الخطاب المُراعي للنوع الاجتماعي يساهم في رفع الوعي ويغير ثقافة المتلقي
توجهت عدد من مؤسسات المجتمع المدني خلال الفترة الأخيرة للعمل من أجل التحفيز على مراعاة النوع الاجتماعي في الخطاب الموجه للمجتمع ليشمل النساء، في محاولة للقضاء على ذكوريته التي سيطرت تماماً على المشهد.
أسماء فتحي
القاهرة ـ العمل من أجل تغيير الثقافة الذكورية النمطية السائدة أصبح الهدف الأكبر لدى جميع المهتمين بملف المرأة خاصة بعدما أفرز الواقع حجم تجذر بعض الانتهاكات مجتمعياً.
كان لملفات كالعنف وتشويه الأعضاء التناسلية للنساء وتزويجهن قاصرات الدور الأكبر في الالتفات للغة التي تستخدم في مخاطبة الجمهور المستهدف وحجم تأثيرها على المتلقي، وهو الأمر الذي جعل مراعاة النساء في الكتابات بأنواعها ضرورة، لكونها ترسخ في العقول مع مرور الوقت فكرة المشاركة وعدم التهميش وتحجم الوصم والتشويه العمدي لهن.
أغلب الصحف توصم النساء ولا تراعي النوع الاجتماعي
ترى المسؤولة الإعلامية في مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام، مارسيل نظمي، أن الكثير من الصحف لا تراعي النوع الاجتماعي، بل وتوصم النساء في عنوانيها وذلك لجذب المزيد من القراء.
وأضافت أن وصم النساء كان في وقت ما موضة في الكتابة الصحفية ومازال مستمر حتى الآن، بينما الرجال على العكس من ذلك تماماً فأسوأ الألقاب التي قد تلصق بهم جملة "ذئب بشري" وهي ذات أكثر من مدلول، معتبرةً أن النساء لا تستطعن التخلص من وصمهن مهما فعلن حتى بعد انقضاء مدة عقوبتهن أو حتى تبرئتهن وهو الأمر الذي يتطلب المراجعة والمواجهة حرصاً على مستقبلهن.
وأوضحت أنه بعد عملها في المجال الصحفي اهتمت بالتدريبات المعنية بالصحافة الحساسة للنوع الاجتماعي والخالية من خطابات الكراهية، معتبرةً أنها تترك أثر مباشر في وعي القارئ وتساهم في استمرار مسلسل التنميط خاصة تلك التي تتحدث عن المنزل والمطبخ والتي عادة ما تجعل هذا الأمر موجه للنساء رغم أنه عمل تشاركي وهو أمر بالتبعية يتحول لسلوك.
وأشارت إلى أنه هناك تناول سلبي للقضايا المتعلقة بالنساء خاصة ما يتم تداوله من ألقاب كـ "فتاة المنصورة، وفتاة المنوفية" وغيرها وكأن هناك استهداف لذلك لجذب مزيد من القراء دون إدراك حجم تأثير مثل هذه الجمل على الفتيات لاحقاً، خاصة أن المجتمع يبرر للمعنف ويوصم النساء.
أدوات تساعد في استخدام لغة حساسة للنوع الاجتماعي
وأكدت أن المادة التي تخاطب قطاع واسع تحتاج لأن تراعي النوع الاجتماعي وهو أمر يتطلب التدريب المستمر للعاملين في المجتمع المدني لأن المشهد يتطور بسرعة كبيرة وما كان مسموح به قديماً لم يعد مقبولاً اليوم كوصم النساء.
وأشارت إلى ضرورة الاهتمام بالاطلاع على المبادئ الصحفية في العالم والتأهيل من أجل تخطي خطابات الكراهية الموجهة للمرأة حتى لا تصبح فريسة لمجتمع لا يرحم كما هو الحال في قصة نيرة أشرف وكذلك بسنت التي انتحرت مؤخراً، وقالت "يظن البعض أن اللغة غير مؤثرة ولكنها تؤثر في اللاوعي وحتى إضافة كلمات محببة على الأفعال المرفوضة يجعلها طبيعية كما هو الحال على سبيل المثال في قصة الرجل متعدد العلاقات فهو يصنف بـ "العنتيل" وهي لغوياً تعني القوة والفحولة وهو ما يجعل فعله في ذهن المتلقي طبيعي رغم أنه قد يكون مجرم فعلياً".
وبينت أن الصحافة لها الدور الأكبر في نقل لغة المواطن لواقع أفضل، حتى لا تندمج مع أحاديث الشارع فتتماهى معها وتصبح ناقلة لنفس المصطلحات ومرسخة لأفكار قد تنتهك حقوق النساء في وعي وثقافة المتلقي.
النساء لا يرون أنفسهن في الخطابات الموجهة للمجتمع
يعاني قطاع كبير من النساء من تجاهل في الخطابات التي توجه لجموع المواطنين وكأنهن لسن طرفاً في تلك المعادلة المجتمعية ذات الطابع الذكوري.
وتقول الصحفية المتخصصة في ملف الجندر فاتن صبحي "أشعر بقدر كبير من التجاهل في الخطابات التي توجه للجمهور وكأننا كنساء نكرة لا يهتم أحد بتوجيه الحديث مباشرة لنا"، معتبرة أنهن كصحفيات أيضاً لا يختلف وضعهن عن المجتمع ككل والمؤسسات تهمشهن ولا تراعيهن حتى في اللوائح والقرارات المختلفة.
وأوضحت بأن توجيه الخطابات للذكور يجعلها تشعر بإهانة، فأغلب الخطابات تتوجه في الحديث للذكور حتى البيانات الرسمية التي تخاطب المجتمع عادة ما توصف النساء بألقاب ذكورية كأن يضاف قبل اسم البرلمانيات منهن كلمة "عضو" وكأنهن رجال دون النظر لنوعهن الاجتماعي.
التوعية بأهمية مراعاة النوع الاجتماعي في الخطابات المتنوعة
وأكدت أن أي حراك يتبعه تأثير والمنظمات الحقوقية والنسوية توجهت مؤخراً نحو العمل على حساسية النوع الاجتماعي في تناولهم لمختلف القضايا التي توجه لعموم المجتمع، كما أنهم نفذوا عدد من الأنشطة للتوعية به ومنها تدريب الصحفيين/ات، وإصدار البيانات الحساسة للنوع، فضلاً عن إقامة عدد من اللقاءات.
وأشارت إلى أن عدد كبير من المؤسسات خاصة النسوية منها اتجهت نحو رفع معدل الوعي بأهمية توجيه الخطاب الذي يضع الجمهور المستهدف كاملاً في عين الاعتبار، معتبرة أن مثل هذه الخطوات ستؤثر في وعي المتلقي وحساسيته للنوع الاجتماعي في حديثه وخطابه.
ولفتت فاتن إلى ضرورة مناهضة الخطابات الذكورية والعمل من أجل تغيير واقع التنميط الذي يؤثر بالتبعية على ثقافة الجمهور المستهدف، مؤكدةً أنه مهما كانت المادة بسيطة فهي مؤثرة وتساعد الكثير من النساء للخروج من القولبة وأن المجتمع بحاجة لرفع معدل وعيه من خلال المنصات المختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتطبيق مثل هذه الأفكار والمفاهيم المتعلقة باللغة.