الجلد والسجن والمقاومة... معاناة الأفغانيات في ظل حكم طالبان
في ظل الحكومات الاستبدادية، عندما تكونين امرأة فذلك يعتبر جريمة، وفي أفغانستان تحت حكم طالبان، تُقمع النساء أملاً في إسكاتهنّ، لكن هذا القمع يُؤجج نار المقاومة.

بهاران لهيب
شمال أفغانستان ـ إن خوف الحكومات الاستبدادية من النساء، خاصة في الدول التي يحكمها الأصوليون الإسلاميون، خوف مبرر وذو مغزى، فهم يدركون أن المرأة إذا قادت الانتفاضة والنضال، فسوف تُفكّك نظامهم، ذلك أن المرأة في المجتمعات الأبوية والمضطهدة تعيش حياةً مُهينة، وهذه التجربة المُعاشة للقمع تجعلها مستعدة لمقاومة الاستبداد أسرع من غيرها.
هناك العديد من الأمثلة التاريخية على شجاعة المرأة في مواجهة الأنظمة القمعية، من بينها انتفاضة Jin Jiyan Azadî في إيران، التي سُجنت فيها مئات النساء، بل وحُكم عليهن بالإعدام، لمجرد عدم ارتداء الحجاب أو الاحتجاج على الظلم، إلى جانبهن، نستذكر نساء كوباني الشجاعات اللواتي سحقن تنظيم داعش.
يزخر التاريخ العالمي بقصص شجاعة النساء؛ قصصٌ ظل بعضها طي النسيان في أعماق التاريخ الذكوري، كما قدمت النساء الأفغانيات هذه التجارب نموذجاً يُحتذى به، قاتلن بلا خوف وباستمرار، ولعبن دوراً أساسياً في المجتمع، أما طالبان، التي استولت على السلطة لأكثر من ثلاث سنوات بأفكار معادية للمرأة وإساءة استخدام التعاليم الدينية، فقد أسرت 30 مليون إنسان من هذا البلد، ولإسكات أصوات العدالة، وخاصةً النساء، يُقمَعن في كل ركن من أركان المجتمع بتهم أخلاقية.
على الرغم من جرائم كالاغتصاب والتعذيب الجنسي والإيذاء النفسي والجلد العلني، لم تتمكن طالبان من إسكات أصوات النساء الأفغانيات، وقد كشفت نساء شجاعات، ومن بينهن المرأة التي أُرسل إليها فيديو اغتصابها لتهديدها وإسكاتها، الحقيقة بشجاعة خلعن النقاب الذي كانت طالبان تتبناه، على عكس توقعاتها، ولم تُقابل النساء بإدانة علنية فحسب، بل لاقت ترحيباً واسعاً، وزادت من عار طالبان.
ونشرت صحيفة الغارديان، بالاشتراك مع صحيفة "وومنز تايمز" في 16 نيسان/أبريل الماضي، قصة مؤلمة لثلاث نساء تعرضن للجلد، ويذكر التقرير أنه خلال هذه الفترة، تعرض أكثر من 1000 شخص للجلد علناً، من بينهم حوالي 200 امرأة.
إحدى هؤلاء النساء، نزيهة والي، ذات الـ 28 عاماً، من المحافظات الشمالية للبلاد، كانت قد ذهبت إلى المدينة في أحد أيام الصيف برفقة زوج شقيقتها لزيارة الطبيب، في طريقهم، أوقفهم عناصر من وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد أن علموا أنه زوج أختها، فصلوهما واقتادوهما إلى السجن سُجنت نزيهة والي في غرفة مظلمة لأربع ليالٍ، ثم حُكم عليها بثلاثين جلدة بتهمة "جريمة أخلاقية"، وفي ساحة تنفيذ الحكم تم التأكد أنها كانت مريضة، كما أن الحكم عليها بالجلد أثار استياء الناس، وبعد عشر ليالٍ في السجن، سُلّمت إلى عائلتها، الآن، مثل آلاف الأفغانيات الأخريات، تعاني من كوابيس ليلية تحمل ذكريات مريرة عن السجن والجلد، لكن لحسن الحظ، وبفضل دعم عائلتها، تعود تدريجياً، إلى حياتها الطبيعية.
فوزية خليل ناشطة في مجال حقوق المرأة وهي من ذات الولاية التي تقطنها نزيهة والي، تقول "أمر زعيم طالبان، الملا هبة الله أخوندزاده، بتطبيق أحكام الشريعة على السجناء بعد عام من حكمه، ومنذ ذلك الحين، بالإضافة إلى جلد مئات الرجال والنساء، نُفذت أحكام القصاص أيضاً، وحضر مسؤولو طالبان مراسم الإعدام بفخر لنشر الرعب".
وأضافت "ينسى طالبان أنه مهما بلغت الضغوط، سيأتي يوم تكون فيه النساء السبب الرئيسي في سقوطه، يدّعون بفخر هزيمة أمريكا، لكن الحقيقة هي أن الدمى فقط هي التي تحركت، لولا الدعم المالي الأجنبي، لكانت حكومة طالبان، مثل حكومة أشرف غني، قد انهارت بين عشية وضحاها، ولكن كم سيكون أفضل لو أن الشعب الأفغاني نفسه، خاصة النساء الشجاعات، هو من سيساهم في هذا الانهيار".
لم تصمت النساء الأفغانيات، رغم القمع والسجن والاغتصاب والجلد، لم يخشَين قمع طالبان فحسب، بل تحدَّين شرعية نظامه بكشفهن ومقاومتهن وشجاعتهن، هذه القصص ليست سوى أمثلة على أصوات النساء المستعدات لدفع أي ثمن من أجل الكرامة والعدالة والحرية، ويؤمل أن يأتي يوم، ليس ببعيد، تُثمر فيه هذه الشجاعة، وينتهي ظلام الطغيان على أيدي نساء ورجال هذه الأرض الأحرار.