المساواة ليست ضمن ما تعلمه المرأة لأبنائها في إدلب

أكدت المرشدة النفسية والاجتماعية مها الطويل، أن التمييز بين الإناث والذكور والتفرقة في التعامل معهم من شأنه أن يترك أثاراً سلبية على الفتيات لا يمكن أن يمحوه الزمن وهو ما يغذي الاستعلاء الذكوري الذي يشوه صورة المجتمع.

هديل العمر

إدلب ـ تواجه الفتيات في إدلب والشمال السوري التمييز بينها وبين إخوتها الذكور من حيث طريقة الاهتمام من الأم بالطفل الذكر ورغبتها بولادة الذكور، وتحديد أدوار نمطية للفتاة عبر تحديد أنواع الألعاب والتعليم ما يترك آثاراً طويلة الأمد في حياتها، ليبقى السؤال لما لا تعلم المرأة في إدلب أطفالها مبادئ المساواة بين الذكور والإناث؟

يؤدي التمييز وعدم المساواة بين الذكور والإناث في العائلة الواحدة إلى الكثير من الآثار السلبية على الفتيات التي تمتد معهن حتى تكبرن، وعلى الرغم من تألمهن جراء تلك التفرقة، إلا أنهن تتبعن الأسلوب ذاته في التمييز حين تصبحن أمهات ظناً منهن أنها الحقيقة المتعارف عليها ويطبقنها على أبنائهن.

تعشق الطفلة ريم بركات ذات الـ 8 أعوام التسلق والقفز واللعب بكرة القدم، ويملؤها الشغف بالمحاولة كلما مرت على أطفال يلعبون الكرة سواء في الملاعب أو المدرسة أو حتى في الأزقة والحارات، وحين طلبت شراء كرة قدم من أمها نهرتها بإصرار أن "كرة القدم ليست للفتيات"، واكتفت بالصمت بعد أن قررت والدتها عنها أن تلك اللعبة لا تناسبها كفتاة.

ومن جانبها قالت رهف الصابوني البالغة من العمر عشر سنوات والتي اختارت أن تصبح خياطة في المستقبل "أحب الاختراع والطيران، وأهوى البيع والشراء والأدوار القيادية"، مشيرةً إلى أن تلك الرغبات ولدت لديها من متابعة منصات التواصل الاجتماعي ورؤيتها ما يدور في العالم من تطور.

أما النازحة المقيمة في مخيمات قاح شمال إدلب فاطمة الصمد البالغة من العمر 33 عاماً لا تنكر وجود نزعة ذكورية لديها في تربية أبنائها عبر التفرقة بالمعاملة بين الذكور والإناث كعادات مكتسبة، والسبب كما توضحه أن الذكور مآلهم للعائلة، أما الفتاة فهي لزوجها، مشيرةً إلى أن تلك العادات والتقاليد التي نشأت عليها في أسرتها ومع أهلها بالتفريق بين الجنسين انتقل إلى طباعها في تربية أبنائها بذات الطريقة التمييزية.

وبدورها قالت المرشدة النفسية والاجتماعية مها الطويل أنها شخصياً غير مستعدة لأن تشعر بناتها بحجم الألم الذي كانت تشعر به في طفولتها حين كانت ترى التمييز الواضح في المعاملة التي يعاملها والدتها ووالدها لأخوتها الذكور.

وأوضحت أنه يحق للذكور مالا يحق للفتيات من اللعب والتنزه والتعليم والخروج وقت يشاءون وقيادة الدراجات الهوائية والنارية والسيارات عكس الفتيات اللواتي حددت أدوارهن بالمكوث في المنزل والزواج وتربية الأطفال، وحين تكون الفتاة أكثر حظاً ويتم تعليمها فعليها اختيار ما يلائمها من المجالات كالتدريس والتمريض والإرشاد.

ونوهت إلى أن هناك أمهات تتفاخرن بأن بناتهن تتصرفن كالذكور، لكن يبدو العكس هو الصحيح مع الفتيان الذين يتصرفون كالفتيات، وقد تتحدثن بسعادة في وصف قدرات أبنائهن على الحبو مبكراً عكس الفتيات اللواتي تجدنهن أضعف وأقل قدرة حتى على الحبو مبكراً رغم أن هناك الكثير من الأبحاث التي تبين عكس ذلك.

وأكدت أن التفرقة في المعاملة بين الأبناء الإناث والذكور من شأنه أن يترك أثراً نفسياً على الفتيات لا يمكن أن يمحوه الزمن حتى فيما بعد مرحلة المراهقة والنضوج، وستترسخ مع الوقت سلوكيات وقالب نمطي تنظر الفتيات من خلاله إلى أنفسهن مع التقدم بالعمر، وتؤثر على القرارات التي تتخذنها وكذلك سلوكياتهن في المجتمع الذي تعشن فيه.

وحذرت من تداعيات تلك الممارسات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاعتقاد أن النساء أقل ذكاء وقدرة من الرجال، وهو ما يغذي الاستعلاء الذكوري السام الذي يشوه صورة المجتمع بأكمله، ويخلق العنف القائم على النوع الاجتماعي، داعيةً إلى المساواة في التعامل حصراً من قبل الأمهات اللواتي تشكلن النواة الأولى للتربية ضمن الأسرة ما من شأنه أن يفند التصورات النمطية عن قوة الذكر وضعف الأنثى ما يمكن أن يفضي إلى جواً من التماسك الأسري وتساوي الفرص بين أفراد العائلة كافة.