أخصائية نفسية: ارتفاع حالات الانتحار في تونس يتطلب دراسة الأسباب ومعالجتها

على خلفية ارتفاع حالات الانتحار في تونس، طالبت الأخصائية النفسية سلوى عامري السلطات بالاهتمام بالمحيط الاجتماعي للأطفال في المناطق المهمشة ودراسة احتياجاتهم ومحاولة تلبيتها، ومراقبة ما تبثه وسائل الإعلام ومواقع التواصل من رسائل تؤثر على نفسية الأطفال.

إخلاص الحمروني

تونس ـ "بلغت نسبة محاولات وحالات الانتحار في تونس خلال الستة الأشهر الأولى لعام 2024، في صفوف الأطفال 18 بالمائة من مجمل 75 حالة، توزعت إلى 60 في صفوف الذكور و13 في صفوف الإناث"، هذا ما ورد في تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

جاء في تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن المنزل يعد الإطار الأساسي الذي يعمد داخله الأفراد لوضع نهاية لحياتهم وأن مدينة القيروان تحتل المرتبة الأولى في حالات ومحاولات الانتحار "سجلت نحو 15 بالمائة من الحالات المسجّلة خلال السداسي الأول للعام الجاري"، تليها في ذلك كل من مدينة سيدي بوزيد، بنزرت، قابس والقصرين.

تلك المؤشرات أصبحت تلفت الانتباه وتعكس تعدد جرائم الانتحار، الأمر الذي جعل العديد من الخبراء وأهل الاختصاص يدقون ناقوس الخطر لاسيما مع تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، حيث تم تسجيل 8 حالات انتحار و102 محاولة انتحار في عام 2023 كانت 80 بالمائة منها في صفوف الفتيات.

ترى سلوى عامري وهي أخصائية نفسية وعضوة في اللجنة الجهوية للوقاية من الانتحار التابعة للإدارة الجهوية للصحة، أن ظاهرة الانتحار تندرج ضمن ما يعرف أو يسمى بظاهرة العنف أو العدوان الموجّه من الذات وإلى الذات" والتي دفعت العديد من الباحثين في مجالات مختلفة مثل علم النفس، علم الاجتماع وعلم الإجرام إلى القيام بالعديد من البحوث ودراسات بشأنها بهدف معرفة أسبابها ودوافعها والحد من انتشارها.

وفي تشخيصها لهذه الظاهرة، قالت "تؤكد جل المؤشرات الخاصة بعدد حالات أو محاولات الانتحار انتشار هذه الظاهرة خاصة في المناطق الداخلية وتأتي القيروان في المرتبة الأولى على مستوى البلاد وتليها سيدي بوزيد في المرتبة الثانية، وأغلب هذه الحالات هي لأشخاص لا يتعدى عمرها الـ 18 عاماً".

وأضافت أن ظاهرة الانتحار تعود لعدة عوامل منها شخصية ولها علاقة بانتشار الأمراض النفسية "هذه الفئة العمرية تعتبر محاولة الانتحار رد فعل على مشكلة تم رفضها نفسياً وحاولت البحث عن حلول لها لكن لم تستطيع، فقررت محاولة الانتحار هرباً من هذه المشكلة، بمعنى أن البعض منهم يرى أن الحل لمشاكلهم هو الانتحار لكن هذا لا يمثل حلاً".

وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة عند الأطفال، بينت أن هناك أسباب اجتماعية واقتصادية فضلاً عن أساليب التربية والظروف المحيطة بالطفل التي تساهم في تنمية هذا السلوك الانتحاري "سجلت أغلب الحالات في القرى الفقيرة التي تعيش تهميشاً سياسياً واجتماعياً، وهذه الأوضاع تولد ردود فعل عند السكان خطيرة حيث يلجؤون دائماً إلى العنف مع الأطفال ويجهلون كيف يتعاملون معهم وحمايتهم ولا يستطيعون تحقيق مطالبهم، الأمر الذي يولد الإحساس بالنقص عند أطفالهم".

وأشارت سلوى عامري إلى أنه في ظل التفتح الكبير للمراهقين على ما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي يشعرون بالضعف والعجز بسبب بمقارنتهم بطريقة عيشهم في الأرياف وطريقة عيش الأطفال في المدن ومدى الرفاهية التي يعيشوا فيها مقارنة بالفقر الذي يعيشون فيه، وهذا يولد إحساس الدونية والتهميش وبالتالي يختارون العنف كرد فعل لرفضهم ظروفهم الصعبة وفي أول مشكلة يلجؤون إلى الانتحار.

ويمثل غياب التأطير الذي يساعد الأطفال على بحث عن حلول إيجابية لمشاكلهم وعدم وجود إدارات مختصة في هذه الأرياف أو الأماكن الفقيرة للإحاطة بهم تعد أيضاً عوامل تشجعهم على إتباع هذا السلوك، وتابعت سلوى عامي "إذا قمنا بمراجعة للسنوات الأخيرة التي شهدت انتشار ظاهرة الانتحار في مناطق الجنوب نجد أن الفقر وغياب التوعية بخطورة هذا السلوك من أهم أسباب إقدام الأطفال على الانتحار".

وأضافت "لعبت وسائل الإعلام دوراً هاماً في انتشار هذه الظاهرة بحكم تأثيرها القوي عليهم حيث ثبت أن برامج تلفزيونية وحوارية ومسلسلات تشجع على هذه الظاهرة وتوضح بالصورة والصوت طرق الانتحار"، مبينة أنه "حاولت طفلة تقليد ممثلة بطريقة الانتحار وفعلاً شنقت نفسها بالحبل كما تم في المسلسل".

وحثت على ضرورة مراقبة ما تبثه وسائل الإعلام التونسية من رسائل سلبية تزيد من هشاشة الطفل وتؤثر على نفسيته وتشجعه على هذا السلوك السلبي، محذرة من التعاطي المثير والاعتباطي لمسألة انحراف الأحداث وانتحار الأطفال، داعية إلى تناول هذه المسائل وفق الضوابط القانونية وبالحرفية المطلوبة.

وبخصوص آليات الحماية، أكدت أن الجهات المعنية شكلت لجنة تضم عدد من المختصين والأسرة والمدرسة مهمتها الإحاطة بالأطفال والشباب وتوعيتهم بخطورة موضوع الانتحار، كما يعمد الأساتذة المختصين لدراسة هذه الظاهرة وتبقى هذه اللجنة دائماً في حالة انعقاد وتدرس حالات الانتحار كل حالة حسب وضعها.

يذكر أنه في سيدي بوزيد تم تشكيل لجنة الجهوية لمتابعة حالات ما بعد الانتحار وتأثيرها على الأطفال في المحيطين الأسري والمدرسي إثر تسجيل أول عملية انتحار شهدتها الجهة في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

وطالبت سلوى عامري السلطات بالاهتمام بالوضع أو المحيط الاجتماعي للأطفال في المناطق النامية ودراسة احتياجاتهم ومحاولة تلبيتها حتى يتم رد اعتبارهم، موضحة أن هذه الاحتياجات تتمثل في تنمية جهوية (مدارس قريبة وطرقات معبدة وخدمات صحية...) ومراكز ترفيه وخليات إنصات تستمع لمشاكلهم وترشدهم إلى حلول سليمة.