'المواجهة الباكرة للسرطان تستوجب تضافر الأشخاص والمؤسسات'

يحاولن جاهدات تقبل الواقع، يرفضن الهزيمة والاستسلام، فيبحثن عن قشة النجاة في عيون أطفالهن وأحبتهن، يتبادلن فيما بينهن أحاديث الدعم والقوة، فترى معظمهن قد حولهن الداء من إنسان كئيب خاضع لإنسان قوي محب للحياة، السرطان ذاك اللعين، حاول قهرهن فقتلنه

أماني المانع 
دمشق ـ
يعتبر مرض السرطان من أكثر الأمراض فتكاً بحياة الإنسان، يتمثل بتطور خلايا شاذة تنقسم بطريقة لا يمكن السيطرة عليها، ولديها القدرة على التسلل وتدمير أنسجة الجسم الطبيعي، ويعد سرطان الثدي من أكثر الأنواع السرطانية التي تصيب النساء.
تسكن (ن. ش) ٤٥ عاماً وهي أم لثلاثة أطفال، ريف دمشق وتأتي لمركز المدينة لمتابعة علاج سرطان الثدي، تقول "التعب النفسي والجسدي يفوق كل الصعوبات، بعد استئصال الورم بدأت مرحلة العلاج الكيميائي".
ولا تخلو رحلة المريضات بالسرطان من مشقة قهر المرض خلال رحلة العلاج، "من الصعب تحديد أيهما أصعب الألم جراء المعالجة الكيميائية أم رحلة العلاج ومشقاتها، أو التعب الجسدي والنفسي بعد تغير ملامح الوجه والجسد وتساقط الشعر والتورم والتنميل، والأفظع الشعور باليأس، بالإضافة إلى نظرات الشفقة والخوف في عيون زوجي وأولادي".
يأتي سرطان الثدي بالدرجة الثانية بعد سرطان الجلد الذي يكون أكثر انتشاراً بين النساء، وغالباً ما تكون الكتل السرطانية الموجودة في منطقة الثدي من النوع الحميد ولا تهدد حياة المصابة، إلا إذا نمت تلك الكتل وتطورت مراحل نموها في هذه الحالة تكون المصابة أكثر عرضة لخطر النوع الخبيث من السرطان.
عانت (ر. ز) ٣٩ عاماً وهي أم لخمسة أطفال، من صعوبات مضاعفة خلال رحلة علاجها، فلم تكتفي بأنها مصابة بالسرطان، بل تعاني من مشقة السفر بين المدن أيضاً وتكلفة العلاج الباهظة الثمن، فقد كانت تسافر في بداية مرضها من ريف دير الزور إلى دمشق بعد عملية استؤصل فيها الورم لتبدأ بعدها مرحلة العلاج الكيميائي، تقول "كان الفاصل بين بعض جرعاتي والأخرى ١٥ يوماً، في مرحلة من مراحل علاجي، كنت أجري عدة تحاليل على حسابي الخاص بالإضافة لنفقات السفر والإقامة، لم أرغب بطلب المساعدة من أحد".
كثيراً ما يستخدم الأطباء العلاج الكيميائي لمرضى السرطانات من بينها سرطان الثدي بالإضافة إلى طرق علاجية أخرى كالجراحة أو العلاج الإشعاعي أو الهرموني، ويستخدم العلاج الكيميائي لزيادة فرص التعافي أو تقليل مخاطر عودة الإصابة بالسرطان أو تخفيف الأعراض الناتجة عنه، وينطوي على احتمالية تعرض المريضة لآثار جانبية بعضها مؤقت وخفيف، والبعض الآخر أكثر حدة أو دائم.  
(ف.ب) ٤٢ عاماً، استطاعت التغلب على سرطان الثدي والزواج بعد ذلك، فقد عانت خلال الحرب من صعوبة التنقل والوصول إلى المشفى قادمة من السويداء في زخم القذائف والحظر وتوقف السير، بالإضافة لندرة الدواء وفقدانه في أوقات كثيرة، والآن ترافق أختها البالغة من العمر ٤٠ عاماً لتلقي علاجها في ظروف مشابهة لظروف تلقيها العلاج في فترة انتشار جائحة كورونا، في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية الراهنة وارتفاع أسعار الأدوية وصعوبة التنقل.
وعن الأعراض الأولية التي تظهر على مريضات سرطان الثدي أو الرحم، تقول الأخصائية بأمراض النساء وجراحتها كفا حاج حمدو، "أن لسرطان الثدي أعراض وعلامات عديدة تظهر على المصابة كتغير في لون وشكل الجلد وقساوته، وتشكل كتلة في الثدي أو تحت الإبط، وكذلك تغير شكل الثدي أو حجمه مقارنة بالثدي الآخر، بالإضافة إلى تغيرات في الحلمة أو إفرازها لمفرزات مصلية دموية".
وتتابع "أما الأعراض الأولية لسرطان الرحم أو عنق الرحم، يشمل نزيفاً مهبلياً بعد الجماع، أو نزف رحمي شاذ خارج أوقات الدورة الطمثية وخاصة بعد سن اليأس، وألم بطني أو كبر بحجم البطن".
وفي إجابتها عن سؤالنا حول تأثير فيروس كورونا على مرضى السرطان، تقول "مريض السرطان أكثر عرضة للإصابة بالإنتانات عامةً؛ بسبب الضعف المناعي الناجم عن السرطان نفسه أو العلاجات الورمية بالإضافة إلى الأمراض المزمنة المرافقة له".
