الضغوطات العائلية والنفسية تدفع الفتيات في إدلب للفرار من أسرهن
تفرض الظروف الاجتماعية بما فيها العادات والتقاليد نفسها في كل مرة على النساء في إدلب، مشكلة ظواهر خطيرة أبرزها ازدياد حالات الاختفاء، لنساء وفتيات في مقتبل العمر دون سابق إنذار أو معلومة تفيد بمكان تواجدهن.
هديل العمر
إدلب ـ تجبر العديد من النساء نتيجة للضغوطات العائلية والنفسية والاجتماعية على الفرار أو الاختفاء في محاولة منهن للخروج من واقعهن الصعب والابتعاد عن المجتمع المحيط.
في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، اختفت ردينة عليق (32عاماً) وهي نازحة مقيمة في مدينة إدلب، مع طفليها إثر مشكلات عائلية وضغوطات أهلها المستمرة لترك طفليها والزواج مرة أخرى.
وتقول دعاء الصغير (28عاماً) وهي صديقة ردينة عليق إنها كانت على علم بنية ردينة عليق في الهرب، بعد أن أخبرتها أن أشقائها سيجبرونها على ترك أطفالها والقبول بشاب تقدم لخطبتها، إذ أنها وجدت في هذه الخطوة الحل الوحيد للحفاظ على طفليها من اليتم والتشرد.
وأضافت أن المعاملة السيئة التي كانت تتلقاها من أشقائها في الآونة الأخيرة، كان لها الدور الأبرز في دفع ردينة عليق للتفكير بالهروب والفرار من واقعها الاجتماعي والنفسي المتردي، وهو ما حصل فعلاً، عندما استيقظ ذويها ولم يجدوا لها ولأطفالها أي أثر أو عنوان.
ومع بداية العام الحالي، اختفت رائدة كيالي (29عاماً) وهي من سكان بلدة دير حسان، نتيجة الخلافات الزوجية والضغوط النفسية والاجتماعية التي دفعتها لترك منزلها والهرب إلى مكان مجهول.
وتقول والدتها غدير الحسن (48عاماً) إن جميع محاولاتهم للوصول إلى مكان ابنتهم بائت بالفشل، خاصةً وأنهم لم يدخروا وسيلة للبحث عنها في المشافي والمخافر والمحاكم وصفحات التواصل الاجتماعي، ولكن دون أي جدوى.
وأضافت أن ابنتها كانت تعاني من حالة عدم استقرار مع زوجها نتيجة تعرضها للضرب والتعنيف المستمر، وهو ما دفعها لترك منزلها، بعد أن رفض والدها فكرة طلاقها وأجبرها على العودة إلى منزل زوجها.
وأشارت إلى أنهم لم يتوقعوا أن يصل بها الحال إلى الهرب، خاصةً وأنه لا يوجد لها أي أقرباء تلجأ إليهم في المنطقة والمناطق المجاورة.
ولا تخفي غدير الحسن حزنها وألمها على ابنتها التي لم تعد تعلم مصيرها وحالها، وإذا ما كانت على قيد الحياة أم لا.
وازدادت ظاهرة الاختفاء بين النساء بشكل كبير في الآونة الأخيرة، نتيجة عوامل عديدة تتعلق بالزواج القسري، والتعنيف المستمر والمشاكل العائلية والزوجية التي تدفع النساء لاتخاذ هكذا قرارات في ظل عدم وجود خيارات متاحة أمامهن.
لم تكن زهرة عبد القادر (19عاماً) اسم مستعار وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة أطمة في إدلب، أفضل حالاً من سابقاتها حين أجبرت هي الأخرى على الهرب من ابن عمها الذي أجبرها ذويها على الزواج منه.
وتقول فاطمة الرحمون (25عاماً) وهي قريبة زهرة عبد القادر إنها كانت تتعرض للضرب والتعنيف المستمر من أهلها، للضغط عليها والقبول بالزواج من ابن عمها، لتضطر للهرب والفرار قبل زفافها بيومين.
وأضافت أن أهلها تكتموا على خبر اختفائها خشية "الفضيحة"، في حين باتت عودتها شبه مستحيلة خاصةً بعد نية أشقائها قتلها بذريعة "الشرف"، في حال عثروا عليها، وذلك امتثالاً للأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في عائلتها التي تأخذ طابع عشائري.
من جانبها ترى الناشطة في مجال تمكين المرأة رابعة الخطيب (35عاماً) أن حوادث اختفاء وهروب النساء من واقعهن المعيشي والنفسي، تدل على تسلط المجتمع الرجعي على النساء اللواتي تجدن نفسهن مجبرات على اتخاذ مثل هذه الخطوات.
وأضافت أن أسباب تنامي هذه الظاهرة تعود للخلافات الأسرية والزوجية التي تؤدي إلى ضغوطات نفسية تنتهي بمغادرة المنزل، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها النساء.
وأشارت إلى أن غياب حقوق المرأة في المحاكم القضائية والمجتمع المحلي يعد الجذر الأساسي لمعظم المشاكل والظواهر التي تعصف بالنساء في إدلب.
وأوضحت رابعة الخطيب أن تفعيل مراكز تمكين المرأة ومؤسسات دعم ومناصرة النساء بشكل صحيح، سيحد بشكل كبير من هذه الظواهر التي أفرزتها الحرب على مدى أحد عشر عاماً.