ألفت المعصوابي: للمجتمع دور في مفاقمة الضغوطات التي تواجهها المرأة

تعتبر المرأة المكون الأساسي الذي تعتمد عليه المجتمعات في نشأتها فهي من تلد وتربي وتعمل في ذات الوقت لتحسن من وضع عائلتها خاصةً في ظل تردي الأحوال المعيشية

رفيف اسليم
غزة ـ ، مما يفرض عليها تحمل ضغوطات وأعباء إضافية قد يزيد من حدتها العنف الممارس ضدها.
تلك الضغوطات عموماً والعنف الممارس ضد النساء خصوصاً يترك تأثيراته على صحة المرأة النفسية والجسدية وفي تعاملها مع بعض الأمور وتأسيس نمط حياتها فيما بعد.
تقول (س.م) أنها تزوجت في الخامسة عشر من عمرها، لتتخلص من ذل أبيها وضربه لها بأدوات حادة لا يطيق الرجال تحملها بحجة أنه يقوم سلوكها الذي يشهد بسلامته جميع من حولها، مشيرةً إلى أنها تزوجت وهي قاصر متخليةً عن طفولتها ومستغنيةً عن تعليمها بالرغم من تفوقها لتجد بيئة حاضنة ومتقبلة لها.
ولكن لم يختلف الحال معها بعد الزواج، فعند انتقالها إلى بيتها الجديد بدأ زوجها هو الآخر بتعنيفها بحجة أنه يسلك سلوك والدها في تأديبها مما دفعها للصمت المطبق على جميع ما تلقاه من آلام والبحث عن عمل لتستطيع توفير المال، مضيفةً باستهجان أن امرأة بمثل مؤهلاتها العلمية لن تعمل طبيبة لذلك اتجهت إلى الخدمة في البيوت وبالرغم من التعب الذي تكابده إلا أنها كانت تشعر بالسعادة عندما تصل إلى المنزل وتطعم أبنائها الأربعة أو تمدهم بالنقود اللازمة لشراء الكتب.
وقضت س.م سنوات على هذا الحال مع زوجها إلى أن ذهبت إلى بيت والدها كما قالت، فيما كانت وسيلة الضغط الأكثر قوة للزوج هي حرمانها من المال ومن رؤية أبنائها في بعض الأحيان لعدة أسابيع خلال تركها في بيت والدها الذي كان يضربها أيضاً بذريعة أن مكان المرأة بيت زوجها وأنها غير صالحة بسبب إغضابها له، مشيرةً أنها بقيت صابرة فقط لكيلا يتشرد أولادها على الطرقات أو ترى ابنتها تعنف مثلها متصديةً لهمجية الزوج في كل مرة كان يحاول بها ضرب أحد أبنائها.
أتمت س.م الـ 49 من عمرها، لكنها ترى أن عمرها لم يذهب سدى فقد ربت ابنتيها على معرفة حقوقهما وتوقيف الرجل عند حده، كما ربت أولادها على أن المرأة لا تهان ولا يجب أن تعنف، لافتةً أن الواقع النفسي الذي عايشته قد تسبب في إصابتها بعدة أمراض جسدية حسب ما أوضح لها الطبيب المختص، فهي تعاني من القولون العصبي وآلام بالقلب لكنها تحاول الآن التعايش بسلام بعد أن استغنت عن مساعدة زوجها المالية واستبدلتها بمساعدة أولادها الذين يتولون علاج والدتهم بالكامل. 
 
