المرأة التونسية حضور مهم في مجال البحث العلمي ودعوات إلى تحسين وضعها

برهنت المرأة التونسية في أغلب محطات الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والنضالية حضوراً فاعلاً، حيث برزت أسماء عديدة لنساء زاحمن الرجال منذ قرون متتالية

زهور المشرقي
تونس- ، منهن الآلهات والشاعرات والطبيبات والباحثات وغيرهن الكثير اللواتي برعن في مجال عملهن.
راهنت تونس منذ استقلالها عام 1956 على عاملين أساسيين لبناء الدولة الحديثة ومواجهة تحديات التنمية، وهما التعليم والصحة، وظلت طيلة سنوات تخصص أكبر قدر من ميزانيتها للتعليم والتكوين المهني، إلى درجة أنها أصبحت رائدة في المنطقة العربية والقارة الإفريقية في العديد من المجالات والتخصصات، لاسيما الطبية منها والهندسية والعلمية التي كان لها الدور البارز في دفع عجلة التنمية بالبلاد.
وقد شهدت العشرية الماضية موجة متصاعدة من هجرة العقول وخاصةً المهندسات والباحثات الأمر الذي أصبح يشكل نزيفاً خطيراً في الرأسمال البشري الذي كانت الدولة ولا تزال تعول عليه، في رفع التحديات التنموية، على غرار بقية بلدان العالم، علماً أنّ اليونسكو قد صنّفت في عام2020 الباحثات التونسيات في المرتبة الأولى عربياً وإفريقياً.
وترى الباحثة في علم الاجتماع، الدكتورة مريم كحيلة، أنّه بعد استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي ظهر شق يرى المرأة التونسية بوصفها فرداً من المجتمع يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها وتخرج إلى العمل لتكون جزءً فاعلاً وذات دور ينهض بالبلاد، أما الشق الآخر فقد رفض ما دعا إليه الإصلاحيون، معتبراً أن هذا الأمر قد يكون سبب ابتعادها عن عادات وتقاليد مجتمعها ودينها، كما قد يقود الأمر إلى أن تتهاون في أداء مهامها وسط العائلة وقد تلعب دوراً لا يناسب جنسها بأن تنافس وتبارز الرجال أعمالاً يهيمنون عليها، إلا أن المرأة التونسية تخلصت من تلك القيود بفضل الحركة الإصلاحية التي دعت إلى تحرير المرأة ومزاولة تعليمها، وكان من أهم نتائج تلك الجهود صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956.
وأكدت على أنّ المرأة التونسية ناضلت من أجل افتكاك حقوقها وأن تتساوى مع الرجل سواء من أجل حقها في التعليم أو العمل والمشاركة السياسية والانتخاب، وهذا ما دعا إليه دستور 2014 الذي تم تضمينه في المادة 45 التي تنص على المساواة بين الجنسين.
وحسب إحصاءات هيئة الانتخابات، فإن تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب (البرلمان) بلغت نسبته حوالي 31% من إجمالي 217 نائباً، في حين لم تتجاوز هذه النسبة في المجلس التأسيسي السابق 29%. 
وأشارت إلى أن المناضلة السياسية الراحلة مية الجريبي، أقرّت بأن ضمان التمثيل المتكافئ بين الجنسين في المجلس التشريعي قضية لم تكن تخطر على بالها إلى أن اختيرت عضواً بالمجلس الوطني التأسيسي عام 2011، والذي كان منوطاً به رسم مسار جديد لتونس، معتبرةً أن هذه المادة بمثابة "ثورة" في حد ذاتها. 
وأوضحت مريم كحيلة أنّ دور المرأة وفق الحركات الحقوقية والنسوية لا يقتصر فقط على ما يبدو بديهياً من الأدوار الاجتماعية والقيم التي حددها لها المجتمع الذي تعيش فيه بحسب ما يراه مناسباً لها سواء لوظيفتها البيولوجية كالإنجاب والتربية أو العوامل الاجتماعية والبيئية كاهتمامها بأبنائها وصونهم من الانحرافات السلوكية والأخلاقية، أي ضمان تنشئة اجتماعية تعمل على ترسيم قيم وعادات جيدة لجيل جديد، ليتمكنوا في المستقبل من تحمل الأعباء والمسؤوليات التي تنسب إليهم.
وقالت أن التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الأفراد داخل مجتمعهم منذ ولادتهم تلعب دوراً مهماً في ترسيم الهوية الجندرية، بل وتستمر طيلة فترات حياتهم، ذلك أن لكل مجتمع خصائصه وثقافته وعاداته المختلفة عن الآخر، حيث يضع كل مجتمع صوراً نمطية للسلوك "السوي" للمرأة والرجل وما يترتب على ذلك من أدوار ووظائف محددة، بما في ذلك الأعمال التي يختارها سوق العمل.
