الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أحد أسباب الانتحار في إيران
أكدت الأخصائية النفسية روجان كريمي، أن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على ظاهرة الانتحار، بالإضافة إلى الحالة النفسية لبعض الأفراد التي تدفعهم لأنهاء حياتهم.
يارا أحمدي
مهاباد ـ يمكن تعريف الانتحار بأنه الرغبة في إنهاء الحياة بطريقة معينة، فهو موجود منذ القدم وتختلف أسبابه وعوامله باختلاف المجتمعات، ففي إيران دق ناقوس الخطر بعد ارتفاع حالات الانتحار بطرق مثيرة للقلق في الآونة الأخيرة.
يقول ألبرت كومودوس في أسطورة سيزيف أن السؤال الفلسفي الأكثر أهمية في عصرنا هو الانتحار، واليوم في إيران نرى أن الانتحار أصبح أزمة وخطر له أسباب مختلفة، وفي الواقع فإن الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للمجتمع والأسرة تجبر الشخص على الانتحار.
أكد رئيس جمعية الأخصائيين الاجتماعيين الإيرانيين حسن موسوي شلك، أن إحصائيات حالات الانتحار في عام 2022 كانت سرية، وتشير البيانات إلى أن الإحصائيات الرسمية لحالات الانتحار مخفية هذا العام أيضاً، وبالرجوع إلى الإحصائيات غير الرسمية والمحلية، ندرك أن ناقوس الخطر بشأن الانتحار قد دق في إيران، فإحصائيات الحالات الموجودة لدينا هي التي قدمتها قوات الشرطة ورابطة محترفي وأخصائي الصحة العقلية والطب الشرعي، والتي تعتمد جميعها على الحكومة، ومن المثير للاهتمام أن الإحصائيات المقدمة من هذه المؤسسات الحكومية تشير إلى زيادة في معدل هذه الظاهرة، لكنها لا تتفق مع بعضها البعض وقدمت كل مؤسسة رقماً مختلفاً.
وأشارت التحقيقات الميدانية إلى عمق هذه الكارثة، وأوضحت رؤيا محمدي، إحدى الممرضات في غرفة الطوارئ في مهاباد، إحصائيات محاولات الانتحار "في الأشهر القليلة الماضية زاد عدد محاولات الانتحار كثيراً، ومؤخراً لا توجد ليلة إلا ونشهد فيها حالة، ويوجد ما يقارب 10 حالات محاولة انتحار في غرفة الطوارئ، وهو رقم مرتفع للغاية وهذا كان له تأثير سلبي".
فيما يتعلق بدراسة أسباب وحلول وعوامل الانتحار أكدت الأخصائية النفسية روجان كريمي "لا يمكن ربط الانتحار باضطراب نفسي واحد فقط كالاكتئاب، لأن الانتحار ظاهرة متعددة الأوجه، وهي نتيجة عوامل إنسانية داخلية وبيولوجية إلى جانب عوامل خارجية ثقافية واقتصادية وجنسانية ونفسية، والعوامل الاجتماعية تختلف من شخص لآخر، ولهذا السبب فإن ربط الانتحار فقط بمسألة شخصية مثل الاضطراب النفسي هو للتغطية على أسباب أخرى تنشأ من المجتمع والسياسة الحاكمة".
وأشارت إلى أنه من أهم الأبحاث في هذا المجال تعود إلى دايفيد إميل دوركايم الفيلسوف والعالم الاجتماعي الفرنسي، الذي ربط عوامل مثل البطالة والمشاكل الاقتصادية، والاضطرابات الاجتماعية، والعوامل الثقافية بمعدل الانتحار، بشكل عام، وأعتبر الانتحار هو نتاج الوحدة عندما يصبح مشكلة للنفس، وحينها يمكن أن يكون الانفصال عن الذات وعدم الاتصال بالمجموعة عاملاً من عوامل الانتحار، ومن بين الذين فقدوا وظائفهم، أو أولئك الذين يشعرون بعدم وجود تضامن حقيقي مع المجموعة الأكبر من حيث الجنسية والعرق، وبشكل عام فإن عدم وجود تضامن وارتباط اجتماعي يمكن أن يكون سبباً للانتحار لدى أفراد من المجتمع.