مشاكل نفسية وجسدية
من جانبها قالت الأخصائية النفسية في مركز العمل التنموي "معا" ألفت المعصوابي، أن المرأة بشكل عام تتعرض لعدد من الضغوطات نتيجة ممارستها لأكثر من دور في وقت واحد مثل عملها داخل وخارج المنزل وتربيتها لأطفالها، لافتةً أن تكوين جسم المرأة الفسيولوجي يشكل ضغط آخر يؤثر عليها ففي نهاية كل شهر تستقبل الدورة الشهرية وما يتبعها من آلام صحية وجسدية تدفعها للانفعال في بعض الأحيان من أبسط الأمور لأنها لا تجد من يقدر تلك التغيرات بل يتم التعامل معها على أنه أمر عادي.
وأوضحت أن المرأة تتعرض بشكل عام في المجتمعات العربية لعدة أنواع من العنف كالاجتماعي والاقتصادي، والجنسي واللفظي، لذلك ينشأ مع ذلك التعنيف عدد من الاضطرابات النفسية التي يختلف تأثيرها من مرأة لأخرى، لافتةً أن تعرض النساء للعنف حتى فترات طويلة يعرضهن لمشكلات عديدة كالقلق والإحباط والسلوك الانعزالي والحساسية المفرطة والانفعالية الزائدة ويؤثر على حياتهن بالسلب.
إضافةً للضغوطات السابقة تنوه ألفت المعصوابي أن المجتمع له دور في مفاقمة تلك المشكلات والضغوطات عندما يفرض على المرأة ويملي عليها ما يجب أن تفعله وكيف تربي أبنائها بالتالي تضطر الالتزام بذلك النسق لأنها فيما لو خرجت عنه يحث على تعنيفها بشكل واضح، مشيرةً أن حالة الاكتئاب التي قد تدخل بها المرأة نتيجة ذلك الوضع تعتبر من الأمراض النفسية وليس الاضطرابات التي قد تستمر عدة أيام ثم تذهب في حال سبيلها.
وتفسر ألفت المعصوابي أن المرأة لا تتعامل مع الأمور حسب ما يراها الرجل فهي دائماً قلقة على جميع أفراد أسرتها، خاصةً في ظل معيشتها في بيئة خصبة بالمعوقات كقطاع غزة الذي تكثر به المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية وما يتبعها من أمور أخرى مما يجعلها عرضة للاضطرابات النفسية بشكل أكبر، مشيرةً أنه حتى التغير في الروتين اليومي وما فرضه فايروس كورونا من ظروف وضع المرأة تحت ضغوطات أثرت عليها. 
وربما قد تزول تلك الاضطرابات تماماً منذ البداية كما قالت ألفت المعصوابي إذا ما تم التعامل معها من قبل مختص نفسي قبل أن تتفاقم وتؤول لأمراض أكثر شراسة سواء صحية أو جسدية، لكن وصمة العار التي يفرضها المجتمع على أي امرأة تذهب لمختص نفسي هي من توصل النساء لتلك الحالة، مضيفةً أن تلك الاضطرابات لن تختفي بعد مرور عدة أيام أو أشهر بل هي أمراض حسب ما صنفتها منظمة الصحة العالمية ويجب أن توجه للمختص كي يعالجها.
وتشدد ألفت المعصوابي على أنه مع تواجد البيئة الحاضنة لأشكال العنف والانتهاكات بشكل مستمر سواء من قبل الزوج أو الأب أو الأخ وتأكيد عامل الاستعداد الوراثي للإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والوسواس القهري والفصام ينشط ظهور تلك الأمراض وسيطرتها على المريضة، لافتةً أن في تلك الحالة يلزمها تدخلات علاجية وإكلينيكية من مختص في أقرب وقت ممكن.
وأوضحت ألفت المعصوابي أن أمراض الجهاز الهضمي والقولون العصبي والسكر والبواسير والبثور التي تظهر في الوجه ومشاكل البشرة بما فيها الشعر والشيب والجلد والهالات السوداء وفقدان أو زيادة الوزن والصداع والحساسية والأمراض الدورية كالقلب وضغط الدم والحساسية كالربو، يجمعها رابط قوي مع المشاكل النفسية الناتجة عن تحمل العنف أو غيره من الضغوطات النفسية الممارسة ضد المرأة.
وأكدت أن العنف لن ينتهي إلا عندما تعرف المرأة حقوقها جيداً وتتصرف على هذا الأساس فترفض الضرب الممارس من قبل الأب أو الأخ أو الزوج والذي يتبع كنهج وطريقة لتربية الفتاة في المناطق الريفية، مطالبةً بتفعيل دور النساء المتعلمات والمراكز النسوية والحقوقية في رفض الثقافة الذكورية وتوجيه النساء إلى الجهات المختصة بالدعم النفسي عند حاجتها لذلك بعيداً عما يفرضه المجتمع من قوانين.
وأشارت ألفت المعصوابي في ختام حديثها إلى أنها تحاول مساعدة تلك النساء من خلال الرد على أي اتصال أو مشورة ترد إليها وتنظم من خلال عملها عدد من الجلسات التي تخص المعرفة السلوكية في تقبل المرأة لمشكلاتها وتعاملها مع العنف الموجه ضدها عن طريق تغير طريقة التفكير، موضحةً أن تدريبات التنفس والاسترخاء والتأمل السليم المصاحب للضغط النفسي وتغيير روتين الحياة وممارسة الرياضة من الأمور التي تساعد على تحسين الصحة النفسية والجسدية للمرأة.