ألفة بالي: كلمة "ما قدروا عليها الصحاح ستقدرين أنتِ" غيّرت مجرى حياتي لأكون امرأة ناجحة

بوجه بشوش وابتسامة مفعمة بالكثير من الأمل والإرادة، تمضي لترسم معالم مستقبل جميل يلوح لها في كل خطوة تسلكها، تمضي قدماً برغم إعاقتها، متسلّحة بالصبر والعزيمة

زهور المشرقي
تونس ـ ، تفوقت في دراستها، وكانت القدوة لأقرانها.
لم تقف الإعاقة العضوية عقبة أمام ألفة بالي، سنواتٍ من التحدي والعزم نحو الطموح تضاهي وتجاري الأسوياء بالعمل والإنجاز، تحب أن تكون نموذجاً للأشخاص الناجحين ومثالاً لهم، وأن تكون لها بصمة في المجتمع.
تميزت منذ صغرها بالذكاء والفطنة، وبالرغم ما عانته بسبب إعاقتها التي بدأت أعراضها تظهر عليها وهي في الثانية عشرة من عمرها، كابرت وتحدت كل العراقيل التي اعترضت سبيلها، وفرضت ذاتها في مجتمع ينظر دائماً للمرأة كونها "النصف" وينظر لذوي الاحتياجات الخاصة كونهم "عالة".
ألفة بالي الدكتورة بالمعهد العالي لعلوم التمريض ومدير مركز المهن بمحافظة صفاقس جنوب تونس، والحاصلة على لقب سفيرة التحكم بالطاقة من قبل المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي بتونس، شاركت في العديد من الملتقيات العلمية الإقليمية والدولية، وكرّمت في العديد من المناسبات من قبل اتحاد المرأة والمنتدى الجمهوري كأفضل امرأة ناجحة في مجالها.
 
"درست هندسة الأنظمة الإعلامية بحكم حالتي الصحية"
لم تكن مسيرة ألفة بالي من مواليد (1980) الدراسية وردية بل تخللتها مصاعب كثيرة ما دفعها إلى الصمود أكثر، تقول "نظراً لظروفي الصحية اخترت مجال الإعلام وعالم الرقمنة، وهو مجال لا يتطلب مجهوداً بدنياً بل يتطلب مجهوداً ذهنياً، اخترته أيضاً عن قناعة وحب نظراً لشغفي به منذ صغري".
وبالرغم من إعاقتها حصلت على دكتوراه في هندسة الأنظمة الإعلامية، وهي مسؤولة عن قسم الإعلام بالمعهد العالي لعلوم التمريض بمحافظة صفاقس.
وبابتسامة عريضة تواصل ألفة بالي سرد قصة نجاحها وتحديها برغم نظرة الشفقة التي غالباً ما كانت تراها في أعين من حولها، تقول "النجاح هو نتيجة حتمية للعمل الدؤوب والمثابرة، لقد عملت ما بوسعي لتطوير شخصيتي لتجاوز العراقيل والصعوبات التي واجهتها بابتسامة، إيماناً بأنه لا نجاح دون تعب لأي شخص، ما بالك بإنسان يحمل إعاقة عضوية".
وتتابع "نجاحي وراءه عائلة تؤطر وتربّي على الإصرار والتحدي، ويظل الطموح متجدداً للوصول إلى تحقيق إنجازات قد يصعب أحياناً على الأشخاص الطبيعيين تحقيقها".
وحول الصعوبات التي واجهتها بسبب إعاقتها، تقول "صحيح أنا امرأة ناجحة في الوقت الحالي لكنني تعبت لكي أصل إلى ما أنا عليه اليوم، لاقيت صعوبة كبيرة في التنقل في فترة الدراسة بسبب وضعي، ومنذ وفاة والدي صدمت بالواقع المرير وأحسست فعلاً بأنني حاملة لإعاقة جسدية، ومن حينها عملتُ وسعيت لأطور من ذاتي، وخضت معترك الحياة الاجتماعية والحياة السياسية أيضاً برغم العراقيل".
وعلى حد قولها استمدت القوة من مقولة من عالم الفيزياء البريطاني الراحل وملهمها ستيفن هوكينغ "النجاح قصة تعب مستمرة". 
تقول الفة بالي مسترجعة ذكريات الدراسة في المعهد أو الكلية "لم يكن الأمر بالسهل علي يومياً، بدءاً من خروجي من المنزل مروراً بانتظار وصعود الحافلة وصولاً إلى مكان الدراسة، وصعوبة الصعود إلى الطوابق العليا والقاعات، كل هذه المراحل كانت تتطلب مني يومياً جهداً إضافياً والبحث عن من يساعدني في التنقل سواءً في الذهاب أو عند العودة''.
وعن شعورها عند طلب المساعدة تقول "كان شعوراً ممزوجاً بين الرهبة والإحراج ينتابني عند طلب المساعدة أو تطوع أحد زملائي لمساعدتي في التنقل، كنت أتغلّب على شعور قوي بالعجز ينتابني حين أفكر في التنقل إلى المكتبات لاقتناء ما يلزمني من كتب أو حين أرغب في شراء احتياجاتي الخاصة''.
 
