إجبار وليس اختيار... معاناة السوريات من الترحيل القسري
الترحيل القسري للنساء السوريات من أكثر أشكال الانتهاك الإنساني قسوة ويحمل في طياته عبء التحديات المزدوجة حيث تجبر النساء على مواجهة مخاطر عديدة في بيئات غير مألوفة يتعرضون خلالها لشتى أشكال الاستغلال والتمييز.
غفران الهبص
حلب ـ الترحيل القسري للنساء يمثل واحدة من المآسي الإنسانية التي يعاني منها العالم اليوم، وهو لا يعكس فقط فقدان الأمل في مكان آمن، بل هو تعبير مؤلم عن تجريد النساء من حقوقهن الأساسية وأمانهن الشخصي لتعود النساء بعد سنوات من البحث عن ملاذ في الخارج إلى وطن لا يزال يعاني من شظايا الحرب والنزاع، حيث تكون حياتهن مهددة بشكل متواصل.
عندما يتم ترحيل النساء السوريات قسراً إلى سوريا، لا يعانين فقط من فقدان الاستقرار، بل يواجهن أيضاً سلسلة من المخاطر التي لا تُحتمل في بيئات تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، مما يجعلهن عرضة لعنف متواصل واستغلال وتتضاعف معاناتهن بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، لكونهن تُجبرن على التكيف مع واقع مرير يفتقر إلى الأمن والكرامة.
وتتجاوز معاناة النساء حدود الأرقام والإحصاءات فكل قصة ترحيل تحمل معها الكثير من الألم والاضطراب، والبحث المستمر عن الأمان قد تجدن أنفسهن في مواجهة عوائق هائلة، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستغلال الاقتصادي، والتمييز المجتمعي.
والتجارب اليومية عادة ما تؤثر بشكل عميق على صحتهن النفسية والجسدية، مما يجعل حياتهن عبارة عن صراع مرير من أجل البقاء في ظل ظروف غير إنسانية.
رحلة معاناة بين الأمان المفقود والعودة إلى المجهول
تروي حنان الحسن، أم لأربعة أطفال وتبلغ من العمر نحو ٣٧ عاماً تجربتها مع الترحيل القسري "منذ سبع سنوات خرجنا من بلادنا قسراً تحت طائلة الحرب والقصف والدمار، وتوجهنا إلى تركيا، كانت الحياة هناك صعبة ولكننا كنا نحاول التأقلم مع الظروف، واجهنا تحدي اللغة والشعور باللجوء وعدم قدرتنا على تعليم أطفالنا فضلاً عن صعوبة الحصول على وثائق تساعدنا على سهولة التنقل، عشنا في حي شعبي وكل الوقت كنا نحاول أن نبذل جهدنا للحصول على لقمة العيش بأي طريقة وكسبها دون الحاجة لأحد".
وأضافت "عمل زوجي في البناء لكن لم يكن يكفينا الأجر ولذلك قمت بالعمل في إحدى الأراضي الزراعية وتحملت مشقة العمل والاعتناء بأطفالي في محاولة لتنظيم حياتنا بما يتاح لنا، وبالرغم من كل هذه التحديات حاولنا العيش على أمل أن يكون الغد أفضل".
فخ الترحيل والتوقيع القسري
وقالت "ذات يوم قررنا أنا وزوجي الخروج إلى السوق لشراء بعض الحاجات الأساسية للمنزل، أخذنا أطفالنا معنا لأننا لم نكن نرغب في تركهم وحدهم خوفاً عليهم من الهجمات التي يتعرض لها السوريين في الفترة الأخيرة، وبينما كنا نتجول بين الباعة لاحظنا وجود الشرطة التركية التي كانت تقوم بالتدقيق في أوراق الأهالي، لم يكن لدينا ما نخاف منه، فنحن نملك وثائق قانونية نحملها بشكل دائم تحسباً لمثل هذا الموقف، فعندما طلبوا منا إظهار بطاقات الحماية المؤقتة (الكيمليك)، قدمناها بكل ثقة لكن فجأة تغيرت الأمور وبدأ أفراد الشرطة بالتحدث فيما بينهم، ثم طلبوا منا مرافقتهم دون أن نفهم ما الغرض من هذه المرافقة غير مدركين ما الذي يجري ولكن اضطررنا إلى الامتثال".