وأكدت أن مرضى السرطان أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بفيروس كورونا، وتقول "أن مرضى السرطان أكثر احتمالاً للإصابة بالعقابيل السيئة للفيروس مثل متلازمة العسرة التنفسية الحادة (ARDS)، والاختلاطات الخثارية، مما يرفع للأسف نسبة الوفيات الناتجة عن كورونا ضمن هذه المجموعة من المرضى".
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، من أن لفيروس كورونا تأثير عميق على تشخيص وعلاج مرضى السرطان في كافة أنحاء العالم، مشيرةً إلى أن سرطان الثدي أصبح أكثر أنواع المرض شيوعاً.
وحول كيفية تعامل الأطباء مع صدمة التشخيص وبماذا ينصح المرضى وعائلاتهم، تقول "لا بد من التنويه أولاً لذكر الحقائق الطبية كاملة أمام المريض وأمام ذويه في حال رغبته، والتأكد من فهمه للتشخيص تماماً مع مراعاة الطبيب استخدام ألفاظ مفهومة".
وتتابع "يجب شرح الخطة العلاجية المقترحة لكل من المريض والأهل مع مناقشة الإنذار والعلاجات حسب تفضيل المريض أو ذويه، ومتابعة المريض خلال المراحل الخمسة للصدمة أو الحزن، كالإنكار والغضب، المساومة والاكتئاب والتقبل".
وعن دور الجمعيات والمبادرات الداعمة وما تقدمه لمريضات السرطان في ظل الظروف المعيشية الصعبة، تقول "إن مشفى البيروني الجامعي حالياً والمشافي الأخرى التي يتم فيها علاج مرضى السرطان مثل مشفى ابن النفيس والمجتهد وغيرها، تنوء بالعبء الأكبر لتوفير الأدوية اللازمة لمعالجة المرضى؛ هناك أيضاً العديد من الجمعيات والمبادرات الأهلية والتكافلية التي تقوم بتقديم المساعدات الدوائية للمرضى في حال عدم توفر الأدوية مؤقتاً في المشافي الحكومية".
وتشير إلى أن "المعالجة الدوائية تشكل الركيزة الأساسية في عمل الجمعيات الخيرية كونها الأكثر كلفة، إلا أنها تساعد أيضاً في أجور العمليات الجراحية وتأمين الأدوات اللازمة للمريض مثل الكراسي المدولبة، وأحياناً أجور التنقل من المحافظات في حال الحاجة للعلاج في المشافي المركزية في دمشق".
وتعزي السبب في غياب ورش الجمال لتجميل مريضات السرطان عن العالم العربي إلى التشخيص المتأخر للأورام حيث يجعل نجاح العلاج أقل احتمالاً ويقلل فرصهم في البقاء على قيد الحياة، "إن العلاج بعد التشخيص المتأخر يكون تلطيفياً في الغالب، فلا يعود للإجراءات التجميلية أهمية كبرى أو تفقد المريضة رغبتها في ذلك".
وتضيف "بسبب الصدمة والرض النفسي الذي يسببه التشخيص الورمي للمريضات يدفع المريضة وذويها إلى وضع الشفاء أو السيطرة على المرض في رأس الأولويات، يلي ذلك الإجراءات التجميلية".
ونوهت إلى أنه في أحيانٍ كثيرة تتداخل الإجراءات التجميلية مع الإجراءات العلاجية، لذلك غالباً ما تؤجل العلاجات التجميلية لما بعد انتهاء العلاج من قبل الأطباء.
وحول كيفية النجاح في المواجهة المبكرة للسرطان تقول "المواجهة الباكرة للسرطان تستوجب تضافر جهود عدد كبير من الأشخاص والمؤسسات، من الناحية الحكومية قامت وزارة الصحة بالتعاون مع جميع المشافي التي تعالج السرطانات حالياً، بإطلاق المبادرة الوطنية للتحكم بالسرطان والتي تشمل التعامل مع السرطان في جميع المستويات بدءاً من الوقاية والتشخيص المبكر انتهاءً بالعلاج".
وأكدت على أن الكشف المبكر للسرطان خطوة مهمة لإنقاذ المرضى، "تثقيف وتوعية المجتمع بالأعراض الأولية لبعض السرطانات الشائعة وتشخيصها المبكر لها فائدة للمريض، ويؤدي العلاج المبكر إلى الشفاء التام في معظم الحالات".
ويعود انتشار سرطان الثدي إلى سن البلوغ المبكر، الزواج والإنجاب وانقطاع الطمث بسن متأخرة، إلى جانب السمنة وتلقي النساء للعلاجات الهرمونية لفترة طويلة، إضافةً إلى الإشعاعات البيئية الملوثة والمواد الكيماوية.
وللحد من انتشار سرطان الثدي ينصح علماء الصحة بإجراء فحص ذاتي دائم لمنطقة الثدي، والامتناع عن شرب الكحول والتدخين، وممارسة الرياضة، والحد من المعالجات الهرمونية بعد انقطاع الطمث، والحفاظ على نظام غذائي صحي متوازن ومناسب يرتكز على تناول المكسرات والفواكه والخضروات والحبوب والبقوليات واستخدام زيت الزيتون في الطعام.
وحول سبب الانتشار الواسع للسرطانات التي تصيب النساء في السنوات الأخيرة، قالت كفا حاج حمدو "لانتشار السرطانات عدة أسباب منها اختلاف البيئة ونوعية الغذاء وارتفاع نسبة التلوث وسوء العادات الصحية والغذائية.
وكانت قد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن يرتفع عبء السرطان أكثر في السنوات المقبلة لأسباب متنوعة بما في ذلك النمو السكاني، حيث من المرجح أن يرتفع عدد الحالات الجديدة في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2040، بنحو 47% عن عام 2020.