أكثر ضحاياه الأطفال... الليشمانيا تغزو مخيمات إدلب

يزداد انتشار الليشمانيا في مخيمات إدلب والتي راح يعاني منها النازحون على خلفية وجودهم ضمن ظروف معيشية وخدمية بالغة التعقيد بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الحشرات وضعف الخدمات الطبية والازدحام السكاني الشديد

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
لم تتوقع راما القدور (٢٠) عاماً، أن البقعة الحمراء التي بدأت تظهر على يدها وأخذت تكبر بشكل سريع لتتحول لعقدة تغطيها قشرة جلدية متقرحة أن تكون ليشمانيا، إذ ظنت في البداية أنها مجرد لسعة بعوضة سرعان ما تشفى، ولكنها بدأت تكبر مخالفة لتوقعاتها، وراحت تسبب لها ألماً، مما استدعى عرضها على الطبيب الذي أكد أنها ليشمانيا بعد إجراء الفحص والتحاليل اللازمة وأنها بحاجة لعلاج سريع.
بدأت رحلتها بالعلاج في مركز طبي يبعد عن مكان إقامتها في مخيمات قاح شمال إدلب عشرات الكيلو مترات والعلاج عبارة عن حقن موضعية بمعدل إبرة كل أسبوع.
وتشكو راما القدور أوضاع المخيم المتمثل بضعف الخدمات وانتشار المستنقعات ومياه الصرف الصحي التي تملأ شوارع المخيم وتنبعث منها الروائح الكريهة مسببة أمراضاً وأوبئة.
حالة راما القدور لم تكن الوحيدة وإنما تعددت الحالات المصابة بالليشمانيا والتي شملت مختلف الفئات العمرية لينتج عنها ندبات وتشوهات دائمة.
والليشمانيا أو ما يعرف بحبة حلب هي عبارة عن مرض جلدي تسببه حشرة تسمى ذبابة الرمل تلسع الإنسان دون أن يشعر بها وتتكاثر في الأماكن الرطبة والقذرة وتنشط في فصل الصيف على وجه الخصوص.
ولـ الليشمانيا عدة أنواع أخطرها الحشوية التي تصيب الأعضاء الداخلية في الجسم وتظهر أعراضها بارتفاع درجات الحرارة وفقر الدم وممكن أن تؤدي إلى الوفاة، وهناك الليشمانيا الجلدية وهي الأكثر انتشاراً وتسبب تقرحات وتشوهات تبقى مدى الحياة.
أما النوع الثالث فهو الليشمانيا المخاطية التي تصيب الأنف والجيوب الأنفية وتكون على شكل حبوب تسبب أيضاً تشوهات دائمة.
وتتفاوت الإصابات بين شخص وآخر بحسب الإصابة وشدة امتدادها والتهابها وفق الطبيبة الجلدية شادية العبد الرحمن (٤٠) عاماً، والتي تنصح بالابتعاد عن الأماكن التي تتكاثر فيها ذبابة الرمل واستخدام "الناموسيات" والمبيدات الحشرية وارتداء الملابس التي تغطي كامل أنحاء الجسم ومراجعة أقرب مركز صحي، وكذلك تلقي العلاج السريع في حال أي اشتباه بوجود إصابة ليشمانيا قبل أن تكبر وتلتهب ويصبح علاجها أمراً بالغ الصعوبة.
وعن الأدوية الخاصة بالليشمانيا تشير إلى أنه يتم استعمال حقن غلوغانتيم كإبر موضعية وعضلية للعلاج الموضعي في بداية الإصابة، أما الإبر العضلية فيتم استخدامها مع تقدم عمر الإصابة واستفحالها وتأخر علاجها، والمريض يحتاج تقريباً من 15 إلى 20 حقنة خلال فترة علاجه. 
تواجه والدة الطفل هيثم المناع وتدعى سهيلة الجاموس مشكلة إصابة طفلها بالليشمانيا والتي ظهرت على وجهه ويديه، ما اضطرها للسفر باتجاه مدينة إدلب كل فترة ليتاح لها الحصول على العلاج لابنها، حيث تخلو مخيمات دير حسان مكان إقامتها من أي مراكز علاجية، وتقول "حاولت في البداية وضع الكريمات والمطهرات مكان إصابة هيثم اعتقاداً مني أنها مجرد التهاب جلدي، ولكن ذلك لم يعد مجدياً بعد أن تبين نوع الإصابة وهي الليشمانيا وبمراحل متقدمة، فما كان مني إلا التوجه للحصول على العلاج في المراكز الصحية التي يتوفر فيها".
وتنتقد سهيلة الجاموس عدم اهتمام المسؤولين بالمخيمات التي أصبحت مرتعاً للحشرات والبعوض والذباب الذي راح يزداد عاماً بعد عام جراء انتشار القمامة ومياه الصرف الصحي المكشوف والاستهتار الملحوظ بحياة النازحين من خلال ضعف الخدمات الطبية والعلاجية والتوعوية وعدم وجود تحركات جدية لتحسين هذا "الواقع المأساوي" وفق تعبيرها.
وكثيراً ما يلجأ المصابون بالليشمانيا لشراء أدوية علاجهم بأنفسهم والتي يصل ثمن الحقنة الواحدة منها من 5 إلى 10 دولارات أمريكية جراء فقدانها من المراكز الصحية في كثير من الأحيان، وهو ما راح يرهق الفقراء ومحدودي الدخل الذين يضطرون لتأخير العلاج مما يفاقم الحالات ويجعل أمر شفائها ليس سهلاً.
ويعد داء الليشمانيا الجلدية أحد أكثر الأمراض المعدية انتشاراً بين النازحين، فبحسب آخر الإحصائيات التي نشرت في أيار/مايو الماضي، سجلت أكثر من ٥٦٠ ألف إصابة بالليشمانيا في الشمال السوري، وفاق عدد المخيمات الموبوءة ١٣٠ مخيماً، وفيها ما يزيد عن ٢٨ ألف عائلة مصابة بكامل أفرادها.