المرأة عَصب التنظيم والحماية في الإدارة الذاتية

عانى الشعب السوري بكل مكوناته من الحرب، ولكن لأهالي حيي الشيخ مقصود والأشرفية وخاصةً المرأة تجربة ريادية في الحماية الجوهرية القائمة على فكرة "الدفاع عن الذات".

سيرين محمد

حلب ـ يشهد حيي الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب اليوم حصار خانق على الأهالي، يتمثل في منع حركة دخول وخروج المدنيين والبضائع، فقد تعرّض الحيين في السادس من الشهر الجاري لإغلاق الطرق بشكل كامل مما دفع أهالي من نساء ورجال، شبّانٍ وشابات للخروج في احتجاجات شعبية تنديداً بهذه المُمارسات التي يقوم بها جهاديي هيئة تحرير الشام.       

 

 دور المرأة في الحرب

تقول جيهان العبد الله، إحدى نساء حي الشيخ مقصود التي ناضلت وقاومت من أجل بقائها ودفاعها عن حيها بإرادة لا تنكسر، أنه على مدار ثلاثة عشر عاماً عانى أهالي الحيين من الظلم والتهجير والحصار والدمار والتشرد والحرب بكافة أشكالها، وأن للمرأة دورٌ خاص في كل سنوات الحرب، فمنذ بداية القصف والحصار الذي مارسه نظام البعث على حيي الاشرفية والشيخ مقصود كان للمرأة دور قوي وفعّال، فكانت تقف بجانب المُقاتلين وتقدم لهم الدعم والمُساندة.

وأوضحت أنه "قدمنا الكثير منذ الحرب التي شنها نظام البعث على حيينا، ولليوم أهالي حيي الأشرفية والشيخ مقصود لم تنتهي معاناتهم، بعد سقوط نظام البعث جاء جهاديي هيئة تحرير الشام الذين مازالوا لليوم يفرضون حصار خانق على هذه الأحياء".

 

دور المرأة الجوهري في التنظيم والحماية

وجيهان العبد الله من النساء اللاتي حَضرّنَ الطعام للمُقاتلين والمقاتلات الذين واللواتي حملوا أرواحهم على كفوفهم في سبيل الدفاع عن أرضهم، فالمرأة ناضلت في ساحات القتال وضمدت الجراح في حين لم يكن يتوفر في ذلك الوقت لا خضار ولا حتى خبز "كنا نُفضّل إعطاء قطعة الخبز للمُقاتلات والمقاتلين وتطهير جراحهم بأخر رشفة ماء لدينا".

 

الحماية الجوهرية

وبعد سقوط النظام لم تتغير السياسة المتبعة ضد أهالي الحيين "بعد سقوط البعث دخلنا في مرحلة الحماية الجوهرية وكان للنساء دور أساسي وفعّال بها مثل الكومينات وتجمعات النساء داخل الحي، وللمرأة حضور قوي وقدرة على تنظيم أمور عملها ومنزلها".

وأكدتْ أن المرأة أبدعتْ بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبطريقة فريدة من نوعها في القتال والدفاع والمُقاومة وعلى جميع الأصعدة وفي جميع المجالات.

"لفكر القائد عبد الله أوجلان دور جوهري في دعم المرأة" وتمنّتْ جيهان العبد الله أن يحصل القائد على حريته الجسدية، وأن تبقى المرأة ثابتة على موقفها النضالي "لتكون قضيتنا قضية وجود، وننصر قضيتنا التي حملناها على أكتافنا من عهد الأجداد وحتى اليوم".