وفيما يتعلق بالإحصائيات المثيرة للقلق المتعلقة بحالات الانتحار والفئات العمرية والجنسية، فضلاً عن العوامل المتعلقة بحالات الانتحار الأخيرة في إيران أوضحت "بحسب الإحصائيات العالمية فإن عدد حالات الوفيات بسبب الانتحار هو أكثر عند الرجال والفئة العمرية لكبار السن هم أكثر عرضة لخطر الانتحار، لكن الإحصائيات في إيران تختلف بسبب اختلاف الظروف، خاصةً الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعوامل الاجتماعية والسياسية ويظهر الموت بالانتحار والمجموعات المعرضة للخطر، وفي الظروف الحالية التي تمر بها إيران، فإن الوفاة بسبب الانتحار ومحاولة الانتحار تكون أكثر لدى النساء، كما أن المراهقين الآن معرضون لخطر أكبر، بل إننا نشهد محاولات انتحار وموت أطفال".
وعن عدم الاستقرار خاصة في القضايا الاقتصادية وأثرها على الانتحار قالت "الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يمكن أن تكون من إحدى اسباب الانتحار المباشرة، كما أن الاستقرار في هذه الأبعاد والاستقرار الشخصي لحياة الشخص من العوامل الفعالة أيضاً، وعندما لا توجد في هذه الهيكل الغير مستقر خطة لحياة الشخص ولا يستطيع السيطرة عليها فإن اليأس والحزن سيكونان أول ردود أفعاله على هذه المشكلة وبالتالي الانفصال عن المجتمع، فعلى سبيل المثال، الفصل من العمل يؤدي إلى الإقصاء والعزلة وهذا هي أحد الأسباب الرئيسية للانتحار".
وأوضحت الأساليب التي يجب اتبعاها للحد من هذه الظاهرة المتفشية بكثرة "من أجل منع الانتحار لا بد أولاً من عدم اعتباره من المحرمات في المجتمع وعدم تحويله إلى تسمية سلبية، في الخطوة الأولى يمكن أن يكون الحديث عما نشعر به مع شخص آخر فعالاً للغاية، حتى عندما يكون هناك قرار بالانتحار وبحسب النتائج العلمية فإن الإنسان يحتاج إلى 7 دقائق فقط ليندم على هذا الفعل، ولهذا السبب فإن هذا الوقت الذهبي مهم جداً للإنسان ولمن حوله، داخل إيران قد يكون من المفيد التحدث إلى طبيب نفسي أو مستشار أو الاتصال بأماكن مثل الطوارئ الاجتماعية، يجب توخي الحذر تجاه الأشخاص الذين يعانون من أزمة أو حاولوا الانتحار من قبل، أو يتحدثون عنها الآن، وعلى الرغم من أن العديد من التدابير الشخصية فعالة في منع الانتحار، إلا أن جذور هذه المشكلة سيتم حلها عندما تتغير الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وما إلى ذلك".
وفي هذه الفترة الزمنية في إيران لا تأخذ الحكومة تحذيرات خبراء الصحة العقلية على محمل الجد، ولا توجد منظمة غير حكومية تحقق في أسباب الانتحار والإحصائيات الرسمية.
وفي ختام حديثها قالت الأخصائية النفسية روجان كريمي "على الرغم من أن الشخص يقدم على الانتحار، إلا أن مسؤولية هذه الأزمة تقع اليوم على عاتق الحكومة، وقد تبقى آثارها لفترة طويلة، كما أنه إذا بقيت هذه الحكومة في السلطة، فسنشهد موجة كبيرة من محاولات الانتحار ما لم يحدث تحول يؤدي إلى التضامن في المجتمع، مثل الحرية الاجتماعية والعصيان المدني، وهو ما يمكن أن يملأ بعض الفراغات الداخلية".