نظرة المجتمع لحاملي الإعاقة لم تتغير
تقول "للأسف لا يتقبل المجتمع اندماج ذوي الإعاقة مع الآخرين، ودائماً هناك نظرة شفقة إليهم، تلك النظرة التي لا أحبذها، ومهما تألق المعاق يبقى في نظرهم "عاجز"، وبالنسبة لي شخصيتي قوية ونجحت في تطوير ذاتي  ودمج نفسي وتكوين علاقات بشكل عادي في الوسط المحيط بي".
وتضيف أن المجتمع يرفض في معظم الأحيان إشراك ذوي الاحتياجات الخاصة في الأنشطة الاجتماعية "ظناً من البعض بأنه غير قادر على مواكبة هذه الأنشطة، أو خجلاً من إظهاره، مما يقتل طاقاته وميوله ويدفع بالكثير إلى العزلة وقتل طموحه". 
وعبرت ألفة بالي عن أسفها لبقاء تلك النظرة الدونية من المجتمع إلى حامل الإعاقة، نظرة الشفقة والاستنقاص "عندما التحقت بكلية الهندسة في سنتي الأولى، خاطبني مسؤول بالقول حرفياً "ما قدروا عليها الصحاح ستقدرين عليه أنت؟!.. تلك العبارة كانت دافعاً قوياً لطلب العلم والتفوق... واليوم أنا دكتورة بنفس الجامعة ودرست بنفس الكلية ودرست بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس".
وبرغم ذلك نجحت ألفة في تحدي إعاقتها وإثبات ذاتها كامرأة ناجحة محبة لعملها وللحياة، فالحياة وفق ألفة بالي "عبارة عن فرص تصنعها وتتبناها وتطورها لتحقق أي هدف تريده". 
وأشارت إلى أن السخرية والتهكم، عبر إطلاق مسميات تؤثر على مشاعر ذوي الاحتياجات، وقد تدفعه أحياناً للعدوانية والاكتئاب والانسحاب من المجتمع المحيط به.
وتكمل "حاملو الإعاقة هم أشخاص عاديون وإعاقاتهم غير معدية، تقربوا منهم، لامسوا قلوبهم، استمعوا إليهم بمحبة وثبات، لعلكم تفهمون معاناتهم، لماذا نفس النظرة والانطباع السيئ؟ أصحاب الاحتياجات الخاصة صنعوا الصواريخ وتألقوا واثبتوا أنفسهم في العالم، أما في البلدان العربية ظل الناس ينتهجون معهم أسلوب التقزيم واللامبالاة، مشكلتنا هي في تلك العقلية الراكدة المتخلفة".
 
خوض معترك الحياة السياسية
رغم كل العراقيل انخرطت ألفة بالي في الحياة السياسية بتونس عبر ترشحها في الانتخابات البلدية والتشريعية بقائمة فريدة من نوعها وهي قائمة تكونت من ذوي الاحتياجات الخاصة فقط، "أنا أسميتها قائمة ذوي الهمم، كان هدفها الدفاع عن حقوقنا المهضومة... نوقد مشعل الحريات والحقوق، وأثبتنا للجميع أن حامل الإعاقة بإمكانه أن يكون ذوو قدرة، ويتمتع بحنكة وذكاء وإرادة فولاذية".
وحول الدرس الذي استمدته من تلك التجربة تقول "تلك التجربة جعلتني أقتنع بأن الإنسان الحامل لإعاقة يجب أن يكون موجوداً في مواقع القرار لأن المسؤولين ليس لديهم دراية بمتطلبات حاملي الإعاقة، فهم لا يعرفون شيئاً عن المعاناة وتجربة السير الصعبة في طريق النجاح وسلم التفوق".
وشددت على أن تجربتها السياسية ساهمت في تنمية شخصيتها وتكوين علاقات سياسية واجتماعية من خلال تواصلها المباشر خلال فترة الحملة الانتخابية، لافتةً إلى أن هدفها من الترشح السعي لتطبيق القوانين التي كانت فقط حبراً على ورق بخصوص وضعية ذوي الاحتياجات الخاصة، وخلق أطر أكبر تحميهم وتضمن حقوقهم المهضومة في مجتمع لا يهتم لوضعية المعاقين.
وتتابع "حاولت وسعيت للفوز لا من أجل ذاتي بل من أجل أمثالي ومثيلاتي، لأن في تونس لا يوجد تمييز إيجابي نحو ذوي الاحتياجات الخاصة، لا في التوظيف ولا التعليم ولا غيرهما، لكن لم يسعفني الحظ حينها، لكنني سأعيد الكرة مجدداً".
وفي رسالة وجهتها لذوي الاحتياجات الخاصة تقول "ركزوا على الأشياء التي لا تُشكل إصابتكم عائقاً عن التألق والإبداع فيها، ولا تشعروا بالألم في التخلي عن الأشياء التي تمنعكم الإعاقة عن فعلها. لا تجعلوا إعاقتكم تمتد إلى أرواحكم كما وصلت إلى أجسادكم".