البالة... وجهة النازحات السوريات لكسوة عوائلهنَّ

مع استمرار الأوضاع المعيشية الصعبة للسواد الأعظم من السوريين في ظل الحرب والنزوح والتهجير والفقر وقلة فرص العمل، باتت الألبسة الأوربية المستعملة (البالة) ملجأ القسم الأكبر من المدنيين

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، وخاصة النساء اللواتي بتنَّ زبونات دائمات يقصدنَّ أسواق البالة والبسطات المنتشرة في الشوارع باحثات عما يناسبهنَّ ويناسب عوائلهنَّ من ألبسة وبأرخص الأسعار.
لم تتمكن سهير العلي (٣٠) عاماً وهي نازحة من بلدة تلمنس ومقيمة في إدلب المدينة من شراء الملابس الجديدة لأطفالها بعد ساعات من تجوالها في السوق، إذ صدمت بالأسعار المرتفعة للألبسة التي لا تتناسب إطلاقاً مع قدرتها الشرائية، فما كان منها إلا التوجه لمحلات الألبسة المستعملة التي وجدت فيها ضالتها. 
تقول إن ما تملكه من مال لم يمكنها من شراء الملابس الجديدة لطفل واحد فكيف لها تأمين ملابس أطفالها الأربعة، فسارعت لإيجاد الحل الأنسب والذي يتوافق مع طلبها والمال الذي بحوزتها وهي محال الألبسة المستعملة التي تمكنت من خلالها من شراء الملابس لجميع أولادها وبأسعار مقبولة.  
وبينما تقلب سهير العلي أكوام البالة أمامها باحثة عما يناسبها تقول "نعيش حياة صعبة بعد أن ضاقت علينا الأرض بما رحبت فالانهيار الاقتصادي انعكس سلباً على حياتنا، وبتنا عاجزين عن تأمين حتى مستلزماتنا الضرورية"، وتؤكد أنها وجدت البالة أفضل بكثير من الألبسة الجديدة في وقت أصبحت فيه خياراتهم محدودة للغاية. 
ولكن ذلك لا يمنع خوفها من الميكروبات والأوبئة التي ترتع بتلك الملابس القادمة من أماكن متعددة وخاصة في ظل انتشار وباء كورونا، ولذا فهي تغسلها وتعقمها بشكل جيد قبل استعمالها.
من جهة أخرى ينفي الطبيب حيان الحلبي (٤٢) عاماً احتمالية أن تكون الملابس المستعملة ناقلة لفيروس كورونا، كونها تأتي من أماكن بعيدة ويستغرق دخولها المناطق السورية أسابيع وربما أشهر في حين أن الفيروس لا يستطيع العيش على الأسطح والألبسة أكثر من ثلاث أيام، مضيفاً أن ذلك لا يمنع من أخذ الحيطة والحذر وغسل الملابس وتعقيمها جيداً، ذلك أنها مرتعاً للميكروبات المسببة للأمراض الجلدية.  
وازدهرت أسواق البالة في مختلف مناطق ومدن وبلدات إدلب بعد أن غدت الخيار الوحيد لاقتناء ملابس، ليس ذلك فحسب وإنما شكل العمل بها فرصة للكثير من المعيلات الباحثات عن مصدر رزق. 
علياء القدور الأربعينية نازحة من بلدة كفرعويد ومقيمة في مدينة كللي شمال إدلب، دفعتها ظروفها القاسية من نزوح وفقر للبحث عن عمل يساعدها وزوجها على تأمين مصاريف المنزل ومتطلبات أبنائها الستة، إذ تقول "إيجار البيت يثقل كاهلنا عدا عن المصاريف الشهرية من أكل ولباس وحاجيات، بينما زوجي مجرد عامل مياومة بساعات طويلة وأجرة متدنية".  
فكرت علياء القدور ملياً عن سبيل إيجاد عمل ما، ورأت أن تخوض غمار التجربة بافتتاح مشروع بيع الألبسة المستعملة في منزلها والإعلان عن أسعار منافسة وبضائع أوربية عالية الجودة عبر غرف الواتس اب والفيس بوك، وبالفعل كان الإقبال على شراء البالة في منزلها جيد، وهي  تلجأ لتنزيل دفعة من البضائع بشكل شهري بعد أن تكون قد باعت ما بحوزتها، وحتى الملابس الرديئة المتبقية بعد بيع كل دفعة تبيعها بالكيلو غرام بأسعار قليلة للراغبات باستعمالها للحرق في المدافئ في فصل الشتاء بدل المحروقات التي بات اقتنائها رفاهية وحكراً على الأغنياء، بعد ارتفاع أسعارها الجنوني، وفق تعبيرها.
وعن طريقة شرائها الملابس المستعملة الأوربية وأنواعها تقول إنها تتعامل مع تجار متواجدون في تركيا يستوردون البضائع من الدول الأوربية ويدخلونها المناطق السورية الشمالية عبر معبر باب الهوا الحدودي، وهناك عدة أنواع للبالة الأوربية المستعملة وتتنوع جودتها بين نخب أول وثاني وثالث ولكل منها سعره الخاص، وهي تهتم بشراء النخب الأولى دائماً ما يكسبها سمعة تجارية جيدة وإقبال ملفت من قبل الزبونات الباحثات عن الأفضل.
ويعيش السوريين أزمة اقتصادية خانقة فيما حذرت أكمجال ماجيتموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا من ارتفاع نسبة الفقر مشيرةً إلى أن ٩٠ بالمئة من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر أي أن دخل الفرد لا يزيد عن دولارين في اليوم بينما تزداد الاحتياجات الإنسانية.