 

"دفاع المرأة عن أرضها لا يكسره شيء"

ومن جانبها قالت سعاد حسن إحدى المُناضلات اللاتي ساهمنّ بتنظيم عمل المرأة في حيي الأشرفية والشيخ مقصود منذ اندلاع الثورة السورية عام 2012، مشيرةً إلى أنه في ذات العام بدأ مرتزقة الاحتلال التركي ونظام البعث بشن الهجمات وحصار الحيين "عند حصارهم للحيين قام الشعب بمقاومة كل تلك الاعتداءات بإرادة وقوة لا يكسرها شيء، وكان للمرأة دور جوهري في الدفاع عن الحيين وتنظيم هذه القوى من شابات وشبان الحي، فكانت المرأة تُعد الطعام، وتزور المشافي لتحديد عدد المصابين وإن كانوا بحاجة للمساعدة، وتعطي تعليمات وتوجيهات لضمان تماسك الأهالي".

وسعاد حسن من المشاركات الأوائل في تأسيس كتيبة كولة سلمو التي تعتبر أولى كتائب "قوات حماية المجتمع ـ المرأة في حلب"، وضمت العديد من المُناضلات، تقول سعاد بأنهن كـ رياديات في المُجتمع ساهمنَ بتنظيم النساء في الحي.

وكانت الحماية الجوهرية آنذاك هي خروج نساء ورجال من الحي والقيام بجولات ميدانية لمراقبة استقرار الوضع الأمني، وأصبحت هذه التنظيمات "كومينالية" تقوم بحماية نفسها بنفسها، ولكن بموجب الاتفاقيات التي أُبرمت بين الإدارة الذاتية والحكومة المؤقتة ولم يبقى في الحيين سوى قوة عسكرية واحدة، وهي قوى الأمن الداخلي "الأسايش".

 

قصص معاناة

وأدت الهجمات التي شنها نظام البعث على حيي الأشرفية والشيخ مقصود عن وقوع العديد من الضحايا والمُصابين، واستذكرت سعاد حسن إحدى الحوادث وقالتْ "بعد هجوم شنته العصابات على الحي كانت هناك امرأة تبكي، فسألتها ماذا حصل قالت إن أحد أبنائها ذو 12 عاماً ارسلته للمعبر ليجلب لنا الخبز في ظل الحصار الذي فرضه نظام البعث على الحيين، فسقطت قذيفة على المعبر وقتل".

وأضافت "بعد ثلاثة أيام رأيت نفس المرأة في المشفى تبكي، كان زوجها في الجامع يُحضر الطعام للمعزين بولده فسقطت قذيفة وقتل على إثرها، وبعد شهر من هذه الحوادث التي أصابتْ تلك المرأة فُجعتْ أيضاً بمقتل شقيقها على يد نظام البعث".

 

إغلاق كامل للطرقات

لم يتغير الحال والسياسة الممارسة ضد الحيين استمرت وتؤكد سعاد حسن أن "اليوم وبعد سقوط نظام البعث أتى جهاديي هيئة تحرير الشام ليستلموا الحكم، وظننا أنهم بصيص أمل للسوريين، خصوصاً بعد الاتفاقات التي وقّعتْ، ولكن كل فترة يتم إغلاق عدد من الطرقات المؤدية إلى الحيين، حيث يوجد 7 معابر لحيي الأشرفية والشيخ مقصود".

وأشارتْ إلى أنه في السادس من الشهر الجاري تشرين الأول/أكتوبر تم إغلاق كافة الطرقات، وفرض حصار خانق على الحيين، فقام أهالي حيي الأشرفية والشيخ مقصود بالانتفاض في وجه جهاديي هيئة تحرير الشام، ليقوم الجهاديين بإلقاء القنابل المسيلة عليهم كما أطلقوا الرصاص على المدنيين.

ونصب جهاديي هيئة تحرير الشام بعد فتح الطرقات الرئيسية حواجز طيّارة تقوم بتفتيش النساء بشكل غير قانوني وغير لائق وتوجيه الشتائم بحق الفتيات العابرات من هذه الطرقات، في خطوة تهدف إلى تضييق وخنق أهالي حيي الأشرفية والشيخ مقصود.

ويُذكر أن الحماية الجوهرية "المُنظومة الدفاعية" اُنشأت مع ثورة روج آفا في عام 2012، للدفاع عن النفس تجاه أي هجوم أو خطر يتعرض له المدنيين.