وأكّدت أنه بناءً على التمثّلات والتصورات يتم الإعداد المسبق لكل من الرجل والمرأة الأدوار والوظائف المحددة سلفاً، وهذا ما يتسبب في بلدان وثقافات عديدة في حرمان عدد من النساء من تلقي التعليم والتكوين الذي يجعلهن يمارسن عملهن بالمساواة مع الرجل، وهو ما صعّد من حركة التقنين وسن المواثيق الدولية التي ترمي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين ومشاركة المرأة في كل المجالات، خصوصاً بعد بروز الحركات النسوية المطالبة بمبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين، وأيضاً مبدأ التمكين، وهو الأمر الذي ساعد المرأة التونسية على تعزيز مكانتها أكثر ودعمها، حيث تعتبر تونس من الدول التي فعّلت مبدأ المساواة بين الجنسين كإلغاء واجب الطاعة عام 1993، إذ أن المساواة بين الجنسين بدأت بالقضاء على جميع أشكال التمييز بين الجنسين وهو ما كان له أثر كبير في اكتساب المرأة ثقتها بنفسها وتطور دورها الاجتماعي باقتحامها العديد من المجالات والأنشطة، وهو ما فتح أمامها مجال الإبداع والخلق والسير نحو البحوث العلمية والدراسات الأكاديمية حيث وضعت بصمتها في العديد من المجالات وكانت جزءاً لا يتجزأ في نجاح العديد من المشاريع، بل كانت سباقة في ذلك وهذا ما تؤكده الدراسة التي أعدها معهد الإحصاء التابع "لليونيسكو" والمؤكدة على مكانة المرأة في مجال البحث العلمي، إذ أوضحت الدراسة أن المرأة التونسية قد تفوقت عربياً وإفريقياً في مجال البحث العلمي، كما أبرزت الدراسة أن أكثر من 55% من الباحثين في تونس هم من النساء".
وأشارت إلى أن ذلك يعود إلى سهولة الولوج إلى وحدات البحث في الكليات وفي جميع المجالات سواء الطبية أو التقنية أو الإنسانية، وهنا يبرز دور تونس وعملها على تطوير الدراسات والبحوث العلمية، مثل منيرة هماني الباحثة في مجال الوراثة الجزئية البشرية بمركز البيوتكنولوجيا بصفاقس، والأستاذة المحاضرة بكلية العلوم بصفاقس والباحثة المخترعة التونسية حياة العمري، وأستاذة الفيزياء بكلية العلوم بتونس زهرة بن الأخضر التي فازت بجائزة لوريال يونيسكو عام 2005، وأستاذة الطب الجيني بكلية الطب بتونس حبيبة شعبوني الحاصلة على الجائزة نفسها عام 2006. والعديد من الأسماء التي ساهمت في مجالات يهيمن عليها الرجال، إلا أن هذا التفوق النسائي يبقى دون المأمول إذ لا تشغل الباحثات التونسيات اللاتي حصلن على رتبة أستاذ تعليم عالي، وهي أعلى رتب التدريس سوى على نسبة قدرت بـ 15% من مجموع الأساتذة الباحثين برغم ما تثبته الأرقام من تفوق النساء في مجال البحث العلمي والتدريس داخل الجامعات، وبرغم دعم الدولة للمرأة التونسية وإفساح المجال أمامها حتى تقدم مادة علمية تنفع بها مجتمعها". 
بقي واقع الباحثات في تونس غير مرضي ما دفع إلى هجرة أعداد منهن إلى الخارج، للبحث عن فرص أفضل من أجل التطوير، وآية عفاس إحداهن وهي التي نجحت في مجال الهندسة، في تصنيع رجل آلي "روبوت" أطلقت عليه اسم RedRuby مخصّص لمساعدة كبار السن الذين يعانون من مشاكل النسيان والتعرف على الأشياء وتذكّر موعد الدواء فضلاً عن القيام بالأعمال اليومية بشكل طبيعي.
وأكدت أية عفاس أن الروبوت سيحلّ العديد من الإشكاليات التي تخصّ المسنين، لافتة إلى أن إنجازها كان بمثابة التنفيذ لأحد أشكال الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت أن المرأة التونسية برزت في مجال البحث خلال السنوات الأخيرة وهي بحاجة إلى دعم أكبر لتحقيق طموحاتها في مختلف المجالات العلمية والأدبية.
وبدوره حذّر عميد المهندسين التونسيين، كمال سحنون، استناداً إلى إحصائية للمعهد الوطني للإحصاء، من هجرة الباحثين والمهندسين نساءً ورجالاً، لافتاً إلى أن تسعة وثلاثين ألف مهندس في مختلف الاختصاصات غادروا تونس منذ ست سنوات، أي بمعدل ستة آلاف وخمسمائة مهندس سنوياً، وحوالي عشرين مهندساً يومياً، ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر أمام التفريط في كفاءاتنا العلمية.
وأفاد العميد كمال سحنون بأن تونس تكوّن سنوياً ثمانية ألاف مهندس، حيث تتكفل الدولة بتكوينه ويكلف ذلك المجموعةَ الوطنية مائة ألف دينار، وحين يصبح متكوناً ومقتدراً تقنياً "تهديه" إلى الدول الأخرى التي تفكر ملياً في تنمية اقتصادها.
ووصف ظاهرة هجرة الكفاءات للنساء والرجال على حد سواء بـ "الكارثة" التي تلحق بالاقتصاد التونسي، وضرب في المقابل مثلاً بالمملكة المغربية التي تولي الاهتمام الكبير للمهندس لتطوير اقتصاد البلاد حيث يتقاضى المهندس في المغرب أربعة أضعاف ما يحصل عليه زميله التونسي.
وأرجع كمال سحنون ما آلت إليه الأوضاع في تونس إلى المنوال التنموي نتيجة ما أسماه بالاقتصاد الريعي واقتصاد المصلحة الذي ظلت تونس تعاني من تداعياته على مدى أكثر من ستين عاماً.