول والوزن والشكل، فالمشكلة تكمن في أنه تم توجيه النساء إلى فكرة أنه عند النظر إليهن عليهن أن تكن متشابهات، وهو ما يتم الترويج له، فتندفع النساء لإجراء عمليات تجميل ربما تطول لساعات، وهو ما يفقدنا شخصياتنا وحقيقتنا"، مشددةً على ضرورة أن تهتم المرأة بنفسها وتشعر بالرضى عن نفسها بعيداً عن آراء من حولها، فهي حرية شخصية.
ولفتت إلى أنه يتم الترويج لمعايير الشكل الذي يريدون على جميع النساء تبدين عليه، من خلال التسويق والترويج سواء للمنتجات أو العمليات الجراحية التي كما يسمونها بالتجميلية, ويشمل الملابس ومنتجات التجميل كالبوتوكس والفيلرز، وهو نتاج الرأسمالية "عندما نشاهد اليافطات والإعلانات على الطرقات لمنتج ما، نرى نساءً نحيفات للغاية وهن تضعن الكثير من مواد التجميل، ومن خلال ذلك يوصلون للنساء بشكل مباشر أو غير مباشر أن النحافة من معايير الجمال".
ونوهت إلى أن ذلك يخلق هوساً لدى المرأة، حيث دائماً ما تقوم بمقارنة نفسها بالأخريات "إن النساء تحاولن اللحاق ب معايير الجمال كما يصفونها، من الجيد أن هناك مبادرات للتوعية، فالجميع يقع ضحايا هذا العنف الغير مباشر، والمفاهيم التي تروّج لها المسلسلات لأشكال النساء والرجال"، مشيرةً إلى أن ذلك لا يقتصر على النساء فقط، بل تعدى الأمر إلى دفع الشباب والرجال لإجراء عمليات جراحية تجميلية.
وأضافت "عند الحديث عن عمليات التجميل، فلا يمكننا إغفال كون هناك عمليات تصحيحية لتشوهات معينة، ونعود هنا لمفهوم الرضى والقبول، وأن يكون ناتجا عن قناعة شخصية ورضى تام ووعي".
من جهتها قالت الإعلامية والناشطة النسوية مريم ياغي "بالنسبة لي من أسوأ تمثلات العنف الجمالي، ابتداع قالب نمطي جديد عام بعد آخر، تُزج المرأة بداخله، ومعايير جمالية تسعى للالتزام بها في سبيل أن تعجب الآخرين، وتنتظر رأيهم بشكلها الخارجي".
وأوضحت "بالنسبة لي مسابقات الجمال أو مسابقات ملكات الجمال، تخضع النساء لما يريده المجتمع، ويزج بهن في خانة الشكل الخارجي بعيداً عن الكفاءات والإمكانيات والقدرات، وهي ذكورية بمكان عميق، وتجسد ليس العنف الجمالي فحسب، وإنما البيئة الذكورية".
وتأسفت من أنه تم خلق مسابقات موضة للأطفال "باتت الكثير من العائلات تشرك أطفالها في مسابقات الجمال، والأخطر في هذا الموضوع أنه يتم تنميط الطفل/ة من الصغر على ما هو العنصر الذي يهتمون به، وبعيداً عما يمكن أن يتسبب به من أثر جانبي جراء تلك المشاركة، حيث يظلون مقيدين بفكرة أن المجتمع كيف ينظر إلى شكلهم الخارجي، وكيف يتم الحكم عليهم، فأي تعليق سلبي على شكلهن الخارجي يحدث لهن تراكمات، ما يؤثر على وضعهن النفسي، فما بالكم بالنسبة إلى الطفلات غير القادرات على التخلص من الطاقة السلبية التي تتلقينها، كونهن لا تستطعن التعامل مع الأحكام التي تطلق عليهنّ من قبل المجتمع، وكيف يتم المقارنة بينها وبين غيرهن من الأطفال، وأنه عليهن العمل جاهداً رغم صغر سنهن للوصول إلى المعايير التي تم وضعها لهن".
وأوضحت أن "العنف المبني على الجمال بلغ حد التسليع، وعدم تقبل المرأة إلا إذا كان شكلها يوافق كل المعايير والمواصفات التي تنسجم مع ما تريده المنظومة الاقتصادية التجارية لتكون النساء على ما يريدونه منهن لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب شكل وجسد وعقل وطاقات المرأة، وبالتالي أصبحت جزء لا يتجزأ من المنظومة الرأسمالية الذكورية".
وترى أن العنف المبني على الشكل من أشكال العنف المبطنة والخفية يمارس سواءً من قبل المجتمع أو المنظومة الاقتصادية والتجارية حيث يتم استغلالهن وإخضاعهن، ووصفهن بأنهن غير جميلات، وهذا الشكل من العنف لا يؤثر على النساء فقط بل المجتمع بأكمله، على سبيل المثال أن يتم وصف النساء ذوات البشرة السمراء بأنهن أقل جمالاً من اللواتي تتمتعن ببشرة بيضاء، لتسرع هؤلاء النساء إلى بشرتهن لتكن منسجمات مع ما يسمونه بمعايير الجمال، مشيرةً إلى أنه مؤخراً انتشرت موضة السولاريوم أي تسمير البشرة، بعدما تم الترويج للبشرة السمراء على أنها أكثر جاذبية.
وبحسب مريم ياغي فإن العنف المبني على الشكل لم يتوقف عند لون البشرة وشكل الوجه، بل وصل حد تحديد الوزن، حيث تشعر النساء اللواتي تعانين من بعض السمنة أنهن لسن جميلات، وكذلك الحال بالنسبة للنساء اللواتي تعانين من نقص الوزن، اللواتي تسعين لاكتساب بعض الوزن لتبدون جميلات من وجهة نظر المجتمع "هذه المعايير على اختلافها تعيد وضع إطار حول المرأة لإخضاعها".
وأكدت على أن لكل امرأة صفاتها التي تميزها عن غيرها، لذا يجب عليها أن تثق بنفسها "إن الهدف من نقدنا للمعايير الجمالية والذي بالإمكان اعتباره نسوياً واجتماعياً ونفسياً، ليس رفض النساء اللواتي تقررن الاهتمام بأنفسهن وفق سلوك معين باعتقادهن اهتماماً بالشكل الخارجي، بل توعيتهن لتثقن بأنفسهن".