وأضافت "وصولنا إلى مركز الاحتجاز كان من أصعب المواقف عندما تم فصلنا عن الأطفال لبعض الوقت، وهو ما زاد من خوفنا وقلقنا فبقينا لساعات في غرفة صغيرة مع مجموعة من اللاجئين الآخرين، ننتظر أن يخبرنا أحدهم بما سيحدث، الأطفال كانوا مرعوبين، وزوجي كان يحاول تهدئتهم، بينما كنت أفكر في كل السيناريوهات الممكنة، أخيراً، جاء ضابط وطلب منا التوقيع على مجموعة من الأوراق لم يكن لدينا أي فكرة عن محتوى هذه الأوراق، ولكن الضابط قال لنا إنها ضرورية لتسوية وضعنا القانوني، ولأننا كنا في حالة من الإرهاق والخوف، لم نفكر كثيراً ووقعنا ولم نكن نعلم أن هذه الأوراق هي موافقة لترحيلنا".
خوف وترقب... الذهاب إلى الحدود
وأوضحت أنه "بعد ساعات قليلة أيقظونا وأمرونا بالصعود إلى حافلة كانت تنتظرنا خارج المركز أدركنا حينها أننا قد وقعنا في فخ الترحيل لم يكن لدينا وقت لجمع أشيائنا أو التفكير في بدائل فالأطفال كانوا يبكون من الخوف، ونحن كنا نشعر بالعجز التام، سارت الحافلة بنا لساعات وكانت الأفكار تتقاذف في رؤوسنا ماذا سيحدث لنا وأين سيأخذوننا وعندما وصلنا إلى الحدود السورية أدركنا أن الكابوس قد أصبح حقيقة، وبعدها أصبحنا على الأرض السورية وأخبرونا بأننا لا نستطيع العودة إلى تركيا".
وأضافت "لم يكن أمامنا خيار سوى الاستمرار في السير، الطريق كان طويلاً ومرهقاً، والأطفال كانوا يعانون من التعب والجوع، كان علينا أن نسير لساعات حتى نصل إلى أقرب مخيم في حلب، وعندما وصلنا كان الوضع هناك مأساوياً لم يكن هناك ما يكفي من الخيام لاستيعاب كل العائلات التي تم ترحيلها كنا ننام على الأرض، محاولين تأمين وسائد وأغطية لأطفالنا، ولكن لا طعام يكفي ولا مياه نقية للشرب، فقط محاولات بائسة للبقاء على قيد الحياة".
المقاومة من أجل البقاء
بعد رحلة مريرة عبر الحدود، وجدت حنان الحسن نفسها وأسرتها في مخيم يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، الذي كان يفترض أن يكون ملاذاً آمناً ولكنه تحول إلى مكان يعج بالمعاناة.
وبات عليها أن تكافح يومياً من أجل تأمين الحد الأدنى من الطعام والمياه وسط ظروف قاسية لا ترحم، ولم تقتصر آثار الترحيل القسري على الجوانب المادية فقط، بل تركت هذه المحنة جروحاً نفسية عميقة لدى كل فرد من هذه الأسرة ومنها الخوف والقلق المستمر الذي أصبح جزءاً من حياتها.
وأشارت إلى أنه منذ وصولها إلى المخيم وهي تكافح من أجل البقاء فمثل هذه الظروف لا يستطيع البشر العيش فيها، مؤكدة أنه يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة وتحاول جاهدة تأمين أي شيء لأسرتها "لا أستطيع وصف حجم الألم النفسي الذي عشته بعد هذه التجربة فأطفالي باتوا يخافون من أي صوت مرتفع ويعانون من كوابيس ليلية ويستيقظون مفزوعين"، لافتة إلى أنها قد تبدو قوية ولكنها من حين لآخر تشعر بالخوف والقلق لأن المستقبل غامض والحاضر مهدد.
ومعاناة حنان الحسن واحدة من آلاف القصص التي تعيشها النساء المهجرات قسراً ممن وجدن أنفسهن مضطرات للعودة إلى بلد مزقته الحرب وهو أمر بات يحتاج لتدخل من المجتمع الدولي لحماية النساء والأطفال من التهديدات الدائمة والعيش في ظل ظروف غير إنسانية.