اختطاف الأطفال في الجزائر... الدوافع والأسباب
ثمة تساؤلات مُلحة تُطرح حول الدوافع الحقيقية التي تقفُ وراء جريمة اختطاف الأطفال، والتي أصبحت تُؤرق كل أسرة جزائرية.

رابعة خريص
الجزائر ـ بين الحين والآخر ينتشرُ خبر كالنار على الهشيم مفادهُ تسجيل جريمة اختطاف تنتهي في غالب الأحيان بجريمة قتل صادمة تقشعرُ لها الأبدان.
قبل أكثر من شهر صُدم الجزائريون بجريمة قتل الطفلة مروة بوغاشيش، في غابة بمدينة قسنطينة، وقبلها بسنوات قليلة اهتزت البلاد بقصة الطفلة "نهال" التي اختفت فجأة عن أنظار عائلتها في قرية آيت علي بمدينة تيزي وزو التي تبعدُ نحو 110 كيلومترات شرق العاصمة الجزائرية والتي قُتلت بطريقة أقل ما يُقال عنها إنها "وحشية".
ويعيشُ الرأي العام في الجزائر عُموماً ومُحافظة الشلف (مدينة تقعُ في وسط غرب الجزائر على بُعد 200 كلم غرب العاصمة الجزائر) على وقع حادثة اختفاء قاصر تُدعى "بوهالي مروة" تبلغ من العمر 17 سنة وهي حادثة جديدة تُضاف إلى مسلسل الاختفاء الغامض.
ورُغم عدم وُجود إحصائيات رسمية دورية تضعُ توصيفاً دقيقاً لهذه الجرائم في الجزائر لا سيما من حيث مُتوسط عدد الجرائم المُماثلة، غير أن بعض الدراسات البحثية التي أجريت سابقاً في العُلوم الاجتماعية تُؤكد أن الانطلاقة الواضحة للظاهرة كان في سنة 2000، وقد بلغت محاولات الاختطاف أعلى مُستوى لها عام 2016 حيث تم تسجيل أكثر من 200 حالة منهم 8 أطفال تعرضوا لجريمة القتل العمد.
ووفق أحدث إحصائيات الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل (غير حُكومية)، فقد سُجلت 13 حالة اختطاف للأطفال خلال 2020، وخلال عام 2019 تم تسجيل 220 محاولة اختطاف نجحت الجهود الأمنية في إنقاذ أكثر من 52 ضحية.
واليوم ثمة تساؤلات مُلحة تُطرح حول الدوافع الحقيقية التي تقفُ وراء هذا السُلوك الذي أصبح يُؤرق كل أسرة جزائرية وسبل القضاء عليه أو الحد من ارتكابه على أقل تقدير.
النزعة الانتقامية
تبدأ ليندة غليمي وهي أخصائية نفسية تحليلها بطرح السؤال التالي هل المُجرم أثناء ارتكابه للجريمة يكون تحت دوافع واضطرابات نفسية؟ وتتولى الإجابة بنفسها بشكل قطعي "بالتأكيد الجريمة تكون لدوافع وغايات مُتعددة، من بينها النزعة الانتقامية إذ يلجأ المُجرم في غالب الأحيان إلى تصفية الخلافات الشخصية أي لوُجود خلافات شخصية بين ذوي الأطفال والخاطفين".
وفي المرتبة الثانية، يأتي الاختطاف من أجل الحُصول على المال أو نزع عُضو من أعضاء الطفل من أجل الاتجار به أو القيام باستغلاله لأغراض أخرى، وُهنا تقول الأخصائية النفسية إن "هذه الحالة غير منتشرة بقوة في المجتمع الجزائري لكن بدأت تطفو إلى السطح في الآونة الأخيرة"، وأوضحت أنه "يتم استغلال الأعضاء البشرية للأطفال في السحر والشعوذة، فبعض المشعوذين يختطفون أطفالاً في عمر الزهور للمُمارسات السحرية وطُقوس الشعوذة".
وبالتأكيد هُناك عوامل أخرى تخصُ المجرم في حد ذاته، وتقولُ إن "بعض المجرمين هُم مضطربون نفسيون فبعض التحليلات النفسية لشخصية أي مُجرم يتبين أنه عاش طفولة قاسية وحرمان عاطفي أي أنه يفتقد للحب والحنان وقد تعرض لاعتداءات جنسية أو جسدية، وجميع هذه السُلوكات ولدت داخله اضطرابات وحتى يسترجع هبته يلجأ إلى الإجرام من أجل أن يُثبت أنهُ يتمتعُ بشخصية قوية قادرة على السيطرة على الآخرين".
"البيدوفيليا"
ومن أهم الأسباب الأخرى المُؤدية لاتساع رُقعة الاختطاف ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال في المُجتمع الجزائري أو ما يُعرفُ عالمياً بـ "البيدوفيليا"، وفي تعليقها على هذا العامل، أكدت أنه بناءً على بعض الدراسات التي أجريت فقط انتشرت هذه الجريمة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وتبدأ بـ التحرش ثم تنتهي بالاغتصاب والقتل".
وحسب أرقام وإحصائيات نشرها المعهد الجزائري للأدلة الجنائية وعلم الإجرام عام 2015، فإن 52 بالمئة من حالات اختطاف الأطفال تعودُ دوافعها لخلافات شخصية بين المجرم وذوي الضحية وغالباً ما تقعُ الجريمة بدافع الانتقام، بينما أقدمت شبكات إجرامية مُنظمة بتنفيذ 29 بالمئة من عمليات الخطف من أجل الحصول على فدية، في حين أن 12 بالمئة من الحالات كان دافعها جنسياً، وتمثل المتاجرة بالأعضاء نسبة 5%، وتبقى 2% من حالات الاختطاف مجهولة الأسباب.
وحول سؤال كيف يُمكن التصدي لهذه الظاهرة التي أرقت المجتمع الجزائري وزرعت الشك والحيرة في نُفوس الأولياء والأبناء؟ تجيب ليندة غليمي "الخطة يجبُ أن تبدأ من توعية الأطفال كالتركيز مثلاً على التربية الجنسية وترسيخ فكرة أن جسده ملكية خاصة له ولا يجوز لأحد لمسهُ حتى ولو بقبلة وإمساك من اليد لا سيما وأن أغلب الجرائم أثبتت أن المجرم قد يكون من العائلة أو من المحيط الاجتماعي لذلك يجبُ تحديد طبيعة الأشخاص الذين يجبُ أن يتعامل معهم الطفل سواء داخل الأسرة أو الروضة أو المؤسسة التربوية التي يدرسُ فيها".
وأشارت على أن هُناك خُطوة أخرى يجبُ التركيز عليها وهي "فتحُ باب الحوار والثقة بين الآباء والأبناء والحديث مثلاً عن الأصدقاء وطبيعة الأماكن التي قصدها خلال يومه وحتى عن المشاكل الشائعة التي تعترضهُ يومياً مع القيام بحملة توعية داخل المجتمع من أجل نشر الوعي وتشمل الأولياء والأساتذة نظراً للدور الحيوي الذي يلعبوه في تحقيق أهداف التعلم".