العادات والتقاليد وسياسة السلطة... أسباب حرمت النساء من حق التعليم

بعد أربعين عاماً من حرمانها من حقها في التعليم، تعلمت نجمة الإبراهيم القراءة والكتابة بلغتها الأم، وتسعى لتوظيف ما تعلمته في خدمة مجتمعها وغيرها من النساء.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ تحررت نجمة الإبراهيم من الأمية في سن الأربعين، بعد حرمانها من أبرز حقوقها المشروعة بسبب التمييز والعنصرية، لكن بإصرارها وعزيمتها وللمساعدة في النهوض بواقع المجتمع تعلمت القراءة والكتابة بلغتها الأم.

نجمة الإبراهيم ذات الـ 51 عاماً من مواليد ريف مدينة كوباني بإقليم شمال وشرق سوريا من المكون الكردي حرمت من التعليم في طفولتها بسبب السياسة التي كانت تتبعها حكومة دمشق آنذاك تجاه المكون الكردي، الذي كان يعاني من التمييز والعنصرية، حيث مُنع بناء المدارس في القرى التي يقطنها الكرد، كما مُنع الأطفال من ارتياد مدارس القرى المحيطة بهم، ونجمة حسن الإبراهيم كغيرها من قريناتها كانت ضحية هذه السياسة وحرمت من حقها في التعليم آنذاك.

وأفادت "أنا وجميع أبناء وبنات جيلي حُرمنا من التعليم بسبب السياسة التي كانت متبعة بحقنا في ثمانينات القرن الماضي، فقد منعت حكومة دمشق بناء مدرسة في قريتنا، كما أمرت مدارس القرى المحيطة بنا بعدم استقبالنا حتى أن العاملين عليها منعونا من دخول مدارسهم"، مضيفة "هذا كان حال جيل الثمانيات وما قبل، وفي أواخر ذاك العقد تم بناء مدرسة في قريتنا بعد إصرار أحد المعلمين من المكون الكردي من مقاطعة عفرين الذي تم فرزه إلى منقطتنا، وبعد أن رأى حال القرية الذي يرثى له في الجانب التعليمي، وعلى خلفية مطالبه المتكررة لوزارة التربية في حلب سمح فقط بفتح مدارس لتعليم المرحلة الابتدائية في قريتنا، وبنيت مدرسة بالتعاون مع الأهالي".

فيما كان طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية يتوجهون إلى مدارس القرى المحيطة بهم "لحين بناء المدارس قد فاتنا العمر على إكمال التعليم، وقد بقيت أنا والكثيرات أمثالي دون تعليم".

 

لم تبقى نجمة الإبراهيم مكتوفة الأيدي والأوان لم يفوتها عن تحقيق حلمها بتعلم القراءة والكتابة، فبعد أن بلغت 43 عاماً من عمرها وأثناء حملة تحرير مقاطعة منبج من مرتزقة داعش نزحت إلى ريف مدينة كوباني، استطاعت أن تتعلم القراءة والكتابة باللغة الكردية ونالت شهادة المرحلة الأولى من تعلم اللغة الكردية، حيث قالت "شعور لا يوصف أن تتعلم بلغتك الأم بعد حرمان دام أربعين عاماً من التعليم"، مؤكدةً أنه "بالعلم والمعرفة ترتقي المجتمعات، وبمدى تقدم المرأة يقاس تطورها، ولكن إلى يومنا هذا لا تزال الكثير من العوائل في مجتمعنا تمنع الفتيات من إكمال تعليمهن بسبب العادات والتقاليد البالية، فالتعليم يساهم في توفير الكثير من فرص العمل للفرد إلى جانب التحسين من المستوى الاقتصادي والعلمي لدى الفرد وبالتالي أسرته، والحرمان من هذا الحق يزيد من نسبة البطالة والجهل وهذا ما نسعى للقضاء عليه في مجتمعنا".

وبالرغم من أن نجمة الإبراهيم لم تحصل سوى على شهادة المستوى الأول في اللغة الكردية، إلا أنها تُسخر ما تعلمته من الكتابة والقراءة لخدمة مجتمعها، فهي الآن تعمل ناطقة باسم دار المرأة في تجمع نساء زنوبيا بمقاطعة منبج، حيث قالت "من خلال ما تعلمته من كتابة وقراءة باللغة الكردية أحاول أن أخدم مجتمعي ونسائه، فدار المرأة يحمل على عاتقه حل قضايا المجتمع والمشاكل التي تعانيها النساء في الأسرة سواء مع الزوج أو العائلة".

كما تطرقت بشكل خاص إلى حالات زواج القصر الذي ينجم عنه الكثير من القضايا الاجتماعية كالطلاق وتعدد الزوجات وغيره، "نحاول وضع حد لتفشي زواج القاصرات وتوعية العوائل بضرورة إعطاء الطفلة الفرصة في مواصلة تعليمها واكتساب المعرفة والتجربة من الحياة، كون الفتيات ما دون الـ 18 عاماً غير واعيات وغير قادرات على تحمل مسؤولية العائلة والزوج وهذا ما يضعهن أمام الكثير من الصعوبات التي تفوق خبرتهن وطاقتهن عن استيعاب الكثير من الأمور، ولطالما نؤكد على ضرورة إكمال الفتاة لتعليمها وبناء مستقبل أفضل لها ثم الزواج"، لافتةً أنه "أي شخص متعلم بإمكانه أن يكون فرداً فعال في المجتمع لأنه يستطيع تسخير علمه لخدمة مجتمعه فالطبيب يخدم مجتمع بالعلاج، والمعلم يخدم مجتمعه بالتعليم، وكذلك المهندس والمحامي الجميع يخدم المجتمع لأنه ساروا على طريق العلم والمعرفة، وأنا اسخر ما تعلمته من قراءة وكتابة لخدمة المجتمع والنساء وحل قضاياهن".

وأشارت نجمة الإبراهيم في سياق حديثها إلى الواقع التعليمي في ظل الإدارة الذاتية بإقليم شمال وشرق سوريا "من منطلق مفهوم الديمقراطية والتآخي بين الشعوب التي تأسست عليها الإدارة الذاتية في الإقليم بإمكان أي فرد تعلم لغته الأم، الآن تتوفر مناهج باللغة العربية والكردية أيضاً وكذلك توجد جمعيات لتعليم اللغة الشركسية والتركمانية"، لافتةً إلى أن "الظروف المتاحة حالياً لم تكن متوفرة في أي وقت مضى لذا على كل فرد أن يحمل مسؤوليته تجاه مجتمعه وأن يتعلم ليكون فعالاً في خدمة مجتمعه".

وأشارت إلى أن "العالم وصلوا بالعمل والمعرفة إلى الفضاء والقمر، ونحن لسنا أقل منهم بإمكاننا أن نقود مجتمعنا لأعلى مستويات التطور بالعلم والمعرفة"، مؤكدةً "بناء مجتمع أخلاقي سياسي متطور ومتحرر لا يأتي من سدى بل يتحقق بدعم النساء والشبيبة وعدم إغلاق الطريق أمام تطلعاتهم".